مرايا – كنان الشام – في الوقت الذي تصدى فيه جلالة الملك، لاصحاب اجندات تريد خلق الفتن والفرقة وإنكار الإنجاز، والتي تمس صورة وسمعة الاردن وثقة الاردنيين بمسيرتهم وتاريخهم، اصبح من الضروري حماية القطاع الاعلامي وتوظيفه بصور واساليب صحيحة، للتصدي لكل محاولات الإساءة للوطن ورموزه ورجالاته، خصوصا بعد ما لمسنا، مؤخرا من تعد بلغ الاموات والاعراض والرموز والسلم الأهلي.
بين رئيس الوزراء الاسبق والنائب الثاني لرئيس مجلس الاعيان سمير الرفاعي، في كلمة القاها بمؤتمر “حوارات عمان”، ان جلالة الملك لم يقدم افكاره التي وردت في مقالته، على شكل اوامر ملكية او توجهيات سامية، وكان بإمكانه ان يفعل ذلك ان يأمر حكومته بإجراءات او سياسيات او سن مشاريع قوانين تستكمل تاليا حلقاتها الدستورية، مؤكدا ان الملك اراد ، كما قرأنا بين سطور مقالته، ان تكون المبادرة بإيدي قادة وخبراء واساتذة الاعلام، بإقامة حوار ناضج منهجي حولها، ولتكون اساسا لأي جهد يتولها، ولأي نقاش سياسي او تشريعي او فكري لاحق.
وخلال رعايته مؤتمر منصات التواصل الاجتماعي والرأي العام، وبحضور نخبة من الاعلاميين الاردنيين ورجال الدولة واصحاب المعالي، الذي عقد في امس الاحد، قال الرفاعي انه كان ينوي المشاركة في النقاش العام على شكل محاضرة او كلمة او مقال، مؤكدا انه تعرض لعشرات النصائح من اصدقاء وغير اصدقاء بأن لا يفتح على نفسه “عش الدبابير”، “خلي الفخار يكسر بعضه”.
واشار النائب الثاني لمجلس الاعيان سمير الرفاعي ان هذا وطن كتبت تاريخه الدماء الشريفة والتضحيات الكبيرة، دماء المؤسس، زكية في المسجد الاقصى، دماء وتضحيات كوكبة من الشهداء والبناة ورجالات الرعيل الاول، من سياسيين في الحكم والمعارضة الوطنية الملتزمة، ومن مفكرين وعسكريين واعلاميين واداريين وجنود مجهولين، قدموا لنا هذا الاردن الذي صمد في اصعب اللحظات التاريخية، لانه ثمرة اعظم ثورة عربية تحررية في القرن العشرين.
ولفت رئيس الوزراء الاسبق، كان الاصل ان تبادر الهيئات والفعاليات والمختصون في مجال الاتصال الجماهيري، للتصدي لكل محاولات الاساءة للوطن ورموزه ورجالاته.
وعبر سمير الرفاعي عن اسفه، فإن حالة من الارهاب الفكري، اصبحت تمارس على الاردنيين ان هم تصدوا للدفاع عن وطنهم ومسيرته، حالة تضج بها مواقع التواصل، وما يأتينا عبرها من خارج الحدود.
واكد ان المؤسسات الحكومية عليها واجب الرد على الاشاعات بالبراهين والادلة وبتفاصيل الحقيقة المقنعة، كما يجب على تلك المؤسسات ان تمارس دورها بتزويد الاعلام بالمعلومات المفصلة والحقائق الكاملة، لكي لا تترك فراغا يتم من خلاله نشر الاشاعات والاكاذيب.
مرايا نيوز تنشر كلمة رئيس الوزراء الاسبق والنائب الثاني لرئيس مجلس الاعيان سمير الرفاعي، كما حصلت عليه:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام، على سيدنا محمد النبي العربي الهاشمي الأمين، وعلى آل بيته وصحبه أجمعين
أصحاب المعالي والسعادة،
الزميلات والزملاء المحترمون،
الأخوات والأخوة الأكارم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد؛
فأتشرف ابتداءً، أن أكون اليوم، مع هذه الوجوه الكريمة من قيادات وخبراء العمل الإعلامي والثقافي الأردني.
