مرايا – هل تنعم العراقيون بالديمقراطية بعد سقوط النظام السابق الذي ترأسه صدام حسين، إثر الاجتياح الأمريكي الذي مازالت قواته تتواجد في العراق تحت ذريعة الدعم ضد الإرهاب؟ وكيف أصبح الواقعان السياسي والأمني في ظل الكم الهائل من الأحزاب والسلاح؟
واستفهامات أخرى، أجاب عليها أبرز الكتاب والمحللين في الجانبين السياسي والأمني، العراقيين، في تصريحات لوكالة “سبوتنيك” الروسية، عن الحال الذي أصبح عليه العراق، في الذكرى الـ13 من استشهاد صدام حسين الرئيس السابق للنظام حتى عام 2003.
يقول الكاتب والمحلل السياسي، باسل الكاظمي، “إن المؤشرات والمعطيات المتوفرة حاليا، تفيد بإن العراق بعد سقوط النظام، كان يتوقع بإنه ستكون له انطلاقة نوعية ونموذجية إلخ.. لكن بسبب الطبقة السياسية والوجوه الكالحة “على حد وصفه”، التي لا تبحث سوى عن مصالحها ومصالح أحزابها، لو بقيت البلاد على ذلك النظام وتلك الوضعية لكانت أفضل”.
ويوضح الكاظمي، شيء بالشيء لو عدنا بالسنوات الأولى من سقوط النظام لرأينا هناك احتفالات وأفراح حول سقوط النظام، أما اليوم رأينا العكس لا يوجد هناك فرحة، ويوجد البعض من الشعب العراقي يقولون كنا نتمنى أن يبقى العراق على ذلك النظام، لان الهيبة كانت موجودة والكثير من المسائل وأبسط الاحتياجات متوفرة لدى المواطن.
ونوه الكاظمي، إلى أن العراق، بعد سقوط النظام، من سوء إلى أسوء ومن يقول أن هذه العملية السياسية أفضل فقط المستفيد منها أما المواطن الضعيف ليس بمستفيد أبدا ً، وهو بين المطرقة والسندان.
اللاعب الدولي
وذكر الكاظمي، أن اليوم هناك اللاعب الدولي، له دور مهم وفعال بمسألة العملية السياسية، والنظام والقرار العراقي، وليس عراقي، وإنما يأتي من خارج الحدود، وهناك شخصيات إيرانية تأتي وتجلس مع رؤساء أحزاب، وقوائم وتتباحث معهم، في مسألة اختيار الكابينة الوزارية وبعض الشخصيات للمناصب، معبرا ً “شأنا أم أبينا القرار يأتي من إيران وغيرها إلى العراق، لماذا؟ لان الطبقة السياسية اعترفت وبامتياز أنها لا تمتلك الوطنية ولا الغيرة على أبناء جلدتهم ولا هم أصحاب قرار”.
وأضاف، عندما نريد بناء دولة يجب أن يكون هناك رجال دولة، لكن لا يوجد لدينا رجال دولة إلخ، وإنما رجال لديهم انتماءات لإيران وغيرها.
بلد الأحزاب
وأفاد الكاظمي، بأن عدد الأحزاب التي تسيطر على مفاصل الدولة، إلى هذه اللحظة حسب التوقعات، أكثر من 300 حزب، عدا التكتلات والتجمعات، ومن يدخلون في ما يسمى “الحركات”، واغلبها تابعة لدول معينة، أسسوا فيها لخوض العملية السياسية بغطاء قانوني ودستوري.
ويرى، أن أغلبية ما يحدث لا يبتعد من إيران، فأن الجانب الإيراني لاعب مهم وله دور فعال على جميع الأصعدة في العراق.
فساد
وأشار الكاظمي، إلى أن جميع الأحزاب متورطة بالفساد وقد تلطخت أيديها بالفساد من جميع الجوانب، منها في عدم مقاتلة “داعش” وإدخاله للمدن العراقية، والطائفية والعنصرية، وبيع المناصب، بالإضافة إلى أن الفساد الإداري لا يختص بجانب معين، وإنما في جميع الجوانب التي تخص البلد، خاصا بالذكر الإسلامية التي أثبتت بفشل ذريع، ونتج عنها حكم في العراق.
