مرايا – يرى مختصان في القانون الدولي أن تنفيذ إسرائيل لضم أراض فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة والمزمع تنفيذه مطلع الشهر المقبل، يشكل مساسا بمعاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل الموقعة عام 1994.

وتخطط إسرائيل لضم منطقة غور الأردن الاستراتيجية التي تشكل ثلث مساحة الضفة الغربية، التي يتواجد بها نحو 450 ألف إسرائيلي في مستوطنات وسط 2.7 مليون فلسطيني، وتشمل الخطة ضم أكثر من 130 مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة والغور الذي يمتد بين بحيرة طبريا والبحر الميت.

وبموجب اتفاق بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتنياهو ووزير الجيش بيني غانتس، على الحكومة الإسرائيلية أن تعرض اعتبارا من الأول تموز/يوليو مبادراتها لترجمة صفقة القرن.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن في 28 كانون الثاني/يناير من واشنطن صفقة القرن التي تنص على أن تضمّ إسرائيل مستوطناتها في الضفة الغربية التي احتلتها بعد حرب 1967.

“إشكالية كبرى”

وزير الدولة للشؤون القانونية الأسبق، إبراهيم الجازي، رأى في الضم الذي وصفه بـ “الإشكالية الكبرى” بأنه مس بالمادة 3 من معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، وهو ما ذهب إليه المختص في القانون الدولي، أنيس القاسم بقوله لـ “المملكة” إن الضم يشكل انتهاكين لمعاهدة السلام.

المعاهدة تنص في المادة الثالثة المختصة بالحدود الدولية “تعتبر الحدود كما هي محددة في الملحق 1 (أ)، الحدود الدولية الدائمة والآمنة والمعترف بها بين الأردن وإسرائيل دون المساس بوضع أي أراضي وقعت تحت سيطرة الحكم العسكري الإسرائيلي عام 1967”.

وقد ينتهك تنفيذ الضم المعاهدة عن طريق الإخلال بالأمن والسلم الدوليين عبر “اللعب بالعامل الديموغرافي في الضفة الغربية”، وفق حديث الجازي لـ “المملكة”.

“لا يوجد تهجير قسري مباشر لكن الخطوة الإسرائيلية الأحادية قد تكون بداية لعملية الترانسفير عن طريق التضييق بشكل أكبر على سكان المنطقة وبالتالي الانتقال إلى الأردن وهو ما يشكل جريمة في القانون الدولي”، بحسب الوزير الأسبق.

وتقول المعاهدة في المادة الثانية المخصصة للمبادئ العامة، “سيطبق الطرفان فيما بينهما أحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي التي تحكم العلاقات بين الدول وقت السلم … يعتقدان أيضا أن تحركات السكان القسرية ضمن نفوذهما بشكل قد يؤثر سلبا على الطرف الآخر ينبغي ألا يسمح بها”.

وأضاف الجازي أن محاور التعاون بين الأردن وإسرائيل واتفاقية السلام قائمة على محاور منها الأمن والبيئة والمياه، وأي إخلال بتلك الأمور يعد إخلالا بالاتفاقية وتهديدا لها.

القاسم أشار إلى وجود “نصوص عامة في الاتفاقية لا تجيز للطرفين اتخاذ إجراءات تهدد الأمن الوطني للطرف الآخر”.

وقال المختص بالقانون الدولي إن “الموقف الأردني يستند إلى قاعدة صلبة، إذ إن الحدود الغربية ستصبح مع دولة إسرائيل وليس مع إسرائيل وفلسطين”.

الجازي بدوره يقول إن خطوة الضم “تهدد استقرار المنطقة”.

جلالة الملك عبدالله الثاني قال خلال مقابلة مع مجلة “دير شبيغل” الألمانية، منتصف الشهر الماضي “إذا ما ضمّت إسرائيل بالفعل أجزاءً من الضفة الغربية في تموز، فإن ذلك سيؤدي إلى صِدام كبير مع المملكة الأردنية الهاشمية”.

وبشأن تعليق العمل بمعاهدة السلام مع إسرائيل، أوضح الملك “لا أريد أن أطلق التهديدات أو أن أهيئ جواً للخلاف والمشاحنات، ولكننا ندرس جميع الخيارات … “.

وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، دعا المجتمع الدولي الشهر الحالي لمنع تنفيذ أي قرار إسرائيلي بضم أراض فلسطينية محتلة حماية للسلام وحماية القانون الدولي، محذرا من “العواقب الوخيمة لقرار الضم إن نفذ على مسعى تحقيق السلام الإقليمي وعلى العلاقات الأردنية-الإسرائيلية”.

وتابع ” يجب أن تكون رسالتنا واضحة: لن يمر الضم دون رد. ذاك أن تنفيذ الضم سيفجر صراعا أشرس، سيجعل خيار الدولتين مستحيلا وسيجعل مأسسة التمييز العنصري حتمية، وسيدمر كل فرص تحقيق السلام الشامل”.

