مرايا – تردد وحذر شديدان باتا يلفان قرارات جهات رسمية ومسؤولة، في القطاع التربوي تحديدا، على إثر تداعيات حوادث تسببت بها “ظواهر طبيعية” وسيول خلفت ضحايا بشرية ومادية ما تزال ماثلة أمام نظر الجميع.

وبعد وفاة نحو 35 شخصا وإصابة العشرات جراء فيضانات وسيول عارمة خلال الأسابيع القليلة الماضية، كان أبرزها فاجعة البحر الميت، نتجت عن “أمطار وميضية” كثيفة وسريعة، باتت الأحوال الجوية الماطرة مصدر قلق لمسؤولين بمختلف القطاعات، خاصة في قطاع التربية والتعليم.

تجلى ذلك أساسا في قرارات وزارة التربية والتعليم أكثر من غيرها، على اعتبار أنها على مساس مباشر بالأطفال على مقاعد الدراسة، حيث يلاحظ مراقبون أن مديريات التربية، صاحبة التفويض بالدوام المدرسي كلا في منطقتها، تسارع إلى تعليق الدراسة بالمدارس التابعة لها، كما حصل اول من امس السبت، في ظل تأثر المملكة بمنخفض جوي عميق مصحوب بأمطار غزيزة.

قرارات التعطيل للمدارس بغير منطقة ومحافظة كانت مجالا للتندر والتحفظ من قبل مواطنين وناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على قاعدة أن الظروف الجوية الأخيرة لم تكن تستدعي وقف العملية التدريسية بالعديد من المناطق المشمولة بقرار التعطيل.

ويشكل التغير المناخي وتردي البنية التحتية ببعض محافظات المملكة، اضافة إلى تهالك البنية التحتية ببعض المدارس عائقا أمام الطلبة والمعلمين والمسؤولين، خاصة في القرى النائية، وفي ظل عدم توفر لوسائل مواصلات تقل الطلبة إلى مدارسهم وعدم وجود بيئة آمنة حتى بصفوفهم التي يفتقر بعضها للصيانة الدائمة أو وسائل تدفئة، الأمر الذي يشكل خطرا على حياة الطلبة والمعلمين.

وفيما يرى خبراء تربويون أن تكرار تعليق وتعطيل دوام المدارس سيؤثر سلبا على العملية التعليمية، لأن المدارس ملزمة بأيام محددة للدوام وفقا للتقويم المدرسي، فإن الناطق الإعلامي باسم الوزارة وليد الجلاد يؤكد أن الوزارة لديها خطة ستعلن عنها خلال الأيام القليلة المقبلة، حول إن كان سيتم تعويض الدراسة بمدارس علق ويعلق بها الدوام لظروف جوية طارئة، وفق آلية ستعلن عنها الوزارة في حينه.

وقال الجلاد، إن الهدف من اتخاذ قرار بتعليق الدوام أو تأجيله صباحا هو “الحفاظ على سلامة الطلبة والهيئات التدريسية والإدارية”. مضيفا أن القرار “مفوض لمدراء التربية بالتنسيق مع الحكام الإداريين في مناطقهم”.

ونفى الجلاد أن تكون البنية التحتية للمدارس عائقا أمام الطلبة والمعلمين للالتحاق بمدارسهم، إلا أن الظروف الجوية هي التي تحكم هذا الأمر. موضحا أن بعض مناطق يكون فيها تدفق المياه من الشوارع كبيرا نتيجة لغزارة الأمطار وعدم استيعاب الصرف الصحي (المناهل) للمياه ما يؤدي لتدفقها لساحات المدارس أو لداخلها، خاصة تلك المتواجدة على الشوارع الرئيسية.

وأوضح أن الوزارة لم تتخذ قرارا مركزيا بتعليق الدوام باستثناء يوم الخميس الماضي في بعض مديريات التربية بمناطق الجنوب “لأن الظروف الجوية بتلك المناطق كانت تستدعي التعطيل”.

وأشار إلى أن تعليق الدوام ليوم أول من امس السبت “هو لمدارس الطلبة السوريين، والتي يبلغ عددها 200 مدرسة، اضافة الى مدارس خاصة تقتضي طبيعتها الدوام يوم السبت واعدادها متفاوتة من مديرية لأخرى”.

وبين الجلاد أن الوزارة تقوم يوميا بتزويد مدراء التربية بالنشرة الجوية الصادرة عن دائرة الارصاد الجوية، والتأكيد عليهم بمتابعة تلك النشرات المرسلة لمعرفة الحالة الجوية السائدة، ان كان هناك منحفضات أو حالة من عدم الاستقرار الجوي، لتوخي الحيطة والحذر، وبالتنسيق مع الحكام الاداريين.

