مرايا – أكملت الثورة اللبنانية أسبوعها الثالث، وسقطت رهانات السلطة وحواشيها على توقفها، أو انخفاض وتيرتها، بعد أن عمل الجيش ومعه قوات الأمن على منع مشدد لعمليات إغلاق الطرق في المدن، وخصوصاً بيروت، وهو الأسلوب الذي كان المتظاهرون الغاضبون قد اعتمدوه في فاعليات الاحتجاج، غير أنهم مع ما أحدثه هذا الأمر من ضيق، ظهرت تعبيراته في أوساط مناصرة مع الثوار ومتعاطفين معهم، بل ويشاركون في الجهر بالمطالب العامة المطروحة. وبدا أن التشكيلات المدنية والأهلية، المهنية التي تتمثل فيها قطاعات متنوعة، وينشط الشبان والشابات فيها، عمدت إلى التنسيق فيما بينها وإلى تنظيم فعاليات احتجاجية متنوعة، موازية للتظاهرات الليلية والمسيرات في النهار، والتي انضم إليها بمشاركة كبيرة طلاب المدارس والجامعات. وكان من ذلك الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية أمام مرافق عامة وحكومية، وكذلك أمام منازل مسؤولين سابقين وحاليين، تشيع عنهم اتهامات بالفساد، وبالمسؤولية عن الأوضاع المتردّية العامة في البلد، على غير صعيد خدماتي ومعيشي.
فقد شهدت منطقة الجميزة في بيروت تظاهرة حاشدة أمام شركة الكهرباء، تحركت لاحقاً إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح. واحتشد المئات أمام منزل رئيس الحكومة الأسبق (وهو وزير مالية أسبق أيضاً)، فؤاد السنيورة، هتفوا بمطالبته بأموال للدولة ضائعة. كما تظاهر آخرون أمام منزل وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال، محمد شقير، وأمام منزل وزيرة الطاقة والمياه في الحكومة، ندى بستاني.
وتترافق هذه الفعاليات المنتظمة بإيقاع يومي، وليلي خصوصاً، مع الاحتفاظ بالحراك الظاهر في ساحتي الشهداء ورياض الصلح المتجاورتين في وسط بيروت على إيقاعه، وعلى انتظام ما تشبه الحلقات النقاشية في خيام التشكيلات والتمثيلات الأهلية والمدنية الحاضرة في الساحتين، والشوارع الفرعية بجوارهما. الأمر الذي ينتظم ليلياً ويومياً في ساحة إيليا في صيدا جنوباً، وفي ساحة النور في طرابلس شمالاً. وأوضح ما يخلص إليه المراقب لهذه الأجواء، الساخنة البعيدة عن التوتر، أنها تؤكد فشل رهانات السلطة على عامل الوقت، على تعب اللبنانيين من هذا التأزم الظاهر في المشهد العام في بلدهم، وعلى يأس الشارع والذي تتم محاولات دفعه إلى الاكتفاء بما تحقق من “إجراءات” أعلنتها الحكومة المستقيلة في ورقتها الإصلاحية التي أعلن رئيس الوزراء المنصرف، سعد الحريري، في 21 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وبوعود عامة بشأن محاربة الفساد، أعلن عنها رئيس الجمهورية ميشال عون.
إلى أي مدى يمكن الحديث عن استمرار الانتفاضة اللبنانية في مسارها المتجدد يوما بعد أيام، أسلوباً وفاعليات وإيقاعاً عاماً؟ وهل فشلت السلطة حقاً في رهانها على عامل الوقت في إضعاف وتيرة هذه الانتفاضة التي يغضب شباب لبنانيون ناشطون من تسميتها هذه، ويصرون على تسمية المشهد في بلدهم ثورة؟ وماذا عن الممكن التحقق والمستحيل في هذه الثورة، من قبيل شعار “إسقاط النظام الطائفي” الذي يبدو عصياً، وحلماً بعيداً؟ هذه الأسئلة توجّهت بها “العربي الجديد” إلى فاعلين ناشطين في ميادين الثورة اللبنانية التي يتابع الشارع العربي تفاصيلها، ويناصرها الملايين فيه، محبة لأهلها، وقناعة بكل مطالبها، فضلاً عن إعجاب مؤكد بلبنان، بلداً لا يتوقف عن مفاجأة العرب بالتفاؤل، وإن في ظروف صعبة، وحال عربي بالغ السوء.
تقول المحامية نادين فرغل، إن المؤكد أن رهان السلطة على عامل الوقت أن ينهي زخم حراك الثورة في لبنان فشل، بل العكس هو ما يجري، ومن الدلائل على ذلك أن تلاميذ المدارس انضموا إلى التظاهرات والاحتجاجات، وأن المشاركين في فعاليات متعددة في مختلف مناطق لبنان يتزايدون، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، فالزّخم متجدد، ويعلو كل يوم، ولا يتباطأ. وترى فرغل أن ما تسميها “الأطراف المتروكة” في البلد تعود إلى الوطن، وللمرة الأولى تصبح منه، من ذلك أن مائتي شخص تظاهروا في منطقة حوش الأمراء في منطقة زحلة لأول مرة. كما أن أهالي جبل محسن والتبانة في طرابلس الذين كانت الأخبار تأتي على أجواء خصومة بينهما تصالحوا في أثناء الثورة، ويشاركون مع بعضهم في فعالياتها. وها هم أهالي طرابلس يعلنون عن موعد لإزالة صور الشخصيات السياسية العامة من كل المدينة، في رفض احتجاجي واسع يؤكد شعار الثورة الجامع “كلّن يعني كلّن”، والمتوقع أن ينتقل هذا الأداء إلى مدن لبنانية أخرى.