واسمحوا لي أن أتقدم بالشكر الجزيل للإخوة القائمين على هذا المؤتمر المهم، والذي يأتي على شكل استجابة علمية منهجية، لدعوة سيدي صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله ورعاه وأعز ملكه، ولما تفضل به جلالته في مقاله الأخير، وتطرق فيه للعديد من المسائل التي تمس صورة وسمعة الأردن وثقة الأردنيين بمسيرتهم وتاريخهم، وتأخذ طابعاً إعلامياً واتصالياً؛ ما يجعل لاجتماع هذه الكوكبة من إعلاميات وإعلاميي الأردن ومثقفيه؛ قيمة إضافية، تتمثل أولاً باستجابتها للتحدي الماثل، والذي نوه له جلالة سيدنا، وبالتفاعل مع متطلبات الإعلام المهني والوطني الكفؤ والمسؤول، حيث أصبح من الضروري جدا حماية القطاع من استخدامه وتوظيفه بصور وأساليب غير صحيحة بل وغير بريئة أحيانا، من قبل أصحاب أجندات تريد خلق الفتن والفرقة وإنكار الإنجاز.
وكلي ثقة بأن هذا المؤتمر بهذه المشاركات النوعية، سيسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية، ويتصدى للقيام بمهمة؛ سبقنا إليها جميعنا جلالة الملك، الرائد الذي لا يكذب أهله، عندما تحدث وكتب، كأب وعميد لأسرة واحدة متكافلة.
والمطلوب منا جميعاً، اليوم، أن نكون بمستوى شجاعة قائدنا، ومكاشفته وصدقه مع شعبه؛ بأن لا ندور حول الحقائق، بل ندخل إلى عمقها، ونشتبك مع حيثياتها، آملاً بأن يسهم هذا المؤتمر وكل جهد صادق يضاف إليه، بتقديم وثيقة إعلامية، ومن الممكن أن تنتج عنها أدبيات ومعالجات يحتاجها إعلامنا الوطني وتليق بمنجزه.
سادتي الأكارم،
لم يقدم جلالة الملك، أفكاره التي وردت في مقالته، على شكل أوامر ملكية أو توجيهات سامية. وكان بإمكانه أن يفعل ذلك. ومن ضمن صلاحيات جلالة الملك الدستورية، أن يأمر حكومته بإجراءات أو سياسيات، أو سن مشاريع قوانين تستكمل تالياً حلقاتها الدستورية.
ولكنه، أراد، كما قرأنا بين سطور مقالته، أن تكون المبادرة بأيديكم أنتم، قادة وخبراء وأساتذة الإعلام، بإقامة حوار ناضج منهجي حولها، ولتكون أساساً لأي جهد يتلوها، ولأي نقاش سياسي أو تشريعي أو فكري لاحق.
ملاحظة أخرى يجب أن نقف عندها جميعاً، وهي أن جلالة سيدنا تدخل، وقدم أفكاره، بعد أن قصرنا جميعاً بواجبنا، وتركنا الأمور تصل حد الهدم والتشكيك والنخر في عظام الدولة والتاريخ والمجتمع.
وكان الأصل، أن تبادر الهيئات والفعاليات والمختصون في مجال الاتصال الجماهيري، للقيام بمهمة التصدي لكل محاولات الإساءة للوطن ورموزه ورجالاته، بوصفها واجباً وطنياً؛ خصوصاً بعدما لمسناه كلنا، مؤخراً من تعد بلغ الأموات والأعراض والرموز والسلم الأهلي.
هناك أيضاً، مقولة سادت، وللأسف، خلال الفترة الماضية، ألا وهي: “سكن تسلم”. هذه المقولة اختبأ خلفها كثيرون، لم يمتلكوا إرادة المواجهة ولا الدفاع عن الحق أو “في بطونهم عظام بتقرقع”. وعلى اعتبار أن الأمور التي لا تمسهم شخصياً لا تعنيهم.
وكأن الوطن لا يمس كل واحد فينا، وكأن مستقبل الأجيال القادمة لا يعنيهم، وكأن هذا الوطن الذي بنته الدماء الزكية والتضحيات الجسيمة والجهود الجبارة، ونحن على مشارف الاحتفال بالمئوية الأولى لقيام دولتنا الأردنية الحديثة؛ كأنه لا يستحق أن يرثه منا الأبناء والأحفاد، قوياً عزيزاً مزدهراً مثلما ورثنا إياه الآباء والأجداد.
