مرايا – عمر كٌلّاب – تزخر مواقع التواصل بعبارات من العيار الثقيل قالها مفكرون وسياسيون ويتداولها الناس على شكل حكمة , ولظروف صحية وسياسية , غامرت بالعودة الى اقوال اعضاء مجلس النواب السابقين والوزراء ايضا , وتعمقت اكثر في كتابات الوزراء الحاليين ما قبل الوزارة وما بعده , وجازفت بقراءة محاضرات ومقالات رئيس الوزراء , على قاعدة ” ما انا قاعد قاعد ” , ويمكن تلخيص المراجعة السريعة بأنها صالحة لمسرحية من مسرحيات محمد الماغوط القائمة على منهجية” الكوميديا السوداء ” .
ابدأ من النواب الذين خرجوا من تحت القبة , وبمراجعة بعض الصفحات لنائبتين وبعض النواب السابقين , تجد ان الخطاب المنشور اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي لو كان هو نفسه الخطاب تحت القبة لمكثوا على مقاعدهم آمنين لدورات متعددة , فالمنشورات والكلمات تقطر حكمة والتزاما بأوجاع الناس وملتزمة حد الولاء لله وللوطن , عكس كل سلوكهم تحت القبة بل ويتناقض مع برامجهم الانتخابية التي فازوا بها والتي خسروا منها ايضا .
الحال مقلوب بخصوص الوزراء , فهم مشاكسون وناقدون خارج مجلس الوزراء , وبعضهم ارتفع سقفه اكثر من المشاكسة والمعارضة , ولكنه على مقعد الوزارة كان وادعا الى درجة تبعث على القلق الشعبي وتمنح اي رئيس حكومة راحة بال غير محدودة , والحديث هنا عن الوزراء غير الصحفيين او الكتاب رغم ان مواقع التواصل الاجتماعي قلّصت الفوارق بين الكاتب وغيره , فالجميع يكتب وثمة محترف واقصد انه ياكل ويعيش من الكتابة , على غرار احتراف كرة القدم وليس احترافية الكتابة .
اما زملاء الحرف وهنا لا التمس لهم العذر او التبرير , فهم وقعوا ضحية التقييم الشعبي بالخلط بين كاتب المقال او التحليل وبين الوزير , فالوزير بالعادة محكوم في القرار لعوامل متعددة اولها الموازنة وطبيعة الكادر الحكومي وحجم التداخلات بين الوزارات , وهذه كلها مجهولة لكاتب سياسي او محلل اقتصادي , اعتاد ان يكتب رأيا شخصيا او فلسفة حياة وتجربة , ولكنهم يتورطون احيانا بالدفاع عن قرارات بحكم الوظيفة والمنصب , سبق لهم ان هاجموها بقسوة , لكن ما ينفعهم ان دخولهم البوابة الحكومية جاء لانهم كتاب مقبولون من الناس ومنحهم الشارع الشعبي ثقته بالقراءة والمتابعة وعليهم المحافظة على هذه الثقة وتوضيح الفواصل بين الوزير والكاتب حتى لا يستمر الخلط الشعبي ولحظة المفاضلة اذا وقع المحظور فإن عليهم الانحياز للمقالة والكتابة , فلا يوجد في التاريخ صحفي سابق ويوجد عشرات المئات من الوزراء السابقين .
تبقى معادلة رئيس الوزراء , فهو صاحب القول الفصل , رغم التجاذبات السياسية وطبيعة الاجنحة في السلطة , ولا اجازف ان قلت ان الدكتور عمر الرزاز استعجل القبول بالمنصب واستعجل اكثر في البرنامج الحكومي , واظن ان محاضرته الشهيرة التي جاءت على شكل مقالة في الزميلة الغد تصلح ان تكون برنامجا حكوميا , وكان عليه اختيار فريقه الحكومي ضمن هذا المنهج , اي برنامج حكومي ثم يأتي الفريق على قاعدة الموافقة على البرنامج , لانها ببساطة حكومة الدكتور عمر الرزاز تتشكل وفقا لتنسيبه وترحل برحيله , ومَن يملك المنح يملك المنع .
الناظم بين التكوينات الثلاثة هو حجم الانزياح في المواقف ما قبل المنصب وبعده , وكل ذلك مفهوم طالما بقيت الحكومات صنيعة ذاكرة الرئيس وعلاقاته ضمن خارطة ارضاء مراكز القرار , ودون الخروج من هذه المعادلة المقلوبة , سنبقى اسرى الانزياح بل والانقلاب على المواقف السابقة او اللاحقة كما يحدث الآن في الانتقال من خانة الرضا الى خانة الغضب , فالمعارضة والموالاة كمصطلحين لا ينطبقان على الحالة الاردنية القائمة.