مرايا – اطلق الخبير الفلسطيني ورئيس قسم الجغرافيا سابقاً في الجامعة الإسلامية د. كامل أبو ضاهر تحذيراً شديداً من مخاطر وتداعيات تدهور الوضع المائي في قطاع غزة المتزايد من الناحيتين النوعية والكمية، مشدداً على أن تداعيات خطيرة للغاية لحقت وستلحق قطاع غزة حال استمر التدهور الحاصل على المياه، في ظل غياب إدارة سليمة للمياه قائمة على خطط استراتيجية وطنية متكاملة.

وأوضح أبو ضاهر أن أسباب التدهور الحاصل لا تعود لأسبابٍ وعوامل طبيعية بحتة، بل تتجاوزها لأسبابٍ بشرية، ناتجة عن إدارة غير سليمة لواقع المياه في قطاع غزة، قائلاً “ممارسات بشرية من قبل المواطنين وعدم وجود إدارة سليمة للمياه إضافة لعوامل طبيعية أدى ذلك الامر لحصول الازمة الحالية في المياه”.

مشاكل المياه

ولفت أبو ضاهر إلى ان استمرار الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى استنزاف الجوفي، ما قد ينتج عنه ازمة حادة في مياه الشرب، وزيادة التصحر في الأراضي الزراعية، وارتفاع معدلات الامراض الناتجة عن تلوث المياه، وخسائر اقتصادية كبيرة تنسحب على جميع القطاعات وأبرزها القطاع الزراعي.

واوضح ابو ضاهر وجود تردي كبير في نوعية المياه الجوفية، وعدم صلاحية الخزان الجوفي في قطاع غزة للشرب، لأسبابٍ عديدة منها مستويات الملوحة الكبيرة، إضافة لوجود ملوثات كبيرة مثل “النترات وزيادة تركيز عنصر الكلوريد بنسبٍ تفوق تلك المحددة في منظمة الصحة العالمية”.

وأشار الخبير أبو ضاهر إلى أن الخزان الجوفي الفلسطيني في قطاع غزة يعاني من استنزاف واضح وبمعدلات كبيرة، ما ادى الى زيادة الملوحة في المياه التي تداخلت مع مياه البحر في الخزان الجوفي.

وقال: تتبع منحنى السجل الزمني للأمطار التي تعزز من الخزان الجوفي في تراجع كبير خلال السنوات الكبيرة، إضافة الى ممارسات سلبية من قبل المواطنين والمسؤولين مثل زراعة أشجار كبيرة في مناطق رملية تستهلك كميات كبيرة من المياه ما يعرض المياه للتخبر، وإقامة الشاليهات “احواض السباحة” التي تتطلب كميات كبيرة من الأمطار ومن ثم تضخ في مصارف المياه العادمة، وعدم ترشيد استخدام المياه، وانتشار الآبار العشوائية في المنازل في ظل ضعف الرقابة.

وبين أنَّ تناقص نسب الملوحة وتناقص الخزان الجوفي ترك تداعيات خطيرة على الإنتاجية الزراعية، مشيراً إلى أنَّ دونم اشتال البندورة كان ينتج حوالي 25 طناً، لافتاً إلى ان الدونم اليوم ينتج ما يقارب 12 طناً فقط بسبب ملوحة المياه الشديدة التي لوثت التربة بنسبٍ كبيرة من الاملاح والملوثات الاخرى.

وذكر ان مستويات ملوحة المياه ارتفعت بوتيرة عالية منذ الثمانينات، ما أدى لتحول كبير في التركيب المحصولي في قطاع غزة، لافتاً إلى ان محصول الحمضيات تراجع بشكل واضح بسبب حاجته لمياه عذبة.

وأشار إلى انَّ من ضمن الأخطاء التي أثرت سلباً على المياه الجوفية إقامة حفر امتصاصية عشوائية وتجميع مياه عادمة في خانيونس فوق الخزان الجوفي في مناطق رملية، مشيراً إلى ان اعتماد السكان وبعض البلديات على الحفر الامتصاصية زاد من معدلات التلوث في الخزان الجوفي.