وأعتبر الكاظمي، أن من يقول أن هذا الحزب متورط بالفساد، وهذا غير متورط ويجب محاسبة الفساد، مجرد درء الشبهات عنهم، ويحولون أن يقولون أننا نمتلك الوطنية والنزاهة، لكنهم جميعهم يمتلكون هيأة اقتصادية داخل أحزابهم.
سيادة
وقال الكاظمي، في ختام حديثه،
“قبل سقوط النظام، كان العراق يعتبر رمز الدول العربية شأنا أم أبينا، واليوم عندما نتحدث في أي دولة ونقول أننا عراقيين، يقولون انتم رمز الدول العربية، هذا من جانب لأن بلدنا كانت لديه قدسية من جانب الدول العربية والإسلامية، أما الآن فلا توجد سيادة”، ولو عدنا إلى مسألة الفساد، كان العقاب شديد في عهد النظام السابق، ومن كان يسرق أموال الشعب يعلق في ساحتي التحرير، والاحتفالات، وهذا أعطى مؤشر واضح بأن هناك عقاب، فمسألة الفساد في ذلك الوقت لم تتوفر.
السلاح
من جهة، أفاد الخبير الأمني، الباحث البارز، في شؤون الجماعات المسلحة، هشام الهاشمي، في حديث خاص لـ”سبوتنيك”، بإن الجماعات المسلحة ذات الأبعاد ” الراديكالية”، سواء كانت سنية أو شيعية، لا ترى المقاومة المباشرة ضد أجهزة النظام السابق، أو الحكومات الأمنية أمرا من واجباتها.
ويضيف الهاشمي، لكن بعد 2003، تحولت المقاومة من هذه الجماعات المسلحة، إلى إقامة عمليات عسكرية أمنية بالضد من الأجهزة الأمنية تحت عناوين العمالة للولايات المتحدة الأمريكية أو التخادم مع المحتل الأمريكي، وبالتالي هي أسوء.
ويقول الهاشمي، إن هذا التطور والتنامي، بعد 2003 مع تحولات كثيرة للفصائل المسلحة منهم من أصبح موالي للحكومة في بغداد، وكثير منهم من يرى أن الموالات للحكومة، مقيدة بشرط عدم التخادم مع القوى المحتلة، إذن الوضع في العراق تحول إلى الاسوء.
وأشار إلى أن “هناك الكثير من السلاح السائب في العراق حاليا، ممكن أن نقول بدون مبالغة أنه قبل عام 2003، أن كل 100 عراقي لديهم سلاح، أما اليوم أصبح لكل عراقي بمعدل قطعتي سلاح، ولدينا 38 مليون عراقي، بحسب التقديرات هناك أكثر من 60 مليون قطعة سلاح خارج سيطرة الحكومة العراقية، وبعضها غير مرخص أو مجاز قانونا.
عن ارتفاع أو انخفاض مستوى الجريمة، بعد التغيير، بين الهاشمي، أن ذلك يتفاوت مع المستوى الاقتصادي، فكلما كان في انحدار يرتفع مستوى الجريمة سواء كانت المنظمة أو العشوائية الأحادية.
المخبر
عن سؤالنا “سابقا كانت هناك تقارير ينجزها أعضاء حزب البعث على المواطنين وينتهي مصيرهم ما بين المفقود والمعدوم، هل تحولت إلى صور أخرى بنفس الفعل؟ أجاب الهاشمي: أكيد لا تزال هذه التقارير تنجز، فقد استبدلت الفرق والشعب الحزبية، والمختارين، والوكلاء الحزبيين، بالمخبر السري وكم من مقتول ومعدوم وقابع في السجون العراقية نتيجة تقارير هذا المخبر، إذ لم يتغير هذا الوضع كثيرا.
وعن حصيلة هذه التقارير، حدد الخبير الأمني الباحث في شؤون الجماعات المسلحة، نسبة ليست أقل من 10% من المحكومين أحكام منسبة هم نتيجة تقارير المخبر السري السيئة وغير المدققة.
تغيير
وعلى صعيد متصل، صرح الكاتب والمحلل السياسي العراقي من إقليم كردستان، كفاح محمود، لـ”سبوتنيك”، عن العراق أولاً، بعد سقوط النظام السابق، حيث كان يتأمل العراقيون أن يحصل تغيير ايجابي بعد أن نجحت الولايات المتحدة وحلفائها بإسقاط النظام.
وتدارك محمود، بقوله، لكن للأسف الشديد بعد أشهر، من سنة 2003، وإلى اليوم، التغيير الذي حصل كان سلبيا، فقد ارتفعت مستويات الفقر والأمية، والجريمة، والإرهاب، والجريمة المنظمة، ولم تعد هناك دولة بالمعنى القانوني.
ويتابع محمود:
“أصبحت هناك مراكز قرار متعددة ومتشتتة، في العراق الذي انحدرت فيه الخدمات بشكل كبير، مع مشاكل كبيرة لم تحل لاسيما بما يتعلق بحياة المواطن في مقدمتها، الصحة، والتعليم، والكهرباء، والخدمات البلدية، ومستوى المعيشة، مما يعطي للأسف بعد أكثر من 15 سنة، صرة سوداوية لما حصل خصوصا وانه يتعارض مع طموحات المواطنين الذين كانوا يعتقدون أن النظام الدكتاتوري السابق كان سببا لعدم انطلاق العراق نحو الحضارة، أو السلام، أو نحو بناء دولة مدنية متحضرة”.
كردستان
وعن نقطة التحول في حياة إقليم كردستان، بسقوط النظام السابق، يخبرنا محمود، أن الصورة اختلفت في الإقليم بعد 2003، ويعرف الجميع أن مستوى الفقر عشية إسقاط صدام، كان أكثر من 50%، كما أن مستويات التعليم أيضا ً كانت متدنية، بسبب الحصار المفروض من قبل الأمم المتحدة على الإقليم كونه جزء من العراق، ومن قبل الدول الإقليمية — تركيا، وسوريا، وإيران.
ويفيد محمود، بإن الأمور انفتحت في إقليم كردستان بعد سنة التغيير، بشكل كبير، بتحسن الوضع الاقتصادي، وبدء حكومة الإقليم ببرنامج طموح لبناء البنى التحتية.
وأشار محمود كاشفاً، إلى أنه خلال أقل من 10 سنوات استطاعت الحكومات التي توالت منذ 2003، إلى اليوم أن تنقل الإقليم نقلة نوعية كبيرة، في ما يتعلق بالتنمية البشرية، والتعليم، والصحة، حتى أن مستويات الفقر انخفضت إلى اقل من 6%.
وأنهى الكاتب والمحلل السياسي عن إقليم كردستان، حديثه، متطرقا إلى التعليم، إذ كانت هناك جامعة واحدة في الإقليم، أما الآن فقد ارتفع عددها إلى أكثر من 20 جامعة، وعشرات المعاهد الفنية، مع حل مشكلة الكهرباء بشكل كبير يشعر به المواطن، ولولا هجمات “داعش” الإرهابي، والحرب عليه، منذ عام 2014، لكن الإقليم يختلف تمام عن ما عليه هو الآن.
يذكر أنه في آذار 2003، دخلت الولايات المتحدة الأمريكية العراق تحت مسمى عملية “تحرير العراق”، وفي 13 كانون الأول من نفس العام، تم القبض على صدام حسين. وظهر لأول مرة في المحكمة عام 2004، ووجهت له تهم تتعلق بغزو الكويت والهجوم على قرية الأكراد بالغاز السام، ولكنه رفض الاعتراف بالمحكمة باعتبارها محكمة “الاحتلال”.
وأدانته المحكمة في أول قضية جنائية ضده، وكانت خاصة بمذبحة قرية “الدجيل”، وحكم عليه بالإعدام، في 23 تموز 2006، وتم تنفيذ الحكم في 30 كانون الأول من نفس العام.