نعم، هذا وطن كتبت تاريخه الدماء الشريفة والتضحيات الكبيرة؛ دماء الملك الشهيد المؤسس، زكيةً في المسجد الأقصى؛ دماء وتضحيات كوكبة من الشهداء الكبار، والبناة ورجالات الرعيل الأول، من سياسيين في الحكم والمعارضة الوطنية الملتزمة، ومن مفكرين وعسكريين وإعلاميين وإداريين وجنود مجهولين، قدموا لنا هذا الأردن، الذي صمد في أصعب اللحظات التاريخية، لأن أساساته التي بني عليها أساسات قوية وصلبة، ولأنه ثمرة أعظم ثورة عربية تحررية في القرن العشرين؛ ولأن جيشه هو الجيش العربي، حامل لواء النهضة العربية؛ ولأن أول صحيفة صدرت على أرضه اسمها: “الحق يعلو”، وكانت ناطقةً بلسان أشواق الأمة للحرية والوحدة والتقدم؛ ولأن الأردنيين، أجداداً وآباءً وأبناءً وأحفاداً، كانوا وسيبقون على عهدهم مع سادة آل البيت الأطهار، خير جند لخير قيادة، وسيبقون الأوفياء، حتى يرث الله الأرض وما عليها.
هذا هو الأردن الذي نعرفه. وهو الأردن الذي نلمس ونشاهد نظرات الإعجاب به في عيون أشقائنا العرب؛ وهم يعاينون وطناً بنته الإرادة والعقول والموارد البشرية بلا ثروات ولا مصادر أخرى، فصار نموذجاً للنهضة والعلم والاستقرار؛ في وقت فقدت فيه الكيانات الكبرى والأغنى استقرارها أو استقلالها أو وحدتها.
هذا هو الأساس الذي يجب أن ننطلق منه ونبني عليه.
وللأسف، فإن حالة من الإرهاب الفكري، أصبحت تمارس على الأردنيين إن هم تصدوا للدفاع عن وطنهم ومسيرته؛ حالة تضج بها مواقع التواصل، وما يأتينا عبرها من خارج الحدود.
وصار البعض يحسب ألف حساب قبل أن يقوم بواجبه الوطني والأخلاقي في الدفاع عن وطنه، تفادياً لأن يصبح متهما. فهل نستسلم لهذه الحالة من الظلم والنكران! ولكنني هنا لا اريد ان ألقي اللوم كله فقط على من يقومون ببث الإشاعات بل أقول وبكل صراحة أن المؤسسات الحكومية عليها واجب الرد على الإشاعات بالبراهين والأدلة وبتفاصيل الحقيقة المقنعة كما يجب على تلك المؤسسات أن تمارس دورها بتزويد الإعلام بالمعلومات المفصلة والحقائق الكاملة لكي لا تترك فراغا يتم من خلاله نشر الإشاعات والأكاذيب.
وأرجو أن تسمحوا لي أن أتحدث عن تجربة شخصية؛ ففي كل مرة أنوي المشاركة في النقاش العام على شكل محاضرة أو كلمة أو مقال؛ أتعرض لعشرات النصائح من أصدقاء وغير أصدقاء، بأن أستنكف. وأن لا أفتح على نفسي “عش الدبابير”، وربما في استعارة هذا المثل إساءة للدبابير التي تترفع أن تكون في بعض الأحيان مجرد ذباب الكتروني (وأنا هنا لا أعمم).. وآخرون يقولون، “خلي الفخار يكسر بعضه”، وغير ذلك من نصائح وأقوال، أعتقد أنها تهدم ولا تبني. فاللامبالاة وعدم الاكتراث قد تكون من أسوأ الآفات التي يبتلى بها أي شعب.
ولكن القصة برأيي ليست ترفاً، وليست خياراً يستطيع المرء أن لا يذهب إليه. بل هي واجب وطني ومسؤولية من المعيب الاستنكاف عن القيام بها، مهما كانت الكلف.
لقد وصل التشكيك حد تشويه التاريخ، وتقديم روايات هدامة، تطال شخصيات سياسيةً وعسكرية وعلمية وقامات كبيرة أفنت حياتها في خدمة الأردن ومسيرته المباركة.
فهل نسمح بذلك؟
وهل يستمر الجحود لتاريخ من التضحيات. وهل نسمح لكل “من هب ودب”، أن يصبح مؤرخاً للأردن، ويقدم الاتهامات والتجريح لكل رجالاته، ويعلن أنه ليس بحاجة للوثائق والبينة والإثبات، بوصلته الوحيدة الحقد والافتراء!
الحضور الكريم،
حتى لا ننسى، وحتى لا تجهل أجيال شبابنا وشاباتنا، والأجيال القادمة؛ فإن هذه المسيرة اتحد فيها الساعد الذي يبني مع الزند الذي يحمي.