الجازي قال إنه “إذا كان هناك خلل في المعاهدة يمكن اللجوء إلى مباحثات، وإذا لم تفلح يستطيع الأردن اللجوء لمحكمة العدل الدولية … لكن الأمر يتوجب وجود مساندة عربية”.

لكن القاسم ذكر أنه “من حيث المبدأ غير متاح للأردن اللجوء لمحكمة العدل الدولية لأن المعاهدة نصت على أنه في حال وجود أي خلاف يتعلق بالمعاهدة يجب أن يحال إلى التفاوض”.

وفي حال فشل التفاوض “يجب اللجوء إلى الوساطة، وإذا فشلت يتم اللجوء إلى التحكيم، وهنا تشكل لجنة تحكيم من قضاة محكمين دوليين، إلا أن الإجراء قد يطول”، وفق القاسم.

ويرى القاسم أن الأردن يستطيع استخدام أدوات ضغط للحيلولة دون تنفيذ الضم، مثل التهديد بقطع العلاقات الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي والتعاون الأمني، فيما أشار الجازي إلى تفاعل الملك مع المشهد الفلسطيني.

وقال الجازي إن” التحرك الذي يقوده الملك مفيد، والتحركات الأردنية الدبلوماسية مفيدة وتشكل أوراق ضغط على الجانب الإسرائيلي … أية أداة يملكها الأردن لن يوفرها”.

الملك أكد الثلاثاء، أن أيَّ إجراء إسرائيلي أحادي لضم أراضٍ في الضفة الغربية، هو أمر مرفوض، ويقوّض فرص السلام والاستقرار في المنطقة.

وشدد خلال اجتماعات عقدها مع لجان وقيادات في الكونغرس الأميركي، على ضرورة إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، مؤكدا على أهميّة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة والقابلة للحياة، على خطوط الرابع من حزيران/يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

“تحريم مطلق”

الجازي وهو وزير عدل أسبق ومحام دولي يحمل شهادة الدكتوراه في القانون الدولي، أكد “عدم قانونية” خطوة الضم، قائلاً إنها لا تتوافق مع القانون الدولي، وهو مايراه القاسم بقوله “لا يوجد مبدأ في القانون الدولي يسمح ويبيح ويشرعن ما تقوم به إسرائيل سواء من الضم أو الاستيطان”.

وهناك تعارض شديد ومطلق لتلك التصرفات مع مبادئ القانون الدولي، وفق القاسم الذي أوضح أن القرار 242 أساس المفاوضات السياسية بين العرب وإسرائيل، واستند إلى مبدأ عدم جواز اكتساب أراضي الغير بالقوة”.

القاسم قال إن الأمر “محرم تحريما مطلقا وليس نسبي”.

في 22 نوفمبر 1967 أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 242 بضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب 1967.

المختصان ذهبا أيضا إلى تأكيد تعارض الخطوة الإسرائيلية مع ميثاق جنيف الرابع.

وقال خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، الثلاثاء، إن “خطة إسرائيل ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية المحتلة تنتهك مبدأ أساسيا من مبادئ القانون الدولي”.

“محاولة شرعنة”

ويرى الوزير الأسبق أن الموقف الفلسطيني صريح وقوي وإجراءاته مثل وقف التنسيق الأمني والتعاون مع الجانب الإسرائيلي، وقال إن التحركات السياسية والقانونية متناغمة ومكملة لبعضها البعض وعلاقة وتقود إلى الدفاع عن الحق الفلسطيني.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفض الخطوة الإسرائيلية، وأعلن أن منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين “أصبحتا في حِل من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية بما فيها الأمنية”.

القاسم يرى أن الأمر بالنسبة للفلسطينيين هو “نقل الضم من الواقعي إلى القانوني”، لأن الضم قائم في ظل وجود المستوطنات والسيطرة الإسرائيلية على الحوض المائي الشرقي للأغوار والغني جدا بالمياه.

“منظمة التحرير يمكنها التحرك قانونيا أمام المحكمة الجنائية الدولية، لكن الجانب الفلسطيني يستطيع ممارسة أدوات ضغط في ظل خبرته الطويلة في مقارعة الاحتلال الإسرائيلي”، بحسب القاسم.

ويعتبر القاسم التأييد الأميركي لخطوة الضم محاولة من واشنطن لـ “شرعنة” الاستيطان والضم.

وقال إن “الدول في القانون الدولي متساوية القيمة، وما ينطبق على الدول الصغيرة ينطبق على الولايات المتحدة ولا تستطيع واشنطن تعديل أحد مبادئ القانون الدولي بتصريح منفرد صادر عنها”.

المملكة