مرايا – كشف موقع “ويكيليكس” أمس أن القائم بأعمال السفارة الأميركية في عمان العام الماضي “لورنس ماندل” كان قد بعث برقية الى واشنطن تفيد بـ “البلطجة تجاه الفلسطينيين” التي ألمت بكرة القدم الأردنية والتي تسببت بإيقاف مباراة بين فريقي الوحدات والفيصلي في تموز 2009 بعيد أعمال الشغب والهتافات المسيئة للأردنيين من ذوي الأصول الفلسطينية من قبل مشجعي فريق الفيصلي.
السفير الأميركي السابق في عمان “إدوارد غنيم” كان مصيبا حينما صرح الإسبوع الماضي بأن السفارة الأميركية هنا “تعلم بكل ما يجري في البلد.” فتظهر آخر الوثائق الأميركية السرية المنشورة عبر موقع “ويكيليكس” جهد السفارة في عمان بإبراق تحليلات بعثتها الدبلوماسية للخصوصيات الداخلية حتى في حساسيات كرة القدم المحلية.
البرقية التي أرسلت بعد ما يقارب العشرة أيام من تاريخ المباراة عنونت: “إيقاف مباراة كرة قدم أردنية في ظل هتافات معادية للنظام وبلطجة تجاه الفلسطينيين” وناقشت تداعيات إيقاف المباراة بين الفريقين اللذين يستحوذان على شغف مشجعي الكرة بين “شرق أردنيين” و”فلسطينيين” في الأردن. وأشارت البرقية أن “المباريات بين الفريقين لها تاريخ طويل من العنف، ولكن “النقرات” المحددة تجاه (..) السلطات في هذه الحادثة سجلت مستوى (..) غير مقبول .”
وأضافت البرقية الى أنه تم تغريم الفريقين وانتقاد مشجعيه علناً في ظل “تغطية ضئيلة في الصحافة الرسمية بشكل ملحوظ.”
* “المباراة كشفت الصدع المتزايد بين الشرق أردنيين والفلسطينيين في الأردن”
أفادت البرقية المبعثة الى واشنطن بأن المباريات بين الوحدات والفيصلي لها تاريخ طويل من البلطجة والعنف ذو الدوافع السياسية حيث تم ايقاف عدد من المباريات في السابق بسبب أعمال الشغب والهتافات المسيئة من قبل مشجعي الفريقين – وهي هتافات أصبحت وبمرور الوقت “مقياساً شعبياً للتوترات بين الشرق أردنيين والفلسطينيين – بحسب البرقية. ولكن ما هو مثير للجدل وحسمي في هذه المباراة بالذات لتستحق إبراقاً الى واشنطن هي الهتافات التي وجهت وللمرة الأولى تجاه أعضاء (..) في الدولة . وبحسب البرقية، فقد أطلق أنصار الفيصلي هتافات (..) تجاوزت حدود اللباقة ..
وجدير بالذكر – بحسب “ماندل” – (..) الصمت الرسمي تجاه الحادثة وأيضاً تردد معارف السفارة من مناقشة المسألة التي وصفتها السفارة الأميركية في عمان بـ “بلطجة معادية للفلسطينيين وهتافات مسيئة بالأصول الفلسطينية …..”
* الفيصلي والوحدات: تعادل سلبي
وأوعزت البرقية واشنطن بتفاصيل ما جرى خلال المباراة التي أجريت في مدينة الزرقاء بما فيها تدخل الشرطة الأردنية لوقف الاضطرابات وهتافات جماهير الفيصلي ضد الأردنيين من أصول فلسطينية (…) والقاء الزجاجات على لاعبي فريق الوحدات ومشجعيه.. وأفاد بملاحظة أن المباراة التي اوقفت مبكراً انتهت بـ “التعادل السلبي.”
* حكاية المنافسة
وذكرت البرقية أن فريقي الفيصلي والوحدات يمثلان أبطال “الشرق أردنيين” والفلسطينيين في الأردن على التوالي. ففريق الفيصلي (الذي يعود اسمه للملك فيصل الهاشمي) مدار من قبل عشيرة “العدوان” البارزة الشرق أردنية والمتمركزة في مدينة السلط وهو فريق معروف بمشجعيه الشرق أردنيين العشائريين – بحسب البرقية – بالرغم من أن عددا من لاعبيه من أصول فلسطينية. وفاز الفيصلي بثلاثون كأس للدوري الأردني منذ إنشاء الاتحاد الأردني لكرة القدم في عام 1944.
