مرايا – كثيرة هي الاتصالات التي يتلقاها الأردنيون المقيمون في تركيا، وبمدينة إسطنبول على وجه الخصوص، من قبل أقاربهم وأصدقائهم ومن يأتي من طرفهم، للسؤال عن شيء مباشر وبدون مقدمات “كيف يمكن أن أستقر في إسطنبول؟”.
الجواب في بعض الأحياء لا يعجب السائل، لذلك يلجؤون إلى منصات التواصل الاجتماعي ليسألوا كل من يتحدث العربية من مختلف الجنسيات المقيمة في تركيا عن الأمر ذاته “أريد أن استقر في إسطنبول هل تنصحوني ذلك .. أريد أن أعمل في تركيا هل من السهل الحصول على عمل؟”.
إلا أن واقع الحال يشير بشكل أو بآخر إلى ارتفاع عدد الأردنيين المقيمين في تركيا، لا سيما ميسوري الحال، لدرجة أصبحوا ينافسون على المراتب الأولى في الاستثمار في العقار مقارنة مع الجنسيات الأخرى عالمياً، بل أصبح لدهم جمعية خاصة تضم أبناء الجالية الأردنية في تركيا.
الخامس عالمياً في الاستثمار العقاري بتركيا
بالنظر إلى بيانات هيئة الإحصاءات التركية، التي اطلعت عليها مراسل “السبيل”؛ فإن المواطنين الأردنيين يحتلون المرتبة الثانية عربياً والخامسة على مستوى العالم بشراء العقارات في أنحاء مختلفة من تركيا.
واللافت في هذه المعطيات ارتفاع تملك الأردنيين للعقارات بالمقارنة مع السنوات الماضية؛ حيث اشترى الأردنيون في الشهرين الأولين من العام الحالي 151 عقاراً، وهم بعد المواطنين العراقيين المتصدرين القائمة العالمية بـ 605 عقارات.
وبحسب رصد مراسل “السبيل” في إسطنبول؛ فإن عدد العقارات التي اشتراها الأردنيون خلال ما قبل بداية 2019 كان 2433، إلا أنه الأردنيين بدأوا العام الجديد بقوة في سوق العقار التركي وفي الشهرين الأولين فقط منه اشتروا من 151 عقاراً، ويعد هذا الرقم ارتفاعاً كبيراً إذا ما قورن بجميع العقارات التي سجلت باسم مواطنين أردنيين في السابق.
وفي السياق ذاته؛ أفاد رئيس جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان الأردني المهندس زهير العمري بأن القطاع شهد خلال السنوات الثلاث الماضية فقط تراجعاً في حجم التداول العقاري بنحو ملياري دينار، وتوقف عدد كبير من الشركات العقارية عن العمل وانتقال عدد منهم للعمل في تركيا وقبرص والامارات والمغرب ومصر وغيرها من الدول.
ما الذي يغري الأردنيين بالاستثمار في تركيا؟
قد يكون من بين أهم الأمور التي تدفع الأردنيين للاستثمار أو الانتقال “العائلي” للعيش في تركيا هي القرب الجغرافي نوعاً ما، ففي النهاية لن يكون في منطقة جغرافية تبعدهم عن أرض الوطن سنوات طويلة، وهي ميزة يفتقدها المهاجرون للبلاد البعيدة.
كما أن الكلف المعيشية القريبة من كلف الحياة في الأردن عامل مساعد آخر، يضاف إلى ذلك أن كلف امتلاك العقار هي أيضاً مقاربة لأسعار العقارات في الأردن، إذ يمكن للمواطن الأردني أن يتملك عقاراً بمواصفات جيدة جداً إلى ممتازة ما بين 70 ألف دينار أردني إلى نحو 130 ألف دينار.
كما أن شراء العقار في تركيا يمنح أي شخص حق الإقامة في البلاد بشكل قانوني كونه يمتلك عقاراً، حيث يقوم بتجديد إقامته سنوياً أو كل سنتين، وهو ما يتيح له بعد نحو خمس سنوات أن يتقدم للحصول على الجنسية وفق شروط معينة، وبحسب تقديرات السلطات التركية. أما في حال تمكن من شراء عقار أو أكثر بقيمة 250 ألف دولار (نحو 177 ألف دينار أردني) فإنه سيكون مؤهلاً من أجل التقدم للحصول على الجنسية التركية.
كما تغري الزائرين لتركيا طبيعتها الجميلة والمساحات الواسعة من المناطق الخضراء والمتنزهات والأماكن السياحية الكثيرة، وكما ذكرنا بكلف معيشة قريبة مما هو في العاصمة الأردنية عمّان، والتي تم تصنيفها كأغلى مستوى معيشة عالميا، بناء على العديد من المقارنات والأرقام.
لكن.. ما الذي يفاجئ الأردنيين في تركيا؟
لكن في الوقت ذاته؛ تعتبر الحياة في تركيا ليست سهلة أو رخيصة كما يظن البعض، بل إن تقديم النصيحة من قبل المقيمين فيها حالياً لكل من يسألهم من أصدقائهم أو أقاربهم يعتبرون ردهم فيه “عدم مصداقية” ظناً منهم أنه لا يرغب بمجيئهم إلى تركيا.
إلا أن من يأتي للاستقرار في تركيا، وبعضهم يأتي مباشرة مع عائلته، ضارباً عرض الحائط النصائح التي أسديت له، يعلم لاحقاً بأن ما قيل له كان في مصلحته، كما يقول المواطن الأردني “محمد” الذي يقيم في إسطنبول منذ خمس سنوات ووصل إليها بعقد عمل.
يقول محمد لـ “السبيل” إننا نعطي نصيحة بشكل مستمر لكل من يريد أن يأتي إلى تركيا للعيش والاستقرار فيها وليس للسياحة، بأنه إذا كان لديك استثمار أو عمل مضمون فيمكنك القدوم كون البلاد جميلة، على أن تأتي لفترة تجريبية لوحدك دون العائلة، أما من يريد أن يأتي لكي يبحث عن عمل فالأمر صعب جداً لاعتبارات كثيرة.
سياحة أم جس نبض؟
كوجهة سياحية تعتبر تركيا من الوجهات المحببة للكثيرين في الأردن، خصوصاً في ظل العروض المتوفرة في الأردن للسياحة في تركيا بكلف قد تقل أو تتساوي مع عرض الذهاب للسياحة والاستجمام نحو مدينة العقبة الساحلية على البحر الأحمر.
الإحصاء الصادرة عن المديرية العام للسياحة التركية تشير إلى أن الأردنيين احتلوا المرتبة الحادية عشرة بين زائري مدينة إسطنبول كبرى المدن التركية للعام المنصرم (2018)، بعد أن كانوا يحتلون المرتبة العشرين عام 2017.
وتشير الإحصائية الرسمية إلى أنه زار مدينة إسطنبول في العام الماضي 282 ألف أردني، وهو رقم لا يشمل الأردنيين الذين زاروا مدناً تركية أخرى كالعاصمة أنقرة ومدن إزمير وأنطاليا وغيرها من المحافظات.
إلا أنه حتى الآن لا توجد معطيات أو أرقام تركية رسمية تكشف عن نسبة هؤلاء السياح الذي قرروا البقاء في تركيا للعيش فيها، وتقدموا لطلب إقامات قصيرة الأمد مدتها بين سنة وسنتين تجدد بعد انتهائها، أو من الذي يأتي للسياحة فقط أو جس النبض حول إمكانية الاستقرار فيها.