والأردن ليس فقط قصة صمود وتصد؛ ولكنه، أيضا، وبالتوازي؛ قصة بناء ونهضة. هذا البلد كان للقطاع الخاص دور أساسي في بناء مؤسساته الاقتصادية الكبرى، مثلما كان للمستنيرين العلماء الأجلاء، الفضل في نهضته التعلمية والصحية والثقافية.
وأسجل تحية إكبار للقطاع الخاص الذي ما زال يصر على خلق فرص عمل للأردنيين حتى في الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت علينا. وما زال القطاع الخاص الوطني يساهم مساهمة كبرى وبإذن الله سيساهم أكثر وأكثر في المستقبل. وأيضا لا ننسى دور المغتربين الذين غادروا وطنهم بحثاً عن عمل ويعيلون عائلاتهم هنا ويستثمرون في الأردن بالرغم من التحديات الكبرى في الاقتصاد، علماً بأن العالم صغير ويمكنهم الاستثمار في أي مكان في العالم، ولذلك علينا إنصافهم.
وفي الوقت الذي كان الجيش العربي المصطفوي يجمع الأردنيين ويوحدهم في خندق التضحية والبطولة والتنمية؛ كانت هناك جباه لوحتها شمس الميادين، تشيد المصانع والسدود وتشق الطرق وتبني المشافي والمدارس وتنير القرى النائية، وتمد البوادي والأرياف بالمياه النقية..
هذا كله لم يتحقق بالتشكيك والتذمر وإثارة الروح السلبية؛ ولكنه تحقق بالإيمان بالأردن وقيادته ومشروعها العربي الوحدوي النهضوي؛ تحقق ذلك بالإرادة الصلبة والعزيمة والمبادرة، تحقق بالخبرات الكبيرة التي تجمعت على هذا الثرى، خلف لواء آل البيت الأطهار؛ فجمعت ذوي الخلفيات الاجتماعية والمنابت المتنوعة؛ اجتمع الحجازي والعراقي والسوري والفلسطيني والمغربي والشركسي والكردي والشيشاني والأرمني والموريتاني والليبي والمصري والتركي والبخاري، وغيرهم، أردنيين بالانتماء والعطاء والإنجاز وهاشميين بالولاء والمشروع والإخلاص..
تجمعوا وكونوا عائلة أردنية واحدة كبيرة مع سكان هذه الأرض المباركة من مسلمين ومسيحيين وهم متساوون في الحقوق والواجبات والمسؤوليات؛ وهذه الحالة الفريدة هي التي أنتجت الدولة الأردنية؛ كدولة حديثة عصرية، هويتها الأردنية تجمع ولا تفرق.
وهذه الدولة القوية الجامعة بتنوعها ورسالتها وبالتفاف أبنائها ووحدتهم خلف قيادتهم الهاشمية الخالدة؛ هي الدولة التي شيدت المؤسسات، ودافعت عن منجزاتها وصمدت. وهي التي تكسرت على صخرتها الصلبة كل المؤامرات والأعاصير.
وعلينا أن نذكر دائما بالتقدير والاعتزاز والاحترام رجالات الرعيل الأول، من أمثال المرحوم ابراهيم هاشم، الذي استشهد عندما كان نائباً لرئيس وزراء حكومة الاتحاد الهاشمي، وسعيد المفتي الذي استشهد ابنه وهو يخدم الدولة في إحدى سفاراتها.
وقافلة الشهداء لم تتوقف عند جيل الرواد الأوائل، بل استمرت لتشمل هزاع المجالي ووصفي التل، والمئات بل والآلاف من نشامى قواتنا المسلحة وأجهزتنا السياسية والأمنية والإدارية والدبلوماسية وغيرها. رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته.
وهذا كان جزءاً من الواجب، يؤديه الأردني راضياً مرضياً. ولم تكن تعني المواقع السياسية أو الإدارية، لذلك الجيل من البناة، إلا التضحية والعمل.
وعندما نذكر شهداءنا بكل الفخر والاعتزاز؛ نستحضر شهداء وزارة الخارجية والسلك الدبلوماسي، وترتفع رؤوسنا بكوكبة من شهدائنا البررة، أمثال، وليد بلقز وعزمي المفتي، وزياد الساطي، ونائب عمران المعايطة، وعمر صبح وخالد الردايدة.
هذا السلك الدبلوماسي، لم يكن أفراده يوماً، إلا في الخندق الأول، منهم من قضى نحبه ومنهم من أصيب أو اختطف أو استهدف، وما بدلوا تبديلاً.
