مناقشة ظاهرة التطرف وتكوينها من خلال كتاب جديد للباحث إبراهيم غرايبة
غرايبة: تقدير مستقبل الجماعات المتطرفة وقدرتها على العمل مرتبط باستقطاب التمويل والمؤيدين
غرايبة: حماية التحديث يتطلب منظومة اجتماعية وثقافية جديدة والحدّ من وهم النخب السياسية والاجتماعية بالاحتكار والامتيازات ورفض المشاركة والحريات والمساواة
د. أبوحمور: المنطقة العربية دفعت أثماناً باهظة من إمكاناتها في مواجهة التطرف وما زالت تعاني من مشكلات اجتماعية اقتصادية وسياسية وبيئية
مرايا – ناقش متخصصون في لقاء نظمه منتدى الفكر العربي بالتعاون منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية، مساء يوم الأحد 30/9/2018، قضية التطرف وأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية في المنطقة العربية من خلال كتاب جديد صدر مؤخراً بدعم من المنظمة نفسها للباحث والكاتب الصحفي الأستاذ إبراهيم غرايبة بعنوان “التطرف”، بحث فيه مسألة التكوين المعرفي في فهم ومواجهة التطرف. وعقب على الكتاب رئيس مجلس أمناء منظمة النهضة العربية أ.د. زيد عيادات، وأدار اللقاء وشارك فيه الأمين العام للمنتدى د. محمد أبوحمور.
وفي كلمته التقديمية، اعتبر د. محمد أبوحمور هذا الكتاب موسوعة فكرية مصغرة حول التطرف فكراً وأساليباً وآليات حركة. وقال: إن الظواهر المروعة للتطرف والإرهاب لا تنفصل عن الأجندات الخارجية التي تتقاطع مصالحها مع نتائج الصراع في المنطقة، وأن هنالك أسباباً داخلية تراكمت عبر أكثر من نصف قرن في المنطقة وساعدت على تنفيذ أهداف خارجية تحاول الآن إعادة تقسيم المنطقة ورسم خرائطها من جديد.
وأضاف أن المنطقة العربية دفعت أثماناً باهظة من إمكاناتها البشرية والمادية الاقتصادية والبيئية في مواجهة التطرف والإرهاب، وما زالت تعاني من مشكلات اجتماعية واقتصادية وتراجع معدلات النمو، وبقاء المشكلات السياسية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية دون حل عادل يكفل السلام والاستقرار والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، إضافة إلى افتقاد رؤية مشتركة في مواجهة التحديات وانتشال الأجيال الجديدة من براثن الإحباط واليأس، وبطء الإصلاحات وتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وتعزيز جهود إصلاح التعليم.
وفي عرضه للرؤية التي يقدمها كتاب “التطرف”، قال المؤلف إبراهيم غرايبة: ثمة أسئلة وتقديرات بديهية تتشكل عند التفكر في التطرف والجماعات والتنظيمات المسلحة، وهي تدور ببساطة حول قدرة هذه الجماعات والتنظيمات على اجتذاب المتطوعين والمؤيدين والموارد المالية اللازمة للتجنيد والتسليح والقتال، ومهما علمنا أو خفي عنا من أمر هذه الجماعات فإن ثمة حقيقتين واضحتين تكفيان للتحليل والدراسة في شأن هذه الجماعات، وهما التأييد الفكري لهذه الجماعات والذي يصل لدى البعض إلى التطوع والقتال والاستعداد للموت، والموارد المالية الكافية أو التي تغطي عملها، وإن تقدير مسار ومستقبل هذه الجماعات وقدرتها على العمل والتأثير مرتبط بقدرتها على استقطاب التمويل والمؤيدين.
وأضاف غرايبة: يمكن اليوم أن نلاحظ بسهولة كيف أن الدول العربية الحديثة اقتبست النموذج الغربي في التحديث، ولكنه تحديث منفصل عن متوالياته وشروطه، ففي الغرب كانت الثورة الصناعية في أهم جوانبها وتجلياتها متوالية من الموارد والأسواق الجديدة، وأنشأت هذه مدناً وطبقات ونخباً جديدة، وفي هذا الصراع بين النخب والطبقات تشكَّلت التعددية السياسية والثقافية، وترسخت الديمقراطية وسيادة القانون لأجل تنظيم سلمي لهذا التنافس والصراع. وهكذا تحولت الوفرة الجديدة في الموارد والمعارف إلى منظومة اجتماعية وثقافية جديدة.
وأوضح أنه لم يكن من الممكن حماية هذا التحديث إلا بمنظومة اجتماعية وثقافية جديدة ملائمة من المدن والمجتمعات التي تجد المعنى والجدوى في الارتقاء بنفسها وحريتها، فلا يمكن أن يذهب الناشئة إلى المدارس والجامعات ويتواصلون مع العالم ويعرفون كل شيء، ثم تواصل النخب السياسية والاجتماعية وهمها بالقدرة على السيطرة ومواصلة الاحتكار والامتيازات ورفض المشاركة والحريات والمساواة.
وأشار غرايبة إلى أن تفسير ظاهرة التطرف في سياقها الاجتماعي ثم اقتراح سياسات اجتماعية للمواجهة ليس إنكاراً للأبعاد الأمنية والاقتصادية والسياسية والدينية للظاهرة، لكن وبسبب تعقّد الظاهرة وآثارها وتعدد الدراسات وتشعبها، فلم يعد هناك من مجال سوى عزل العوامل والمتغيرات المتعددة في تشكيل الظاهرة والتركيز على عدد قليل منها بهدف الدراسة والتحليل، وليس عزلاً واقعياً أو تجاهلاً للمكونات المتعددة والمتفاعلة في تشكيل الظاهرة.
وبيّن د. زيد عيادات في تعقيبه أن قراءة الكتاب تحتاج إلى جهد كبير في متابعة الأفكار والتفاصيل والتحليلات التي اشتمل عليها، وعلى القارىء استحضار كل ما يعرفه عن الموضوع للتحاور مع المحتوى واستيعابه. وقال: يحسب للمؤلف أنه قدم إضافات لإغناء الموضوع وتعميق الفكرة من خلال البحث في التكوين المعرفي للتطرف في سياق دراسة الظاهرة، بحيث طرح الكيفيات التي يولد فيها التطرف والبيئة التي تنتجه، كما مزج المؤلف بين علوم مختلفة في بحثه شملت علم الاجتماع وعلم النفس وعلم السياسة والفلسفة. وهذا التنوع في المنهجيات وظفه لدراسة التطرف بوصفه تكويناً معرفياً يكشف الأسس الثقافية والاجتماعية التي ينشأ فيها هذا التطرف.
ورأى د. عيادات أن التطرف ليس غلواً من حيث معنى زيادة الشيء الذي ينطبق على الأمر المستحسن، لكنه زيادة ضارة. واعتبر أن من أهم المسائل في دراسة ظاهرة التطرف هو ما يتعلق بالهوية وأزمة الهوية كما تدل على ذلك الأبحاث التي اشتمل عليها الكتاب موضوع النقاش.
وأعقب ذلك نقاش موسع شارك فيه الحضور من أكاديميين وباحثين وناشطين في قضايا المجتمع المدني.