مرايا – يخشى نواب من “النتائج العكسية” على مجلسهم في حال تمسّك عددٌ من النواب بمذكرة طرح الثقة بحكومة عمر الرزاز، على خلفية استيراد الغاز من إسرائيل.
كُلّف رئيس الوزراء عمر الرزاز بتشكيل الحكومة في شهر حزيران العام 2018 وأجرى 4 تعديلات وزارية، ويحتجُّ اليوم عدد من النواب على بدء ضخ الغاز من شركة نوبل إنيرجي الأمريكية التي يرون فيها واجهةً لعمليات استيراد “غاز مسروق من فلسطين يعود بالنفع على إسرائيل ويهدد مصالح الأردن الإستراتيجية”.
بدأ التسخين النيابي مجدداً خلال الأسبوع الماضي مع دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، وتعهّد نواب بطرح الثقة بحكومة الرزاز التي لمّحت في مناسبات عدّة أنها لم توقّع الاتفاقية أصلاً، بل صدرت تسريبات تنأى بوزيرة الطاقة هالة زواتي عن الموضوع برمته وتحمّل مسؤولية قراره إلى وزيري الطاقة في حكومتين سابقتين محمد حامد وإبراهيم سيف.
في شهر أذار الماضي، أخذ مجلس النواب موقفاً رافضاً للاتفاقية واعتبرها “باطلةً”، بينما ظلّ رئيس الوزراء عمر الرزاز نادر التصريح بشأنها، وحتى مهمة التعهد الحكومي بتوجيه سؤال إلى المحكمة الدستورية أوكلت إلى نائب الرئيس – أنذاك – رجائي المعشر، وكان الهدف من الذهاب إلى المحكمة “التسكين” و”تهدئة الخواطر” بعد أن هدّد نواب بطرح الثقة بالحكومة.
وجهّت الحكومة سؤالاً إلى المحكمة الدستورية إن كان هنالك ما يُلزم عرض الاتفاقية على مجلس النواب والاستفسار عن وجود أي شبهات دستورية حولها، بيد أن المحكمة أفتت بأنه لا حاجة لمرور الاتفاقية عبر البرلمان لأنها موقّعة بين شركتين، ولا تدخل في مفهوم الاتفاقيات المنصوص عليها في الفقرة 2 من المادة 33 من الدستور ولا يحتاج نفاذها لموافقة مجلس الأمة.
في الأسابيع الأخيرة اتخذ النواب مسارين للتعامل مع اتفاقية الغاز، حيث وقّع عشرات النواب على مذكرة مقترح قانون يمنع استيراد الغاز من إسرائيل، غير أن عدداً أقل كان قد وقّع على مذكرة طرح الثقة بالحكومة التي تسعى كتلة الإصلاح النيابية لعرضها على مجلس النواب.
في هذه الأثناء بدأت اللجنة القانونية في مجلس النواب بدراسة وتقليب أوراق “المقترح بقانون” والذي طلب رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة من اللجنة قبل نحو أقل من أسبوعين، أن يُمنح صفة الاستعجال.
تتعامل اللجنة القانونية بحيرة مع المقترح، فهو من ناحية الشكل يعدّ طلباً دستورياً ولا غبار عليه ويتمثل بأن تتقدم مجموعة من النواب بمقترح قانون، لكن عملياً يصطدم الطلب بعقبات موضوعية تتمثل – في رأي طُرح داخلياً- بأن الاتفاقية مرتبطة بمضامين اتفاقية السلام، والتي تعتبر في عداد (الاتفاقيات الدولية) التي تسمو في التطبيق على القوانين المحلية، وإن إقرار مقترح القانون يتعارض ويخالف اتفاقية معاهدة السلام الموقعة بناءً على قانون صدر في العام 1994م.
كما أن هنالك رأياً قانونياً يتم نقاشه أيضاً، وهو أن الاتفاقية وقعت بين الشركتين وأصبحت نافذة ولا يمكن أن يسري مقترح القانون – في حال إقراره – بأثر رجعي ليشمل تعطيل الاتفاقية بعد أن أصبحت نافذة، إلّا إذا نص القانون صراحة على سريان نصوصه بأثر رجعي، وهنا يعلو ما استقر العمل عليه وفقاً للاجتهادات القضائية وقرارات محكمة التمييز بأنه لا تسري القوانين بأثر رجعي إذا كان يترتب عليها أثر مالي.