منذ العام 1945م، عندما أصابت رصاصات الاحتلال الفرنسي جسد عبد المنعم الرفاعي، الذي نظم نشيد السلام الملكي الأردني ونشيد العلم، وكان حينها ينقل رسالة من أحرار سوريا، إلى شيخ أحرار العرب الملك المؤسس عبدالله بن الحسين طيب الله ثراه.
وفي العام 1971م، وبعد أقل من أسبوعين على استشهاد المرحوم وصفي التل، استهدفت نفس العصابة الإجرامية السفير الأردني في لندن زيد الرفاعي، وأصابته بجراح بالغة جدا. وفي العام 1972 تم اختطاف القائم بالأعمال في سفارتنا بالعاصمة السودانية الخرطوم عدلي الناصر وعدد آخر من الدبلوماسيين، إلى حادثة اقتحام مقر سفارتنا مدريد، عام 1983م.
وفي عام 1981 نفذت مجموعة إرهابية في بيروت عملية اختطاف بحق القائم بالأعمال في سفارتنا هناك هشام المحيسن.
كما تعرض سفيرنا في روما تيسير طوقان عام 1983 لمحاولة اغتيال وأصيب بإصابات بالغة آنذاك. وأيضا أذكر اختطاف السفير الأردني فواز العيطان على أيدي جماعة ارهابية سنة 2014 واستمرت عملية احتجازه لمدة أربعة أسابيع.
هذه صفحات من تاريخ الأردن، نتركها منارة تضيء السبيل للأجيال المقبلة. وعندما نقول إن الأردن بنته الدماء والدموع والعرق؛ فهذه نماذج على الدماء الشريفة، وعلى عرق الجباه الكريمة في معترك البناء، وفي التضحية والفداء.
والدموع هي التي ذرفها الأردنيون اعتزازاً بشهدائهم وحزناً على فراقهم، دموع عائلات وذوي الضحايا المدنيين الذين ارتقوا ضحايا أبرياء للإرهاب الأعمى، في تفجيرات فنادق عمان الإرهابية 2005م، وغيرها.
وهناك قصص عديدة من البطولة والإيثار لأردنيين وأردنيات، في ميادين متنوعة من العمل والعطاء، نفتخر بها جميعاً، ونرويها لأبنائنا، ونسجلها للتاريخ؛ ليس آخرهم الشهيد معاذ الكساسبة والشهيد راشد الزيود والشهيد سائد المعايطة والشهيد معاذ الحويطات والشهيد علي قوقزة والشهيد حارث الجبور والشهيد أسيد اللوزي والشهيد أحمد الرواحنه، وغيرهم من الأبطال الذين تعرفونهم جميعكم. كما أود أن أذكر أيضا البطل الوكيل الغطاس زاهر العجالين، وكل المواطنين الذين وقفوا يداً بيد مع أجهزتنا الأمنية في الكرك والفحيص والبحر الميت ومادبا والبتراء ومعان وإربد.
وإذا كانت الشهادة دفاعاً عن ثرى الوطن واستقراره وأمنه؛ هي أسمى صور الوطنية، وأكثرها نبلاً؛ فإن للوطنية الصادقة، أيضاً، أشكالاً متعددة.
وكل شخص يقوم بواجبه بنزاهة وشرف فهو أردني أصيل مثل المعلم والطبيب والمحامي والصحفي والمهندس والحرفي وعامل الوطن والنقابي والمعارض الملتزم، كلهم وطنيون ولن يقدر أحد أن يزاود على وطنيتهم.
فالوطنية تعني الخدمة الشريفة المجردة للأردن الغالي وللشعب الأردني الأصيل. وكل أردني بغض النظر عن خلفيته أو اتجاهه، عندما يقوم بواجبه على أكمل وجه فهو وطني أردني أصيل.
وباعتقادي أن من غير الوطنية أن يضع أي شخص نفسه حكما ويقرر من هو الأردني الوطني ومن هو غير الأردني وغير الوطني على معايير الحب والكراهية والحسابات الضيقة والجهوية.