وذكر أبو ضاهر أن أوضاع المياه في قطاع غزة وصلت الى مرحلة حرجة، إذ أنَّ الكميات التي يتم استهلاكها من الخزان الجوفي في السنوات الماضية كانت كبيرة جداً في المقابل يوجد كميات قليلة تضاف الى الخزان الجوفي بفعل قلة الأمطار التي نتجت عن التغير المناخي والاحتباس الحراري.

وذكر ان تلوث المياه أدى الى انتشار العديد من الامراض المتعلقة بالبيئة سواء بالتربة وزيادة الملوحة فيها، او تلك الامراض التي لحقت بالإنسان مثل امراض الكلى والأمعاء بسبب الملوحة الفائقة والنترات والكلوريد والفيروسات والبكتيريا.

الحلول

وذكر الخبير أبو ضاهر أنَّ وضع الحلول يتطلب البدء في سلسلة من الإجراءات الضرورية اللازمة للحد من تفاقم مشكلة ملوحة المياه بالقطاع، كما يتطلب إدارة ذكية وسليمة للمياه متكاملة تتكاتف فيها جميع الجهات مثل (وزارة الزراعة، سلطة المياه، البلديات، الحكم المحلي..الخ) بالإضافة إلى معالجات سياسية مهمة تتعلق بالمياه مثل المطالبة بعدم إقامة الاحتلال لسدود على وادي غزة ووادي السلقا.. الخ.

وأشار إلى أهمية وقف الزراعة الخاطئة في مناطق المحررات التي تتطلب كميات مهولة من المياه، ما يعرض الخزان الجوفي لتناقص كبير، بالإضافة الى معدلات مرتفعة من تبخر المياه المستهلكة.

ودعا أبو ضاهر الى أهمية وقف بعض البلديات الحفر والتجمعات الامتصاصية فوق الخزان الجوفي، والعمل على ضرورة تصريف المياه العادمة بطريقة ذكية بعد معالجتها، مع ضرورة الاستفادة من المياه العادمة في ري بعض الأشجار والاشتال مثل الأشجار في الشوارع العامة والمتنزهات وأشجار الزينة، لافتاً إلى وجود العديد من الدراسات التي توصلت الى إمكانية الاستفادة من حوالي 50 مليون متر مربع من المياه العادمة.

كما، ونصح بضرورة إدارة سليمة للمياه مثل الحصاد المائي، وحقن مياه الامطار والوديان والسيول والاودية في الخزان الجوفي إما عبر تسيير تلك الكميات من الأمطار والمياه نحو المناطق الرملية، أو حقنها من خلال بعض المشاريع، مشدداً على أهمية الاستفادة من مياه الامطار التي تسقط على الاسطح في زيادة منسوب الخزان الجوفي بدلاً من تصريفها إلى المياه العادمة.

وأشار إلى أهمية وضع حلول تكتيكية واستراتيجية لاستخدام المياه العادمة، مشيراً إلى ان بعض محطات المعالجة مثل محطة الشيخ عجلين وبيت لاهيا تعالج المياه العادمة نصف معالجة.

كما، ودعا الى ضرورة وضع رقابة مشددة على الشاليهات “احواض السباحة” التي تستهلك كميات كبيرة من المياه دون فائدة، لافتة الى ان الشاليهات تستهلك كميات مهولة، ومن ثم يتم تصريفها في الصرف الصحي.

كما، وشجع الى أهمية الاستفادة من مياه البحر وإقامة مشاريع تحلية لمياه البحر لكي تلبي احتياجات الفرد من الاستهلاك المائي اليومي، مشيراً إلى ان بعض المشاريع كانت لاقت نجاحاً في تحلية مياه البحر لكنها لا تكفي لحل مشاكل المياه.

ودعا إلى إقامة وتنفيذ حملات تثقيفية كبيرة للمواطنين لترشيد وتوعية المواطنين باستهلاك المياه خوفاً من استنزاف الخزان الجوفي، مع ضرورة سن بعض القوانين التي تمنع استنزاف الخزان الجوفي مثل منع الآبار العشوائية التي زادت معدلاتها، وتوزيع الحصة المائية على المواطنين بالتساوي بعد اغلاق الآبار العشوائية، مطالباً الجهات المعنية بإغلاق جميع الآبار الخاصة وخاصة آبار المنازل غير المرخصة.