فريق الوحدات، من جهة أخرى، أخذ اسمه من مخيم كبير للآجئين الفلسطينيين جنوبي عمان وهو الفريق المفضل لدى الأردنيين من أصول فلسطينية – بحسب “ماندل.” وفاز بالكأس احدى عشرة مرة منذ 1944. وتدخل معلومات البرقية لمزيد من التفاصيل بمناقشتها رئيس فريق الوحدات طارق خوري – رجل الأعمال الناجح الذي يُدعى انه اشترى مقعده في مجلس إدارة الفريق – بحسب البرقية، مضيفة أن خوري استخدم هذا المنصب لتمكين مسيرته السياسية حيث تم انتخابه عضو في مجلس النواب عام 2007.
* التداعيات الرسمية
وفي رصدها لردود الفعل المحلية تجاه الحادثة، قالت السفارة أن رد الفعل الرسمي للمباراة كان إجراء شكلي مثير للاستغراب. فأصدر الأمير علي رئيس الاتحاد الأردني لكرة القدم بياناً يستهجن فيه تصرفات مشجعي الفيصلي واصفاً إياها بـ “غير المقبولة” و”خط أحمر.” وقام عدد من نواب البرلمان بارسال تنديدات عبر وسائل الإعلام واصفة هتافات المشجعين بـ “المخالفة للقيم الأردنية.” وكان النائب وقتها ورئيس مجلس فريق الوحدات طارق خوري قرأ بيان النواب داخل قبة البرلمان. وأصدر فريق الفيصلي أيضاً بياناً وقتها يعد بتحديد هوية الـ “المنبوذين” من بين المشجعين والتعامل معهم.
* صمت إعلامي و”نشوز” في المواقع الالكترونية
ومن ناحية التغطية الاعلامية للحادثة، ذكرت برقية القائم بأعمال السفارة أنه وبالرغم من الإدانات الرسمية لفريق الفيصلي ومشجعيه، لم تقم أي من وسائل الاعلام الأردنية المعروفة برقابتها الذاتية بتغطية تفصيلية عن المباراة وأسباب إيقافها و”عم صمت ملحوظ للكتّاب – حتى أولئك الذين عادة ما يروّجوا لوجهات نظر موالية للحكومة.” وأشارت الوثيقة الى أنه قيل ان رئيسي فريقي الوحدات والفيصلي رفضوا دعوة الظهور على قناة الجزيرة لمناقشة الحادثة “نظراً للحساسيات المحيطة بانتقاد العائلة المالكة.”
وأما عن المواقع الاخبارية الالكترونية – بحسب الوثيقة – فقط مُلئت بتعليقات عن المباراة وتداعياتها وقام العديد بالدفاع عن مشجعي الفيصلي بصفتهم “أردنيون حقيقيون ضد النفوذ الفلسطيني غير المبرر.” وكان قد ذكر بعض المعلقين باعتقادهم أن (..) الاتحاد فشل في البقاء على حيادية – حيث قام باستهجان مشجعي الفيصلي فقط – وطالبوا بأن يتلقى الوحدات “إزدراء” مماثل.
* تحليل السفارة الأميركية
وأدّعت برقية السفارة الى واشنطن بأن هناك اعتراف واسع في جميع أنحاء الأردن أن هذه الحادثة كشفت عن الفجوة “غير المريحة” بين الشرق أردنيين والأردنيين من أصول فلسطينية – والتي يفضل الأكثرية هنا تهميشها وإخفائها في سبيل الاستقرار السياسي.
وأضافت الوثيقة السرية بأنه “حتى معظم معارفنا واتصالاتنا المقربة ترددوا في الحديث معنا حول هذه المسألة، مع إقراراهم بأنها تضرب في صميم سياسيات مسألة الهوية الأردنية.” وأضافت أن أحد معارف السفارة اعترف – بتردد – أن المباراة كشفت “الجانب القبيح من التعصب الوطني الأردني” والذي سيكون من الصعب احتواءه الآن بعد أن أُعرب عنه علناً – بحسب صديق السفارة.
فيما أشار شخص آخر للسفارة بأن “شعارات الفيصلي المتزايدة في الاستفزازية والصراحة هي دليل على أن الشرق أردنيين الذين يميلون تجاه إبقاء الوضع الراهن أصبحو غير مرتاحين من تزايد الضغوط من أجل الإصلاح والتي من شأنها حتماً أن تقلل من شبه الاحتكار الممارس على القوى السياسية والاجتماعية في الأردن – بحسب صديقهم الثاني.
واختتمت البرقية بقولها أن صمت الملك تجاه المباراة وتداعياتها السياسية “يصم الآذان” حيث أن مسؤولين حكوميين رفيعو المستوى ودبلوماسيون شعروا بـ “الحيرة” من فشل الرد على الهجوم اللفظي (..) والذي يخرّ أيضاً في صلب سياسيات “الهوية الأردنية.”