وفق مصادر من داخل اللجنة القانونية فإن المسألة ليست بالأمر السهل، بخاصة أنه يُنظر إليها بشقها السياسي أكثر من القانوني، فمع مواقف أعضاء مجلس النواب السياسية الثابتة والمتصلبة إزاء كل ما يتعلق بإسرائيل، فإن المسألة قانونياً متعددة الجوانب، بخاصة أن الحكومة أعلنت عن شرط جزائي كبير في حال تنصل أحد الأطراف من الاتفاقية.
ويبقى الخيار المتاح لمجلس النواب والذي يكمن في مسار طرح الثقة بالحكومة، وهو الخيار الأكثر خطورة في حال عدم الإطاحة بالحكومة بحيث يصبح مجلس النواب عندئذٍ “شريكاً معنوياً” بالموافقة على اتفاقية الغاز بعد أن كان بعيداً عن أي دور في اتخاذ قرار بشأنها، حتى أنه رفض سابقاً في العام 2017م تخصيص جلسة مناقشة عامة لبحث الملف.
لا يملك مجلس النواب ولا الحكومة ولا الأطراف المعنية ترف الوقت لكي يمضي مجلس النواب في مشروع طرح الثقة بالحكومة، حيث إن المجلس الذي يستعد حالياً لمناقشة الموازنة العامة يقف على أبواب الرحيل فلم يتبق من عمر الدورة العادية الرابعة والأخيرة سوى نحو 4 أشهر، وإن من شأن رحيل الحكومة خلط الأوراق وتعطيل الروزنامة السياسية المؤطرة ضمن برنامج محكوم بمهل دستورية، وهنالك من ينظر إلى أن كلف رحيل الحكومة وتشكيل حكومة جديدة ومن ثم رحيلها وتشكيل حكومة ثالثة في غضون 4 شهور مرتفعة.
سبق وأن دخل مجلسا النواب السابق والحالي في معركتين مع الحكومة بتقديم مذكرتي طرح ثقة (حكومة عبد الله النسور وحكومة هاني الملقي)، غير أن المجلسين خسرا المعركة وتهاوت صورتهما بعد أن منحا الثقة مجدداً للحكومتين.
اللافت أن إحدى المذكرتين بطرح الثقة كانت على علاقة بغضب النواب من التصرفات الإسرائيلية، وذلك في معرض الانتقاد الشديد لتعامل حكومة عبد الله النسور إزاء ملف استشهاد القاضي رائد زعيتر برصاص قوات الاحتلال على الحدود، وحينها انتهى تصويت المجلس برفض الإطاحة بالحكومة.
ولم ينجح المجلس الحالي إلّا في المساهمة بإقالة 3 وزراء بعد أن تقدم بمذكرات لطرح الثقة بهم، حيث سارعت الحكومتان (الملقي والرزاز) بإقالة الوزراء (الداخلية) في حادثة الكرك و (التربية والسياحة) في حادثة البحر الميت ضمن تعديلين وزاريين، وقبل الوصول إلى مرحلة التصويت عليهم وإقالتهم برلمانياً.
وفي حال طلب النواب طرح الثقة بالحكومة فإن حسبة القوة التصويتية تكون مختلفة عن طلب الحكومة الثقة من مجلس النواب، فالإطاحة بالحكومة بعد طرح الثقة بها نيابياً تحتاج إلى أغلبية مطلقة بالحجب (النصف+ 1)، وليس حصولها على الثقة بالأغلبية المطلقة كما يحصل عند طلب الحكومة للثقة، وهو أمر يراه مراقبون ليس سهلاً وإن لم يكن مستحيلاً.
ويعتقد بعض النواب أن طيفاً نيابياً تحت القبة قد يرمي “قنبلة دخانية” في أحضان المجلس لأغراض التفاعل مع الشارع أو لإرسال برقيّة أنه فعل ما عليه، بحيث يُصعّد في الإجراءات ويطرح الثقة بالحكومة، وعند التصويت تخرج الحكومة منتصرة بتجديد الثقة لها ويخسر المجلس بالقضاء على صورته المهزوزة أصلاً، لينجو طيفٌ ويسقط المجلس.
وربما هذا السيناريو وتسليط الضوء عليه قد يتغافل عنه نواب أو لا يودون سماعه لحظة غضب وانسياق، لكنه في حقيقة الأمر – وفق مراقبين- واقعٌ تؤكد عليه شواهدُ تاريخيةٌ بعضها حصل بالأمس القريب.