والمؤسف حقا أن هناك أشخاص في الداخل والخارج على قلتهم يريدون أو يراد لهم، الإساءة إلى قيادة البلد ورموزه ورجالاته، هدفهم الحقيقي هو ضرب ثقة الأجيال الصاعدة بتاريخ وطنهم المشرف، والقدح والذم، واختراع قصص ما أنزل الله بها من سلطان، يستهدفون بها كل من خدم العرش والوطن وقدم التضحيات؛ فهل من المقبول أن نترك هذه المهمة في إجلاء الحقيقة وإنصاف جيل البناة من رجالات الرعيل الأول، وجيل الأردنيين الذين يتابعون المسيرة. هؤلاء جميعاً يجب أن يكونوا اليوم، مصدر فخر وحافز وطني للأجيال القادمة، لا أن يكونوا موضع افتراء وتشكيك؟
أرجوا أن تسمحوا لي القول بأن هذا هو دور المؤرخين والإعلاميين المحترمين الأمناء الشرفاء المنتمين الصادقين شرواكم (وإذا سكتنا عن الكذب يصبح حقيقةً في نظر الكثير من الناس).
وهذا أيضا واجب مؤسساتنا ومناهجنا وجامعاتنا ووزارات التربية والتعليم والتعليم العالي والثقافة والإعلام والشباب وغيرها، بأن تسلط الضوء على تاريخ الأردن المظلوم وعلى سير رجالات الوطن ورموزه، وأن تبني أساس ثقة الشباب الأردنيين بأنفسهم ومستقبلهم وبوطنهم بناءً على اعتزازهم بتاريخ أسلافهم وتضحياتهم.
وإذا كان الأردن يعيش اليوم ظروفاً اقتصادية مرهقة؛ فهي ليست أول ولا أصعب التحديات التي واجهناها وتغلبنا عليها. وقد مررنا بظروف أخطر وتجاوزناها بالتفافنا حول قيادتنا الهاشمية الشريفة وبوحدتنا ووعينا وتلاحمنا الوطني.
وإذا كان هناك بعض الفساد موجوداً في بلدنا، وبأشكال متعددة تشمل المالي والإداري والقيمي، فالأصل هو أن نتحد وأن نكثف جهودنا كلها في التصدي له ومجابهته وكشفه، لا أن نسمح بأن تكون قصة الفساد سبباً ومدخلاً للتشكيك بكل منجزنا الوطني، وبث روح السلبية والإحباط.
وبرأيي المتواضع، إذا ركزنا على المنجز في أداة التواصل الاجتماعي المهمة وأيضاً انتقدنا بمنتهى الشفافية وبالوثائق وأشرنا إلى موضع الخطأ، فهذا برأيي سيزيد ثقة المواطن بالمؤسسات الحكومية وثقة الأردني والمستثمر بالاقتصاد بشكل عام، ويخلق بيئة جاذبة إيجابية. وأكرر هنا، النقد يجب أن يكون بناءً مبنياً على الوثائق والمعلومات وليس على الذم والقدح والأكاذيب والكراهية ومحاولة لإدارة الاعتقاد.
سادتي الأفاضل،
يرتبط مفهوم الرأي العام عضوياً بالإعلام. وهناك العديد من النظريات العلمية حول هذه العلاقة ومسارات الرسالة الإعلامية وغيرها مما أعتقد أن مؤتمركم سيتطرق إليه.
إلا أنني أعتقد في هذا المقام، أن من واجبنا أن نبحث في مفهوم “قادة الرأي العام”.. وأين أصبحت هذه الفئة التي نصت عليها العديد من النظريات الإعلامية، وما هو دورها وحدود تأثيرها في زمن منصات التواصل الاجتماعي؟
هل بقيت هذه الفئة حاضرة وقائدة مثلما هو اسمها، أم أصبحت تركض وراء الناس، وتقدم “ما يطلبه المشاهدون”؟
وكما تعلمون ويعلم أساتذة علم الاتصال؛ فإن أبرز نظريات الاتصال تنص على أن لهذه الفئة (أي؛ قادة الرأي)؛ دوراً أساسياً في قبول الرسائل الإعلامية وتمريرها، أو في رفضها وإيقافها ومنع تمريرها، وبالتالي حماية المجتمع منها ومن أي تشويه أو تضليل تحمله.
هذا على صعيد النظرية؛ أما على صعيد التطبيق، فقد لعبت فئة قادة الرأي بالفعل دوراً مهماً ومؤثراً في التنوير والتثقيف ورد الرسائل المضللة. وكانت بمثابة حلقة أساسية، وقناة موازية بين وسيلة الإعلام وبين المتلقي. ولذلك، حظيت باحترام وثقة الناس. والسؤال مرةً أخرى: أين هذه الفئة الآن، ولماذا يتلاشى دورها، أو تتماهى مع الاستخدام المريب لوسائل التواصل الاجتماعي!!
