مرايا – غمامة سوداء غطت منطقة السياج الأمني شرقي بلدة خزاعة شرقي خانيونس جنوبي قطاع غزة، بفعل إشعال المتظاهرين عددًا كبيرًا من الإطارات المطاطية، للتغطية على قناصة الاحتلال الإسرائيلي، خلف سواتر ترابية داخل السياج، وتتربص بالمرصاد لكل شخص.

في تلك اللحظات اختار متظاهرون الانتقال لمكانٍ جديد للتظاهر شرقي بلدة خزاعة، ظنًا منهم أنه سيقلل حجم الخسائر البشرية، لكن جيش الاحتلال دفع بعشرات الجنود إلى المكان؛ وأطلق عليهم النار بشكل مباشر دون سابق إنذار أو تحذير.

مع كُل عيارٍ ناري، كان المتظاهرون يركضون نحو شخصٍ يسقطُ أرضًا، ليجدوه مُصابًا في الجزء العلوي من الجسد؛ فيحملوه على أكتافهم مُهللين ظنًا منهم أنه استشهد، ولم تستطع سيارات الإسعاف نقل جميع الإصابات، فكل دقيقة يصاب عدد من المتظاهرين في مقتل.

أول المُصابين كانت امرأة في الأربعينيات، تقدمت الصفوف وهي تحمل العلم الفلسطيني تحت غطاء الإطارات المُشتعلة؛ فأطلق عليها قناص إسرائيلي رصاصة أصابتها في خاصرتها، وفي نفس اللحظة أصيب شاب بطلق في الفخذ.

كثف المتظاهرون من إشعال الإطارات للتغطية على جنود الاحتلال، الذين لم يستخدموا أي قنبلة غاز على غير العادة في التظاهرات الأسبوعية. تعالت صيحات التكبير والتهليل في صفوف المتظاهرين، ومعها تعالى أزير الرصاص الحي، وارتفعت حصيلة الإصابات بشكلٍ أكبر، جُلها في الجزء العلوي من الجسد.

أصيب شابٌ في بطنه، وأخرٌ في صدره، وثالثٌ في رقبته، ورابع في فمه، وخامس في رأسه، وسادس في قلبه، وهكذا..، حتى زادت الحالات الحرجة في أقل من نصف ساعة عن عشر حالات.

لم يقتصر إطلاق النار على المتظاهرين المتقدمين، بل طالت الأعيرة النارية المتظاهرين في نقطة تبعد نحو 300 متر عن السياج الأمني، وهي منطقة تعتبر آمنة بالنسبة للمتظاهرين.

أثناء نقل الجرحى وتعالي أصوات الجماهير، دوّى طلقٌ ناري، وإذ بطفلٍ (14 عامًا) يسقطُ أرضًا، وهو واقف بين المتظاهرين بعيدًا عن السياج الأمني، وأثناء حمله للخروج به من المنطقة، سُمع طلق آخر، أصاب شابًا في فمه.

كثف الجنود من إطلاق النار، وبدأ المتظاهرون يشعرون أنهم باتوا لقمةً سائغة لجنودٍ لا يملكون ذرةَ ضمير أو رحمة، فباشروا بالانسحاب وسحب ما تبقى من إطارات مطاطية معهم، لكن الأعيرة الفتاكة للجسد لاحقتهم، فأصيب شاب في صدره، ارتقى شهيدًا على الفور.

في تلك اللحظات وصلت تعزيزات إضافية من سيارات الإسعاف، التي لم تتوقف لحظة عن نقل الإصابات، في المقابل كان المستشفى الميداني شاهدًا على جُرم جنود الاحتلال، فتكدس بالجرحى من أصحاب الحالات الحرجة.

كانت كل سيارة إسعاف تصل إلى المستشفى يُطل منها أحد المُسعفين على زملائه في المستشفى الميداني ويقول: “Urgent، ACU”، وهي كلمات تعني أن الإصابة حرجة للغاية، وتحتاج لعلاج فوري وتحويل للمستشفى.

أصوات سيارات الإسعاف لم تهدأ للحظة، فتلك التي كانت تنقل الإصابات من الحدود “مكان المتظاهرين”، تحولت لنقل الحالات الحرجة تجاه مستشفيات جنوبي القطاع، وتم استخدام سيارات أخرى تُستخدم فقط في نقل الطواقم الإدارية لنقل الجرحى.

تخضبت ملابس المُسعفين والأطباء البيضاء بدماء الجرحى والشهداء، وتحوّل لون الأسرّة والحمّالات للون الأحمر؛ ووسط هذا المشهد ثمة طفلٌ يصارع الموت على حمالة وعليه أجهزة التنفس الصناعي ينتظر وصول سيارة إسعاف تنقله، وشابٌ مضى على علاجه ميدانيًا أثر إصابته بعيار ناري في الظهر نحو 15 دقيقة وهو ينتظر وصول سيارة تنقله، وينادي شابٌ معه بأعلى صوته “إسعاف.. إسعاف”، فما كان من المُسعف الذي أخبره أن حالته مستقرة أن هناك مَن حالته أخطر منه ويحتاج للنقل للمستشفى.

قبل أن تغيب الشمس لإسدال الستار على يوم دامٍ، أعلن الأطباء عن ارتقاء ثلاثة شهداء من بين المصابين، على أثر الإصابات الحرجة التي أصيبوا بها، فيما أدخل لغرفة العناية المُكثفة سبع حالات لخطورتها.

انسحب المتظاهرون في حدود الساعة السادسة والنصف مساءً من المكان، وهدأت مع انسحابهم حركة سيارات الإسعاف، وتجمعت في مكانٍ واحد أمام المستشفى الميداني، وبدأ المسعفون يلتقطون أنفاسهم ويهنئون بعضهم بالسلامة.

مضت الجمعة الـ31 من مسيرات العودة وكسر الحصار، والتي حملت عنوان “غزة صامدة ولن تركع”، بإعلان وزارة الصحة عن ارتقاء خمسة شهداء برصاص قوات الاحتلال، وإصابة المئات؛ ليرتفع عدد الشهداء منذ انطلاق المسيرات إلى نحو 220 شهيدًا.