مرايا – رغم أن أعظم حدث في تاريخ الإنسانية هو اكتشاف الإنسان الأول للــزراعة، التي تعتبر أولى مراحل التطور الحضاري للإنسانية، وبرغم التطور الذي شمل العديد من المجالات الحياتية والتي كان للإعلام دور مشهود ومؤثر فيه، إلا أن قطاع الزراعة لم ينل حظه من الاهتمام الإعلامي.
والى حد لا يستهان به، انعكس عدم الاهتمام الإعلامي بالشأن الزراعي سلبا على الدور المأمول منه في دفع عجلة النمو الاقتصادي، وهو ما دعا مختصين إلى المطالبة بتكثيف التغطيات الإعلامية الورقية والالكترونية والمرئية للكشف عن مواطن الخلل ومعالجة المشكلات.
وأشار هؤلاء بهذا الخصوص الى التغطيات والمتابعات المتميزة التي كان يجريها الاعلامي الفذ الراحل مازن القبج من خلال برنامجه “مع المزارع” على مدى عقود في القرن الماضي على الإذاعة والشاشة الوطنية والحضور الكبير الذي كان يحظى به محليا وعربيا.
ففي هذا القطاع ما يكفي من المشاكل والهموم التي تستحق تناولها وتحقيق التواصل والتنسيق بين المزارعين من جهة ووزارة الزراعة ومراكز البحوث والارشاد الزراعي من جهة ثانية، فضلا عن البحث عن مشاكل ومعيقات تسويق المنتجات الزراعية الى الخارج، والترويج للمنتج الزراعي الأردني، بعد أن تراجع إلى نسب متدنية في السنوات الاخيرة.
وزير الزراعة السابق سعيد المصري قال، إن الإعلام الزراعي يشكل عصب العمليات الإرشادية الزراعية، ويجب أن يؤدي دوره وفقا للتطورات التي تحصل في هذا القطاع المهم والحيوي في الأردن.
وأكد المصري أهمية دور الإعلام الزراعي في تحقيق التواصل والتنسيق بين المزارع والجهات المختصة، حيث يمكن لجهاز الإرشاد الزراعي من خلال تواجده الميداني واعتماد أسلوب النهج التشاركي مع المزارعين عبر الوحدات الإرشادية، أن يحدد المشاكل والصعوبات التي تواجه عملية الانتاج وايجاد الحلول المناسبة لها بالتنسيق مع مديريات البحث المختلفة الموجودة في المركز الوطني للبحوث الزراعية.
وأشار الى أن بإمكان جهاز الإرشاد ايصال التعليمات الفنية الجديدة من المديريات المختصة الى المهندسين والفنيين العاملين في الوحدات الارشادية ومن ثم الى المزارعين في مواقع الانتاج، ورصد النتائج، وهنا يبرز دور الاعلام الزراعي من خلال تحقيق التواصل والتنسيق بين المزارعين من جهة ووزارة الزراعة من جهة ثانية.
مدير اتحاد المزارعين محمود العوران أكد أن الإعلام الزراعي “مطالب بنقل التقنيات والمعلومات الزراعية الى المزارعين وتسليط الضوء على المشكلات الزراعية التي تعترض تقدمها”.
وتتضمن مهمة الإعلام الزراعي ايضا، بحسب العوران جميع الوسائل المتاحة بغرض الاتصال بالمزارعين المستفيدين من المشاريع والبرامج الزراعية سواء كانت هذه الوسائل إذاعية أو تلفازية أو صحف ومجلات او مواقع الالكترونية “لأهميتها في التأثير الايجابي على الواقع المعيشي للمزارعين والمجتمع”.
وبين العوران انه مع تنوع وسائل وأدوات الإعلام الزراعي لا بد ان يكون في كل الدوائر والشركات الزراعية شعبة إعلام خاصة بها، مؤكدا ضرورة أن “يكون للمركز الوطني للبحوث الزراعية دور مهم في تغطية أنشطة الدوائر الزراعية الأخرى ونقل منجزات الأقسام الفنية، خاصة مع تنوع وسائل الإعلام المقروء كالفولدرات والبوسترات والنشرات الإرشادية”.
ودعا الى استحداث برنامج مرئي او اذاعي زراعي اسبوعيا، وكذلك استحداث صفحة رسمية لدائرة الإرشاد وعمل مجلة زراعية “تساهم في تحسين اتصال المنتج الزراعي والمجتمع الريفي بالجهات الرسمية، ولنشر كل ماهو جديد من معلومات وأخبار وأسعار، وضوابط الاستيراد والتصدير ونظم القروض لفتح الباب الواسع امام المنتجين الزراعيين لتحسين التنمية الريفية”.