لذلك، فأنا أعتقد أن تحصين الرأي العام ورفع مناعته إزاء الاستخدامات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي، يجب أن يبدأ من إعادة الاعتبار لدور قادة الرأي العام، وذلك، من خلال تجديد وتوسيع النخبة، والاتجاه إلى المحافظات وعدم الاكتفاء بالمركز، ودعم وتحفيز الطاقات الشبابية لتأخذ مكانتها ودورها بالعملية الاتصالية.
واليوم، يجب أن نعترف، أن فجوة الاتصال، هي واحدة من أكبر التحديات التي نواجهها وعلى أكثر من صعيد.
ونحن نعلم، أن من ضمن واجبات الاتصال الجماهيري الرئيسية، بحسب نظرية المسؤولية الاجتماعية، هو: رفع الصدام الاجتماعي إلى مستوى النقاش. وهو ما يستدعي تقليص الفجوة وتظهير قيادات جديدة متمكنة وواعية للرأي العام، قادرة على إدارة حوار وطني شامل ومسؤول. بالإضافة طبعاً، إلى تجديد الأدوات وتفعيلها وامتلاك أدوات الحاضر والمستقبل.
الأخوة الحضور،
كلنا نتفق أن الأردن مستهدف الآن، وربما أكثر من أي وقت مضى. هو مستهدف لاعتداله، ولمشروعه، ولمشروعيته. وهو مستهدف لصموده ولموقف قيادته ومؤسساته وشعبه المتكافل المتضامن، في الدفاع عن مصالح الأردن العليا، وحقوق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف، وفيما يتعلق بملف اللاجئين وغيره.
وإذا كنا متفقين على أن الأردن مستهدف؛ فينبغي ابتداءً، أن نتصرف على هذا الأساس. وأن يكون جهدنا وعملنا وتفكيرنا، كله، منصباً على حماية الأردن، لأنه بيتنا الذي ليس لنا غيره.
وأول قواعد مجابهة أي تحد كبير، هو توحيد الصف الداخلي وتحصين الجبهة الوطنية.. وهذا لا يستقيم مع وجود حالة من الفوضى والانفلات والصراعات والتناحر وبث السموم الطائفية والعنصرية والمناطقية في المجتمع الواحد، وضرب ثقة الناس بدولتهم ومؤسساتهم والتطاول على الرموز والثوابت والتلاعب بوقائع التاريخ..
كل هذه أدوات للجهة التي تستهدف الأردن، حتى وإن حملتها أيدي أردنيين، إما عن حسن نية أو تم تضليلهم.
لقد كانت تيارات الظلاميين وقوى التكفير، من أوائل من استخدم منصات التواصل الاجتماعي، وتوسعوا فيها، وحولوها إلى شبكات للتضليل والتنظيم.
وقد أنشأ أكثر التنظيمات إجراماً، شبكات متخصصةً للترويج الإعلامي الظلامي عبر منصات التواصل الاجتماعي. ووظف طاقات الخبراء والمختصين وفق أحدث وسائل التكنولوجيا، لتدمير المجتمعات وتسميم عقول الشباب وبث الفتنة ولنشر الكراهية والتكفير.. فهل يعطينا هذا الدليل الماثل على أن فضاء التواصل الاجتماعي هو فضاء مخترق ومفتوح على كل الدعوات والأجندات والأفكار؟
والمطلوب اليوم، ليس الوقوف في وجه هذا الفضاء الرحب، أو حتى وضع الضوابط؛ فهذا غير ممكن أساساً، وضد حركة التاريخ.. وليس مقبولاً الوقوف في وجه هذا التطور.
وأنا أؤمن بضرورة الانفتاح على هذا الفضاء الرحب والتفاعل معه بإيجابية. ولذلك، أنشأت صفحتي مبكراً على الفيس بوك، وكذلك حسابي على التويتر عندما كنت رئيساً للوزراء؛ إيماناً بأهمية الاستفادة من هذه الثورة الاتصالية، في تعزيز قيم الحوار والتواصل والشفافية وكمنصة غير مفلترة ومباشرة بين المواطن والمسؤول.
ولكن، ما نحن بصدده اليوم، هو إساءة البعض استعمال هذا الفضاء، ومحاولات توظيف هذه الإمكانات العالية في سياق الهدم والتخريب وبث الفتن وإثارة التوترات الداخلية.
