مرايا – أكد أكاديميون وعلماء دين أن العالم أدرك اليوم دور الأردن المهم والكبير في الانتصار للإسلام المعتدل والسمح وحماية المقدسات الإسلامية، مشددين على ان الأردن بات اليوم منارة تشع منها أنوار الإسلام الوسطي السمح، الذي يدعو للبناء على المشترك الانساني، ويبرز سماحة الدين ويوحد كلمة الأمة بكافة اطيافها.

وبينوا، لـ “الغد” ان الجهاد الاكبر الذي تحدث عنه جلالة الملك عبد الله الثاني فجر أمس خلال تسلمه بواشنطن جائزة مؤسسة جون تمبلتون للعام 2018، هو المفهوم “المستمد والمستقى من الشرع الحنيف”، بمعنى أن جهاد النفس هو أول مراتب التربية والسلوك الذي يؤسس للجهاد الآخر بحماية الدين والأنفس والأعراض.

وكان جلالة الملك قال في حفل جائزة تمبلتون إن “الجهاد الأكبر لا يمت بصلة إلى الكذب المليء بالكراهية، والذي يفتريه الخوارج أمثال داعش ومن هم على شاكلتهم، أو الكذب الذي يدعيه أولئك الذين يخافون الإسلام ويشوهون ديننا الحنيف. الجهاد الأكبر هو الصراع الداخلي للتغلب على حب الذات والغرور، وهو الصراع الذي نتشارك فيه جميعاً سعياً لعالم ينعم بالسلام والوئام والمحبة”.

الدكتور احمد ماجد الحراسيس من دائرة الافتاء العام يبين أن الرؤى الملكية في قضايا السلام والمحبة والوئام “حاضرة دائما في المحافل الدولية، وهي نابعة من نهج أردني عميق، يستند للتوجيهات الربانية “وكذلك جعلناكم أمة وسطا”.

وقال الحراسيس إن الأردن اليوم أصبح منارة تشع منها أنوار الإسلام الوسطي السمح، الذي يدعو للبناء على المشترك الإنساني، ويبرز سماحة الدين ويوحد كلمة الأمة بكافة اطيافها، مبينا أن جلالة الملك يقدم عبر مبادراته رسالة الاسلام الحقيقية، لافتا الى رسالة عمان التي أسست لمرجعية المذاهب الفقهية المعتبرة الحافظة لمنهجية الأمة والداعية للحوار وقبول الآخر، اضافة الى مبادرة كلمة سواء الداعية للبناء على المشترك الانساني من حب الله وحب الجار.

واضاف إن رفع الصوت اليوم بتعظيم المشترك والعذر في المختلف فيه “امر حتمي لان الاختلاف سنّة إلهية، هدفها تعظيم عقل الانسان المستخلف في الارض ودلالة على التنوع لا التناحر”.

واكد الحراسيس ان جلالة الملك “عرف الجهاد الاكبر من خلال خطابه، حيث بين أنه ترك الكراهية والدعوة للسلام”، وهذا المعنى واضح ومستمد ومستقى من الشرع الحنيف، بمعنى أن جهاد النفس هو اولى مراتب التربية والسلوك الذي يؤسس للجهاد الآخر من حماية الدين والأنفس والأعراض.

استاذ الاعلام في جامعة البترا الدكتور تيسير مشارقة يبين أن الملك عبد الله الثاني يشكل الآن حالة مرجعية أخلاقية على الصعيدين الإنساني والديني، وقال “في ظل غياب ما يمكن أن نطلق عليه طقس الأسلاف، أي المرجعيات الفكرية والأخلاقية التاريخية، يأتي جلالة الملك ليملأ الفراغ، وكذلك المناطق البيضاء في النص الإنساني”.

ويضيف مشارقة ان جلالته وكمرجعية سياسية وفكرية استحق الجائزة المرموقة العالمية، وقال ان كلمة جلالته بحفل الجائزة كانت موجهة للحضور وللبشرية جمعاء، معبرة عن الهاجس العربي الأردني الدائم، الداعي للتضامن والتآلف والتسامح الكوني، فالملك دعا إلى الاحترام المتبادل بين الأديان والإحسان المتبادل والوئام والأخوة بين الناس.