واشار الى انه رغم كثرة القنوات الفضائية الاردنية الا أن “المادة الزراعية مغيبة عن برامج هذه القنوات رغم اننا في الأصل مجتمع ريفي يضم قطاعا واسعا من المزارعين”.
مدير دائرة الاعلام بوزارة الزراعة نمر حدادين بين ان النشاط الزراعي “يحتاج إلى جرعات توعوية حول أنماط السلوك المتوارث كون المسألة تبدأ بتغيير التصورات، لكن تغيير السلوك لا يمكن أن يتم إلا من خلال تغيير القناعات وتعديل المفاهيم السائدة وإشاعة التوعية، ثم الإرشاد نحو الهدف المنشود”.
وأشار حدادين الى أهمية الأسلوب المباشر ضمن برامج إعلامية زراعية اجتماعية معدة لهذا الغرض، إضافة الى عرض قضايا مختلفة ذات صلة تتضمن الإشارة إلى الأنماط السليمة والأنماط الخاطئة في السلوك السائد، “ومن هنا يبرز دور الإعلام الزراعي كمساعد ناصح ومعلم في تثقيف الجيل الناشئ، إذ أن له أهدافا وغايات يسعى لتحقيقها”.
الطبيب البيطري رامي عبابنة أشار الى ان “أهمية الإعلام الزراعي تتمثل في كونه يمتلك وسائل وأدوات تسهم في تشكيل الشخصية الزراعية في إطار العلاقات الاجتماعية، وهو ما يدعو للتمييز بين التنشئة الاجتماعية التي تقوم بها الأسرة والمدرسة في الريف، والتنشئة الاجتماعية التي تقوم بها الوسائل الإعلامية المتخصصة التي تمس المجتمع بكامله والتي تتحقق بصورة أوسع”.
وأكد أهمية دور الوسائل الإعلامية في التنشئة الريفية الاجتماعية ينبع من خلال تأثيرها على الأفراد دون وجود عمليات تفاعل اجتماعي مباشر، وعرض نماذج من المشكلات الاجتماعية والعلاقات بين الأفراد بطرق جذابة.
وبالنسبة لدور الإعلام الزراعي، قال عبابنة إنه “يتمثل في حماية مصالح المزارعين ورعاية حقوقهم وتبصيرهم بواجباتهم” وحثهم على التعاون مع المرشدين الزراعيين للاستفادة من توجيهاتهم، إضافة الى حثهم على الانضمام إلى الجمعيات التعاونية والتخصصية والاتحادات النوعية المنبثقة عن اتحاد المزارعين الاردنيين والنقابات الزراعية.
ودعا عبابنة الى تكثيف برامج الإرشاد الزراعي وتوعية المزارعين وإعلامهم بالجديد في مختلف أوجه النشاط الزراعي والحيواني، وتوجيههم نحو الإنتاج الزراعي الصحي والإنتاج بأقل تكلفة وجهد ممكن، وحث المزارعين على استخدام الأساليب والتقنيات الزراعية الحديثة، والاستفادة من التسهيلات التي تقدمها لهم الدولة ومؤسسة الاقراض الزراعي وغيرها.
وكي يقوم الإعلام بدوره على الوجه الأكمل فإنه بحاجة، بحسب عبابنة، إلى “مراعاة اختيار الوقت المناسب لمخاطبة المزارعين وتوجيه البرامج الإعلامية إليهم، لأن من أهم مقومات هذا النوع من البرامج التعرف على طبيعة الجمهور الذي تتوجه إليه ومخاطبته، فلا يجوز مثلا إذاعة البرنامج الموجه لجمهور المزارعين في أوقات يمارسون فيها أعمالهم”.
وفيما يتعلق بالوسيلة الإعلامية المناسبة، رأى أن “المجلات الزراعية تحتاج إلى مجتمع قارئ بعكس البرامج الإذاعية التي يستطيع المزارع متابعتها بسهولة خاصة إذا كانت هذه البرامج مرئية وباللغة الشعبية السهلة”، إضافة الى التركيز على موضوعات تمس حياة المزارعين ومجالات عملهم وإنتاجهم بحيث يشعر المزارعون أن هذه البرامج موجهة اليهم تحديدا، والابتعاد ما أمكن عن المصطلحات العلمية.
ورأى أن مثل هذه البرامج يجب ان تهتم باستضافة متخصصين في مجالات العمل الزراعي ولديهم القدرة على ترجمة المعارف والتجارب والخبرات الزراعية إلى واقع ملموس، بشكل يثير اهتمام المزارع ويحفزه على استخدام الوسائل والتقنيات المناسبة لتطوير عمله وزيادة إنتاجه، وتكون في الوقت نفسه نافذة للمزارعين لبث معاناتهم وتطلعاتهم والدفاع عن حقوقهم والاهتمام بهم كونهم يمثلون إحدى ثروات البلاد.