والمطلوب، هو إعادة التوازن للعملية الاتصالية، وتحفيز عناصر القوة وعوامل الخير، ووضع الأسس لاستخدامات سليمة وآمنة ومفيدة، بحيث لا تكون منصاتها منصات للتناحر ومعاول للهدم.
وأرجو أن أؤكد مرة أخرى، فأنا ضد أي محاولة للتضييق على الحريات الصحافية، ولو كانت بذريعة بعض الاستخدامات المسيئة لوسائل التواصل الاجتماعي. وأؤمن بأن الحريات الصحافية وحق الرأي والاختلاف، هي حقوق يكفلها الدستور وتنظمها القوانين، وقبل ذلك، هي جزء أساسي من رسالة الدولة، التي قامت على مشروع نهضوي تاريخي يستند إلى القلم وإلى الفكر وإلى التنوع.
والمبادرة الآن، برأيي، هي بين أيديكم أنتم، أهل الرأي والإعلام والاختصاص، لضمان التفاعل الأمثل مع هذا الفضاء وإمكاناته الهائلة، وإبراز الوجه الحقيقي للحريات المصونة في بلدنا، وللنقد الحقيقي العميق والحوار المسؤول.
الأخوات والأخوة الأفاضل،
واسمحوا لي هنا أن أقرأ عليكم فقرة من كتاب التكليف السامي الذي خطه بيده المغفور له، بإذن الله، الملك المؤسس بعد أن حقق الاستقلال للأردن عام1946، وصدر الدستور الأردني الأول.
وجه الملك المؤسس هذا الكتاب إلى المرحوم سمير طالب الرفاعي، يكلفه فيه بتشكيل أول حكومة بعد الاستقلال، ويأمره بإجراء الانتخابات لأول مجلس نيابي أردني عام 1947. الفقرة من الكتاب السامي تنص على ما يلي:
“… إن العهد عهد حرية واستقلال، وعهد إنشاء وإجمال، يجب فيه التعاون بين الأمة ومجلسها النيابي والحكومة الرشيدة تعاوناً حقيقياً، لا يرمى فيه إلا إلى الوصول للهدف المقصود المعين. ولا شك في أن الناس قد ولدوا أحراراً، وليس لأحد أن ينتقص من حريتهم أو يتجاوز على حقوقهم، فإن الله قد جعل لكل على كل حق. وكذلك فإنه لا ينبغي سوء تفسير الحرية، والتورط في ما تورطت فيه غيرنا من الأمم، بأن يركب كل امرئ رأسه فيقول عهد الحرية ويتجاوز على غيره في حقوقه أو عرضه، فإن الحرية تصون الناس من الناس، حيث لا إفك ولا بهتان ولا اعتداء بل أخوة وتساو ورفق، بهذا تكون الأمم الحرة مضيفة إلى حريتها شرف مبادئها وكمال أخوتها، ساعية مسعىً يرمي إلى صيانة حقها بالقانون والنظام، وادعة مسالمة ضمن حقوقها التي يجب عليها المحافظة لها وصونها من غير تلكؤ أو تردد. فالحر حر ما احترم حرية غيره، ومعتد متجاوز إن هو تطاول على غيره. والقانون المودع في أيدي الأكفاء من الرجال هو ميزان حق يجب أن لا يميل هنا وهناك”. انتهى الاقتباس.
هذا هو المفهوم الهاشمي لمعنى المواطنة الحقة، والاستقلال، والحرية، وحقوق وواجبات كل أردني.
لقد أنعم الله جلت قدرته على أردننا الغالي بقيادة تملك الشرعية الدينية والتاريخية والقومية والوطنية يضاف اليها شرعية الإنجاز، فمن أصحاب الجلالة الملك المؤسس عبدالله الأول إلى الملك طلال صاحب الدستور إلى الملك الباني الحسين إلى الملك المعزز عبدالله الثاني؛ قافلة الأردن الميمونة المباركة بدأت مسيرتها بقيادة سادة آل البيت الأطهار ومعهم الرجال الرجال ومعهم أحرار العرب وعشائر الأردن وأبناؤه من شتى المنابت والأصول وبإذن الله ستستمر المسيرة بهم ومعهم إلى أن تصل إلى المستقبل المشرق الزاهر الذي يصر جلالة سيدنا إيصالنا إليه.
أكرر الشكر للإخوة القائمين على هذا المؤتمر، وللحضور الكريم. وأسأل الله أن يحمي الأردن، ويحفظ جلالة قائدنا ورائدنا الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وسمو ولي عهده الأمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته