مرايا – يرتدي الطفل مجد الريماوي (خمس سنوات) سترة زرقاء اللون عليها كلمة “survivor” (الناجي)، وقد جلس على أريكة مريحة في منزله ببلدة بيت ريما في الضفة الغربيةالمحتلة .
ويعد مجد ناجيا من نوع خاص، على الأقل في أعين والديه، ليديا وعبد الكريم الريماوي. فقد تم إنجابه عبر خطة معقدة لتهريب حيوانات منوية من عبد الكريم من داخل سجن “كتسيعوت” إلى عيادة للتخصيب. ويقضي عبد الكريم عقوبة بالسجن 25 عاما لإدانته بالشروع في عملية قتل.
وتم توقيف عبدالكريم في عام 2000، عام اندلاع الانتفاضة الثانية. وتم إدانته بالانتماء إلى “كتائب شهداء الأقصى”، الجناح العسكري لحركة فتح، والمصنفة منظمة إرهابية في كل من إسرائيل والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرها من الدول.
وكان عُمْر طفلتهما الأولى، رند، لا يتجاوز الأشهر الثمانية عندما تم إلقاء القبض على عبد الكريم، وكانت زوجته في بداية العشرينات من عمرها.
وفي السجن، يستطيع عبد الكريم أن يرى زوجته عبر نافذة زجاجية فقط. وفي المرات القليلة التي يُسمح لهما باللقاء دون حواجز زجاجية، يُحظر عليهما إقامة علاقة جنسية.
وتقول ليديا: “إذا ما انتظرت حتى يخرج، سنكون في الخمسين من العمر تقريبا، وقد يكون من الصعب حينها أن يكون لدينا مولود جديد، ولذلك فكرت في أنه إذا ما كان من الممكن فعل هذا الآن، فإن هذا سيكون أفضل.
وتضيف أنها كانت ثاني زوجة أسير فلسطيني تشارك في “خطة النطف المهربة”، ثم أعقبها عشرات أخريات. وذكرت أنها سمعت لأول مرة عن الخطة عبر الإذاعة.
وتروي أن التقرير الإذاعي كان يتحدث عن زوجة عمار الزبن، من نابلس، والتي وضعت طفلا بعد تهريب نطفة زوجها من السجن. وتضيف: “عندما سمعت هذا، بكيت… وقلت في تلك اللحظة أني سأفعل الشيء نفسه”.
وتواصلت ليديا مع مركز “رزان” للتلقيح الصناعي والذي يقوم بعمليات التخصيب الصناعي بالمجان لزوجات الأسرى. وتتجاوز تكلفة العملية في المعتاد ثلاثة آلاف دولار.
ويؤكد مدير المركز، الدكتور سالم أبو خيزران، أن الدافع وراء مبادرة المركز اجتماعي قبل أي شيء، كون المبادرة “تساعد زوجات الأسرى على إنجاب أطفال قبل فوات الأوان. ليس أكثر من هذا”.
وأوضح: “نقدم العمليات بالمجان لأنها قضية انسانية بالنسبة لنا، وليس بهدف الربح أو التجارة. إنها خدمة اجتماعية نقدمها للمجتمع لعلاج مشكلة اجتماعية”.
وأشار أبو خيزران إلى أن نسبة النجاح تتراوح بين 50 إلى 60%. ويتوقع أن تكون 75 من زوجات الأسرى قد نجحن في إنجاب أطفال بهذه الطريقة عبر عيادات ومراكز مختلفة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وشككت متحدثة باسم مصلحة السجون الإسرائيلية في أمر النطف المهربة، وقالت: “الزعم بأن أطفالا، فلسطينيين أو غيرهم، هم نتاج تهريب حيوانات منوية أمر مستبعد في ظل الصعوبات التقنية والعلمية”، معتبرة أنه لا يمكن التأكد من هويات الآباء دون اختبارات الحمض النووي.
ورغم ذلك، تؤكد المتحدثة أن مصلحة السجون تتصدى لمحاولات تهريب أشياء متنوعة، بينها الحيوانات المنوية، بطرق مختلفة.
ورفضت ليديا الكشف عن الطريقة التي تم بها تهريب نطفة زوجها، وقالت في خجل: “لنا طرقنا”.
وتمت معاقبة عبد الكريم بعد انكشاف الأمر. ولم يُسمح له برؤية ابنه إلا بعد عام وثلاثة أشهر من ولادته، وفقط بعدما اعترف بتهريب نطفته. وكعقوبة أخرى، لم يُسمح له برؤية زوجته لعام إضافي، إلى جانب غرامة نحو 1300 دولار.
وحتى تم السماح مجددا لزوجته بالزيارة، كان مجد يذهب لزيارة والده رفقة جدته. ويؤكد مجد أنه يحب والده، وأنه يعطيه حلوى.
ويقول مائير إندور، المسؤول التنفيذي عما يسمى “جمعية ألماجور لضحايا الإرهاب”، إن النظام القضائي في إسرائيل متساهل جدا مع الفلسطينيين، ويضيف: “نعتقد أن هناك حاجة لوضع حد للجنة التي يعيش فيها السجناء داخل السجون الإسرائيلية… الجنة تشكل حافزا لعمل إرهابي آخر”.
واعتبر إندور تهريب الحيوانات المنوية “ظاهرة خطيرة تثبت أن مصلحة السجون متساهلة أكثر مما يجب”.
ويضيف: “نتعامل مع السجناء بقفازات من حرير… يتعين أن يدرك الإرهابي أنه سيُحكم بالإعدام أو السجن المؤبد”.
وتقول ليديا إنها لا تعارض ما قام به زوجها، وتؤكد: “من حقنا المقاومة طالما استمر الاحتلال”.
وتضيف أنها لا تريد أن ينخرط أطفالها في مثل الأنشطة التي تسببت في محاكمة زوجها، وتقول: “لا أريد لابني أن يخسر حياته بمثل هذه الطريقة، ولكن لحسن الحظ عندما يكبر لن يكون هناك احتلال”. (د ب أ)