ونوّه الملك إلى شعبه الأردني “أهل العزم” وأنهم يؤكدون دائماً على المنطلقات الفكرية والإنسانية التي جاء بها الرسل “أولي العزم” وهي ذات المنطلقات، التي يطرحها الملك في كل المحافل الوطنية والإقليمية والكونية. فأولو العزم من الرسل مروا من أرض الأردن المقدسة وجاهدوا جهادهم الأكبر من أجل إنقاذ البشرية وليس تعاستها.
ونوّه مشارقة الى اهمية خطاب الملك الذي تناول الرسالات الكبرى الثلاث من منطوق إنساني حضاري يرفض خطاب الكراهية وافتراءات خوارج العصر (داعش وغيره) الذين نقلوا صورة مغلوطة عن الديانات الثلاث.

وبين أن “الملك كان واضحاً بتوصيفه للجهاد الأكبر، بأنه الصراع الداخلي للتغلب على الغرور والأنانية، وأنه دعوة للوئام والمحبة بين البشر”. بالنسبة للملك “حب البشر من حب الله، والقسوة هي انعدام وغياب للعقل”. وحدد جلالته، في كلمته، الأصول الأخلاقية التي ينبغي التمسك بها، مثل: نبذ التطرف والعدوان، ودعم التسامح، وضد تصيد الأخطاء، ونبذ المغالاة في تأويل التفاصيل، وضد الانتقائية عبر اجتزاء تفسير الآيات والأحاديث لخدمة أجندات سياسية ونفعية.

وبين مشارقه ان وصف الملك تلك القلة الهامشية بالخبث والحقد والاستغلال للدين جاء “لأنها تقوم بزرع منظومة قيم وأخلاق غريبة وهجينة”، وربط جلالته الجهاد الأكبر بجهاد النفس وتنقية النفوس من أجل إصلاح الذات أولاً.

وهنا توصيف جديد وتعديل في شكل ومضمون الخطاب الأيديولوجي والديني الملتوي الذي يستخدمه المتطرفون.

ويضيف مشارقة أن الملك ابتعد في كلمته، بدين سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم” عن هرطقات وضلالات الخوارج الجدد وطروحات المتطرفين منهم وتأويلاتهم للنصوص الدينية السامية. كما طالب الملك بتعديل النتوءات والالتواء في الخطاب الديني المتطرف ليكون منسجماً مع مبادئ التسامح الإنساني وأخلاقيات البشرية الواحدة.

العميد المتقاعد محمد سليم السحيم قال إن جلالة الملك ما زال يسعى لبيان حقيقة الإسلام، وصون مفاهيم الإسلام الحقة، إذ صاغ جلالته في كلمته بحفل جائزة تمبلتون مفهوما لسلامٍ دائمٍ يقضي على جذور الإرهاب والتطرف بالمنطقة والعالم، ويفند كل ما علق بالإسلام وبين طبيعة الإسلام الحقيقية للعالم الحديث.

وبين سحيم أن الجهاد الأكبر الذي قصده جلالة الملك هو التغلب على الحقد والكراهية داخل النفس، وهو ما ينسجم مع ركائز الأخلاق الإسلامية السامية، إذا لم نقل الدعامة الرئيسية للأخلاق، والذي من خلاله تصاغ الشخصية الإيمانية، وكذلك بتركه تصاغ الشخصية المنحرفة، لتصبح نفساً أمّارة بالسوء والفحشاء، فالنفس هي محور الأخلاق فإن هذبت حسنت الأخلاق، وإن تركت على هواها فلن يكبح جماحها حينئذ كابح أبدا.

وأضاف السحيم “ولأن القتال مكروه إلى النفس، قال تعالى: (كُتِبَ عليكم القِتَالُ وهو كُرْهٌ لَكُمْ وعَسَى أن تكرهوا شيئا وهو خيرٌ لكم وعسى أنْ تحبوا شيئا وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) البقرة/216، فالمهم أن جهاد الأعداء “لا يتم إلا بعد جهاد النفس وتهذيبها وكما قال جلالة الملك نريد اسلام تسامح ورحمة لا انعدام العقل والقسوة”.