مرايا – رفع مجلس الأمة، أمس، رده على خطاب العرش السامي، الذي تفضل جلالة الملك عبدالله الثاني بإلقائه في الرابع عشر من الشهر الحالي، إيذانا بافتتاح الدورة العادية الثالثة لمجلس الأمة الثامن عشر.
وأكد رئيس مجلس الأعيان، فيصل الفايز، في رد المجلس على خطاب العرش، الذي ألقاه بقاعة العرش في قصر رغدان العامر، أهمية القرار التاريخي المتصل بمنطقتي الباقورة والغمر، والذي يعكس حرص جلالة الملك على صون وحماية المصالح الوطنية العليا، قائلا “نبارك لوطننا وأهلنا، ولأمتنا بهذه الخطوة الهاشمية العظيمة”.
من جانبه، قال رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة “اسمحوا لي مولاي، قبل أن أبدأ كلمتي، باسمي واسم مجلس النواب أن نرفع إلى مقامكم أسمى آيات التهنئة والتبريك بقراركم الحكيم السياسي بتعطيل اتفاقيتي الغمر والباقورة، والذي كان له أثر كبير جدا على نفوسنا في البرلمان وعلى نفوس أبناء الشعب الأردني”.
وفيما يلي نص رد مجلس الأعيان:
“بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد النبي العربي الهاشمي الأمين. صاحب الجلالة الهاشمية، الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه. السلام على قائد الوطن، ورحمة الله وبركاته، وبعد،
نبدأ أولا بإعلان زهونا وفرحنا جميعا، بالقرار التاريخي الشجاع، الذي اتخذتموه جلالتكم بالأمس، باستعادة الباقورة والغمر، وهما قطعتان من أكباد الأردنيين ونبض أفئدتهم، ونبارك لوطننا وأهلنا، ولأمتنا بهذه الخطوة الهاشمية العظيمة، والشعب الأردني كله – يا صاحب الجلالة – يقف باعتزاز وفخر مع قائده، ويؤيد ما تتخذونه من قرارات تحرصون فيها على مصالحه الوطنية العليا، وهو يجدد لجلالتكم الولاء، ويؤكد الانتماء لقيادته الهاشمية، ويبارك هذا الإنجاز العظيم، وسائر إنجازات جلالتكم العظيمة.
ونحن نحتفل بالمئوية الأولى لتأسيس دولتنا الأردنية العربية الهاشمية، نقف بإجلال واحترام وتقدير، لروح الملك المؤسس الشهيد عبدالله الأول ابن الحسين، ومن حقه علينا أن نرفع له، ولأبنائه وأحفاده الغر الميامين، تحية الوفاء، لما أنجزه الهاشميون للأردن، وللأمة كلها، من صروح شامخة، جعلت من هذا الوطن العظيم واحة وارفة الظلال، مؤطرة بشرعياتها الثلاث: الدينية، والقومية، والتاريخية، ويشرفنا يا مولاي أن نحني هاماتنا للراية التي يحوطها جيشنا العربي الباسل، بسيوفه ورماحه وهو الذي سجل بزنود أبنائه، وأرواح شهدائه، أنصع الصفحات دفاعا عن الأردن، وفلسطين، وسائر الأرض العربية، وكذلك على المستوى الإنساني، في جغرافيا العالم كله.
إن جيشنا العربي بقيادتكم الشجاعة، وقواتنا الأمنية الساهرة على الوطن كان وسيبقى قرة عينكم وعين الوطن وسيف الحمى وسوطه بإذن الله، وإذا كانت النهضة العربية الكبرى بقيادة قائدها العظيم الحسين بن علي طيب الله ثراه، قد أعطت لمفردات الوحدة، والحرية، والحياة الأفضل، معانيها الحقيقية، فإننا نؤكد عليها من جديد، ونثني على ما تفضلتم به جلالتكم في خطاب العرش السامي من رؤى أصابت الهدف مباشرة، وبشكل واضح وصريح في المحاور الثلاثة الرئيسة: وهي أن سيادة القانون تتصل بهيبة الدولة وتتقدم في أولويتها على جميع الأولويات، فالعدالة للجميع ولا أحد فوق القانون، ويتوجب اجتثاث الفساد وتحصين مؤسسات الدولة ضده بما يقتضي التصدي للواسطة والمحسوبية وتفعيل المساءلة والرقابة، وتعظيم منظومة النزاهة وآلياتها.
أما دولة الإنتاج فمحورها الإنسان الذي هو هدف التنمية وأداتها، وتتجلى في دولة الرسالة قيمها الثابتة، وتجعل حركتها مستمرة نحو الأفضل.
صاحب الجلالة، إن ثقة جلالتكم التي أسعدتم شعبكم الوفي بتسجيلها له، بوعيه ودوره الفاعل في محاربة الفساد والتصدي له، ونبهتم جلالتكم بحكمتكم المعهودة إلى أن الحذر مطلوب ممن يساهم بقصد، أو بغير قصد، في أخطر التحولات التي داهمتنا في الفترة الأخيرة، وهي الإشاعة، واغتيال الشخصية، والافتراء على الرموز وتشويه السمعة، والنيل من المنجزات، وإنكارها. ونحن نرفض، مع جلالتكم ولا نقبل أن تكون سمعة الأردن على المحك، لأننا في زمن مختلف عن كل ما سبق من أزمنة، وفي أجواء ليست كتلك التي كان الخير فيها يبشر بأجمل الثمار مع كل قطرة مطر تتنزل علينا من السماء.