وأشار الجلاد الى ان الوزارة اعلنت مؤخرا عن خطتها لاستقبال فصل الشتاء، وعممتها على كافة مديرياتها للالتزام بها. 

وتعتمد وزارة التربية في تحديدها عدد أيام الدراسة الفعلية بالسنة على ما ورد في المادة 40 من قانون التربية، التي تنص على ان “تكون ايام الدراسة الفعلية خلال السنة الدراسية ما بين 195 – 200 يوم كحد أدنى للمدارس التي تعطل يومين في الاسبوع”.

وبحسب التقويم المدرسي للعام 2018/2019 المنشور على موقع الوزارة، فالمقرر أن يكون عدد ايام الدراسة الفعلية للعام الدراسي 199 يوما للفصلين، بحيث تكون في الفصل الأول 104 ايام، و95 يوما في الفصل الثاني.

أما لطلبة المرحلة الثانوية بفروع التعليم الثانوي الشامل المهني (التوجيهي) فحدد عدد أيام الدراسة الفعلية بـ221 يوما بما فيها أيام التدريب العملي الصيفي.

من ناحيته، يرى الخبير التربوي ذوقان عبيدات أن الظروف الجوية التي تشهدها المملكة خلال فصلي الشتاء او الصيف “ليست جديدة، ولكن المتغير الوحيد هو سوء ادارة حادثة البحر الميت، وتحميل المسؤولية لاشخاص ليسوا المعنيين بهذا الأمر”.

واضاف ان اي شخص يريد ان يتخذ قرارا “بات متخوفا من أن يتأذى نتيجة للقرار”، لافتا الى ان المساءلة “إن لم يكن فيها ترشيد فستكون النتيجة الخوف أو السكون وفقا لقانون “سكن تسلم”، مشيرا الى ان هذا القانون هو “المعمول به حاليا”.

واعتبر عبيدات ان الوزارة “ملزمة بتعويض الطلبة عن أيام تعليق الدوام، لاسيما وان ايام دوام الدراسة الفعلية محددة”، وانه “كلما زادت ايام تعليق الدوام فان تعويضها سيكون صعبا، ما سيؤدي الى تأخير الامتحانات التحصيلية، سواء للفصل الاول او الثاني، اضافة الى تأخير موعد انعقاد امتحانات التوجيهي”.

وقال إن “قانون المساءلة” يجب ان لا يكون عشوائيا او مستندا لأبعاد سياسية او إدارية او أخلاقية، وانما “يجب أن تكون قضائية فقط”.

واضاف عبيدات انه في حالة سيادة “قانون سكن تسلم” وتجنب اتخاذ قرارات لاحتمال تسببها ببعض المتاعب لمتخذ القرار “فان كل المجتمع سيتوقف عن الحركة، وبالتالي سيؤثر على كل الدولة وسير الأمور بطبيعية”. 

من ناحيته، يقول مدير إدارة التخطيط التربوي السابق بوزارة التربية د. محمد ابو غزلة ان الدول التي تعتمد على التعليم كرافعة أساسية للاقتصاد الوطني وتضعه على سلم أولوياتها بالتطوير والتحديث وتضع له الخطط الاستراتيجية الوطنية للوصول إلى مستوى التنافسية العالمية، “لا بد أن تختار قيادات تربوية واعية قادرة على تحمل مسؤولياتها”.

ويؤيد ابو غزلة الرأي القائل بان “المسؤولين في الدولة عامة ووزارة التربية خاصة بات لديهم “فوبيا” من إصدار القرارات وتحمل المسؤوليات، وذلك بعد حادثة البحر الميت”.

ويوضح أن تكرار تعطيل المدارس “سيؤثر بشكل كبير على نوعية التعليم، ليس فقط فيما يتعلق بعدد أيام الدراسة لأنها ليست متغيرا أساسيا” مقارنة بدول متقدمة أخرى.

ويقول أبو غزلة إن “قصور اليوم الدراسي يؤثر على نوعية التعليم ويتسبب بهدر كبير بالوقت والموارد التعليمية، ما يستدعي النظر في بنية العام الدراسي، لأن استمرار تعطيل المدارس بكل حدث وبسبب أو بدون سبب سيشكل عاملا سلبيا على تطوير التعليم، وعلى تحصيل الطلبة. خاصة في غياب وجود خطط بديلة لدى الوزارة لتعويض ذلك”.