مرايا – نتحدث بكل شيء ونتمتم بالسياسة والاقتصاد والفساد، يقول مالك الرعود اخصائي علاج التوحد وصعوبات التعلم الذي يرتاد مقهى «خبيني» وسط العقبة منذ سنوات.

وزاد الرعود انه يقوم بمذاكرة واجباته الدراسية لنيل درجة الماجستير اثناء وجوده في بعض المقاهي الشعبية في ليل العقبة الهادئ.

واضاف، يعد المقهى الشعبي منذ القدم مكان التجمع الوحيد للشباب والكبار، وعلى طاولاته تدور الأحاديث المختلفة.

وقال المهندس محمد الحويطات ان بعض رواد المقاهي يجد رغبته في تدخين النارجيلة (الشيشة)، والكثير ربما يقضي الساعات الطويلة، إما في مشاهدة الفضائيات لمسلسلات ومباريات كرة القدم، أو في لعب الورق والشطرنج، ومع دخول خدمة الانترنت في بعض المقاهي، أصبح بعضهم يمارس عمله، ويقيم اجتماعاته فيها.

واضاف أن إعلاميين وصحفيين يعدون موادهم الصحفية في المقاهي، ومهندسين يعدون تصاميم عملهم وأطباء يتحاورون في شؤون المهنة وواقعها.

واضاف الحويطات، لقد أصبحت هذه الأماكن ملتقى لشرائح مختلفة، شباب ورجال من كبار السن، ومثقفين وإعلاميين ومن عامة الناس، والمقاهي ذات دلالة للمكان والزمان، فهي تحمل أسماء بعضها يشير إلى أسماء مدن ومعالم سياحية، وبعضها يحمل أسماء لروايات مشهورة كما أصبح للمقهى شكل أكثر تطورا في خدماته، وأكثر إغراء لمرتاديه.

وقال محمد الحمايدة ان المقاهي الشعبية تعكس تغيرات المجتمع الاردني على المستوى الديمغرافي والثقافي بعد الهجرات التي استقبلها الاردن على مدى السنوات الماضية جراء الظروف التي سادت الاقليم، فمن الطبيعي ان يطرح المهاجرون قضايا دولهم ويبحثوا اوضاعهم.

وأوضح ان رواد المقهى كانوا ينقسمون الى قطاع فكري وسياسي قديما اما اليوم فانك تجد كل شرائح المجتمع لاسيما ان العقبة مدينة عمالية يلتقي العمال والموظفون في المقاهي في ساعات المساء ليطرحوا عنهم صخب العمل اليومي.

وأضاف الحمايدة، اليوم تغيرت الأمور، فعنصر الشباب له حضور واضح من خلال اقبالهم على العمل في المقاهي بعدما كان عمل المقهى وقفاً على كبار السن قديما.

ويرى الدكتور محمد الحناقطة استاذ الادب الانجليزي بالجامعة الاردنية، ان للأزمة الاقتصادية تأثيرها المباشر على ممارسات المرتادين، في الماضي كان هناك حول كل طاولة شخص يعتبر «كبير قعدة» يأخذ على عاتقه حساب الطاولة، فلم يكن هناك احد يجرؤ على دفع الحساب بوجوده وان فعل فخفية، أما اليوم فكل شخص يحاسب عن نفسه لاسيما العنصر الشبابي.

واضاف الحناقطة، الجيل المتوسط بين 45–65 عاما الذي يرتاد المقاهي يغلب عليه الحديث عن أيام الزمان الجميلة، وحكايات تكوين مؤسسات الدولة قبل ثورة التكنولوجيا والاتصالات والاعلام فالمقهى مكان مناسب للقاء عمال العقبة، وذلك الجيل الاول الذي دشن في العقبة وجودها الانساني والاجتماعي والاقتصادي، من بنوا الميناء ومشاريع العقبة الاستراتيجية الكبرى، جيل من العقباوية ومن توافدوا من المحافظات تباعا، عملوا بها وحاوروا بحرها وامتزجوا في تركيبتها السكانية.

وبين ان مقاهي العقبة الشعبية تشكل محطات ثقافية نظرا الى التعددية السكانية والنمو السريع للسكان ما ينعكس على نوعية احاديث الرواد من حيث المضمون واللهجة والثقافة العامة لاسيما شريحة الشباب التي تشكل 80% من اجمال رواد المقاهي الشعبية.

واضاف ان اسعار المقاهي السياحية المرتفعة والحالة المعيشية للشباب في ظل البطالة والفقر الحالي تشكل عامل جذب للمقاهي الشعبية في العقبة.

وقال نورالدين عمر 39 عاما ويعمل في مجال السياحة، لم يكن الشباب يجرؤون على دخول المقهى بسبب وجود كبار الشخصيات التي كانت تنظر اليهم بازدراء اما اليوم مع ثورة الاتصالات والاعلام فحضور الشباب واضح في المقاهي وغابت الفروقات المجتمعية.

واضاف أنه يعود سبب ارتياد عدد كبير من الشباب المقهى الى البطالة المرتفعة، وهي ظاهرة لم تكن ملموسة في الماضي.

وقال احمد الرواشدة ان السياح الاجانب من اكثر رواد المقاهي الشعبية في العقبة يستدلون عليها من خرائط سياحية تناثرت في جنبات المدينة فالسائح القادم للاردن لا يبحث عن مطعم وجبات سريعة ولا «كافيشوبات» خمس نجوم فارهة، لأن أكثر ما يجذبه الاماكن التقليدية والبساطة والعراقة والاماكن الاثرية والمشبعة بروح الماضي والتراث.

وتتناثر المقاهي الشعبية في انحاء مختلفة من مدينة العقبة ازداد عددها في العقد الماضي بعد اعلان المدينة منطقة اقتصادية خاصة كونها تشكل استثمارا لا يحتاج الى رأس مال كبير ولا يحتاج الى اختصاصات نادرة من العمالة.الرأي