ولأن الإنسان– يا مولاي– ثروتنا الحقيقية: علما، وعملا، وخلقا، والتزاما وإيمانا بالوطن وقيادته، فإننا نثمن اهتمام جلالتكم بضرورة تمكينه من المساهمة في نهضة الوطن، ومنحه ما يستحق من فرص لمواكبة التغيير الذي يمر به العالم كله بأسرع مما نتصوره جميعا.
إن مجلس الأعيان مع رؤى جلالتكم بضرورة تبني أنموذج اقتصادي جديد لتحفيز النمو وتعزيز الاستقرار المالي والنقدي ومعالجة المديونية، في إطار برنامج واضح ومحدد يوصلنا إلى حالة من الاستقلال الاقتصادي، الذي نعتبره الغاية الأكثر أهمية، والهدف الأسمى الذي نسعى إليه بكل قوة وإرادة وتصميم، وبالتالي خلق فرص عمل لمعالجة الفقر والبطالة ويؤدي إلى تعزيز الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
نعم يا صاحب الجلالة، إن المطلوب منا جميعا، هو الإنصاف، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وبخاصة إنصاف الوطن، وذكر إنجازاته، فلقد بنى الآباء المؤسسون هذا الوطن مدماكا مدماكا، على الرغم من شح الإمكانيات وقلة الموارد بالعمل والمثابرة والإرادة حتى في أسوأ الظروف المحيطة، متسلحين بثقافة الأمل فراكموا الانجازات، ولم يعرفوا المستحيل.
وعلينا أن نحافظ على هذا الإرث الجميل والنبيل، في وطن السيف والضيف – كما يقول مثلنا الأردني المعروف. والسر عندنا يكمن في مهارة إدارة الميسور كما علمنا كبارنا ودلونا كيف نصنع من القليل الكثير، وكيف نجعل مما هو متاح مفتاحا لفهم الآية الكريمة (ولسوف يعطيك ربك فترضى) صدق الله العظيم.
صاحب الجلالة، يستحق الأردنيون والأردنيات الكثير الكثير، سواء على مستوى الخدمات الصحية والتعليمية والنقل أو غيرها من وسائل العيش الكريم، وينبغي يا صاحب الجلالة أن يكون لدى العاملين في مختلف المؤسسات “الولاء المؤسسي والوظيفي”، الذي يجعل منهم منذورين بفخر واعتزاز لخدمة المواطن، وفق إدارة حصيفة للدولة ومؤسساتها. ويقتضي ذلك معالجة أماكن الضعف في الإدارة العامة والتطوير المستمر للأداء.
وتبقى قضية فلسطين دائما، وعلى رأسها القدس الشريف (وجلالتكم صاحب الوصاية والأمين على مقدساتها الإسلامية والمسيحية) تبقى هي القضية الأولى والأهم لدى جلالتكم، ولدى هذا البلد الصابر المرابط، وما تغير يوما تجاهها لون أعيننا ولا حاد عن دربها الركب، ولن يحيد، وآخر الدعاء يا مولاي، ولعله أوله، أن يمدنا الله بالقوة، وأن يوسع علينا الرزق، وأن يحفظكم ذخرا وسندا لنا ولأمتنا وينصركم على كل من أراد أو يريد بنا شرا، أو يسعى فينا وفي بلدنا إلى مكروه. (فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.
وفيما يلي رد مجلس النواب:
“بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على نبي الرحمة والهدى سيدنا محمد النبي العربي الهاشمي الأمين، يقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) صدق الله العظيم.
مولاي حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله وأعز ملكه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أتشرف بأن أرفع إلى مقامكم السامي باسمي وباسم أعضاء مجلس النواب عظيم الشكر والامتنان على تشريفنا بافتتاح الدورة العادية الثالثة لمجلس الأمة الثامن عشر بخطبة العرش التي كانت بمفرداتها ومضامينها مرجعية لبرامج العمل وللتوجيهات السياسية لتكون انطلاقة لفصل جديد في مسيرتنا الخيرة كما وصفتم جلالتكم.
صاحب الجلالة، لقد اختط خطابكم السامي الرؤية والنهج في محاوره التي أجملت أهم التحديات والتطلعات للوصول إلى دولة القانون والاقتصاد المنيع والخدمات المتميزة، والتي تنطلق من بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، من خلال نهج الشفافية والإفصاح والوعي والإرادة والإنجاز وتعميق الشعور بالمسؤولية، وإشاعة روح التفاؤل والفخر بتاريخ الأردن الحافل بالإنجازات التي حققناها، برغم كل الصعوبات والتحديات التي ذللتها عزيمة الأردنيين وإصرارهم وولاؤهم.
صاحب الجلالة، إن المحاور الثابتة التي ترتكز عليها رؤية الأردن بقيادة جلالتكم هي دعائم الدولة القوية، دولة القانون والإنتاج، ودولة محورها الإنسان.
إن تطبيق القانون بعدالة وبدون انتقائية يستلزم تحصين مؤسسات الدولة ضد الفساد والمحسوبية والبيروقراطية، وتعزيز الأجهزة الرقابية، وتفعيل مبدأ المساءلة، وغرس حس المسؤولية، واتخاذ إجراءات صارمة وجادة وسريعة لبسط هيبة الدولة وترسيخ سيادة القانون.
مولاي صاحب الجلالة،إننا نشاطركم الطموح بأن تكون دولتنا دولة إنتاج، تعزز فيها روح المبادرة والانفتاح والاعتماد على الذات وخلق الفرص، وتقوم على التسهيل والتحفيز، ليأتي دور الحكومة بأن تهيئ المناخ المناسب، وتضع البرامج والخطط، لتنهض بمؤسسات الدولة والعاملين فيها، ولرفع سوية البنى التحتية وجذب الاستثمار، وعقد الشراكات غير التقليدية، وتسهيل الإجراءات، وتذليل الصعوبات، وتنويع الاقتصاد ودعم وتشجيع البحث العلمي، وتطوير الصناعات أيضا، وتنمية ودعم القطاعات المختلفة، للوصول إلى اقتصاد منيع قادر منفتح ومرن، وفي هذا المجال فان مجلس النواب يطمح الى عقد المنتدى الاقتصادي الثاني جامعا كل الجهات المعنية بمشاركة رجـال الأعمال من الداخل والخارج والمستثمرين الأردنيين في الخارج لتدارس فرص توطين ودعم استثماراتهم وطنيا.
صاحب الجلالة، نوافقكم الرأي والرؤى بأن المواطن هو هدف السياسات والمشاريع والخطط، التي تقوم على خدمته بما ينعكس على حياته وأسلوب معيشته.
لذا فإن تجاوز النموذج التقليدي في مواجهة التقلبات والمؤثرات الاقتصادية والسياسية، خارجيا وداخليا، يتطلب آليات وأدوات تنفذ إلى العمق الإداري والنهج العملي والتي تتشكل من خلال السياسات الحكيمة والخطط القابلة للتطبيق، وتحفيز الإبداع وتمكين القدرات وتعزيز مبدأ المساءلة والمكاشفة وتوسيع المشاركة الشعبية.
وإن مجلس النواب مستمر في دوره الفاعل في إقرار التشريعات للارتقاء بالخدمات المقدمة للأردنيين في كل المجالات، والرقابة على أعمال الحكومة في تقديمها لهذه الخدمات وشموليتها وتطوير الإمكانات وصولا إلى رفاهية المجتمع.
مولاي صاحب الجلالة، إن رفض الظلم، والسعي للسلام وإظهار الإسلام على حقيقته، عناوين لها قدسيتها، فرسالة الأردن يا سيدي ونهجه راسخان منذ نشأة الدولة الأردنية، وثوابته مستمدة من مبادئ النهضة العربية الكبرى، التي تقوم على نهج الاعتدال والوسطية والتسامح والانفتاح وقبول الآخر.
وسيظل الأردن على ثوابته الوطنية في دعم الشعب الفلسطيني حتى إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس وإننا نفخر بمواقفكم الصلبة والمشرفة تجاه كل الضغوطات والتحديات لفرض حلول على حساب الشعبين الأردني والفلسطيني، مؤكدين على نهجنا الدائم في دعم القضية الفلسطينية بكافة السبل وعلى كل المستويات.
مولاي صاحب الجلالة، إن المجلس إذ يثمن بكل الفخر موقف الأردن المبدئي من الإرهاب والتطرف، فإنه يشيد بإنجازات جيشنا العربي المصطفوي وأجهزتنا الأمنية، مؤكدا على دعمها ماديا ومعنويا مترحمين على أرواح شهدائنا الذين حموا أمن الأردن واستقراره بنجيعهم الطاهر.
مولاي صاحب الجلالة، ستظل رؤاكم ونهجكم، الهادي والدافع لنا جميعا، لنعمل بروح الفريق الواحد، جنودا مخلصين في ظل قيادتكم الحكيمة، كي نواصل المضي قدما فخورين شامخين بما حققناه ونحن على أعتاب المئوية الأولى لتأسيس الدولة الأردنية.
حفــــظ الله الاردن قويا منيعا آمنا مستقرا، وحفظ الله جلالتكــم بموفور الصحـــة والعافية، وحفظ الله صاحب السمـــــو الملكي ولي عهدكم الحسين بن عبدالله الثاني شبلا هاشميا منذورا لخدمة وطنه وأمتــــــــه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.
وحضر تلاوة الرد على خطاب العرش السامي عدد من الأمراء، ورئيس الوزراء، ورئيس المجلس القضائي، ورئيس المحكمة الدستورية، ورئيس الديوان الملكي الهاشمي، ومستشار جلالة الملك، مدير مكتب جلالته، ومستشارو جلالة الملك، ووزير الشؤون السياسية والبرلمانية، وناظر الخاصة الملكية.