مرايا – بقلم د. مهند العزة
في الوقت الذي يتلقى فيه الأردن التهنئة والمباركة من منظمات حقوق الإنسان الدولية والمنظمات الأممية والحكومات المختلفة التي تسترشد بتجربتنا في تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ما تزال مجموعة من المغيبين الذين يفتقرون لأبسط المبادئ الأخلاقية والإنسانية الذين يرون في أنفسهم بشراً فوق البشر يحل لهم ما لا يحل لغيرهم؛ يستبيحون مشاعر الناس وأحاسيسهم بمنتهى الوقاحة لاستدرار ضحكة أو بسمة أو نقرة إعجاب على صفحة فيسبوك لمحتوى يخلو بكل صدق وحيادية من أبسط مقومات الفن والإبداع.
برنامج تشويه واضح الذي يبث على قناة رؤيا، أبى المنفذون له والقائمون عليه إلا أن يسطروا أسمائهم بحروف من أوحال التمييز والعنصرية القميءة في سجل انتهاك حقوق ومشاعر وكرامة الأشخاص ذوي الإعاقة. يبدو أن القائمين والمنفذين للعمل أرادوا تعويض إفلاسهم الفني وخوائهم الإبداعي، فلجأوا إلى أقصر الطرق وأسوئها بأن قاموا بتجسيد انتقادهم السطحي للحكومة من خلال شخصية عبثية لديها إعاقة بصرية وسمعية تقوم بحركات بهلوانية صبيانية تحتاج فقط لخبرة مهرج في سرك محلي.
ليست هذه المرة الأولى التي تقوم بها قناة رؤيا بتبني وبث محتوى يسيء للأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم وكرامتهم، فقد سبق لهذه القناة أن بثت حلقة من برنامج كرفان الذي استخدم نكتة محورها طيف التوحد للسخرية من نتائج فرض الحظر أثناء جائحة كورونا، وقمنا حينها بالتواصل مع القناة التي اعتذرت وقامت بحذف الفيديو عن صفحاتها الألكترونية.
لقد كنت ممن ذادوا عن حق هذه القناة في التعبير حينما نادى البعض منذ بضع سنوات بإغلاقها واتهمها بالعنصرية الدينية على أثر بث برنامج ينطوي على بعض العبارات أو الإيحاءات التي فسرها البعض بأنها غير لائقة، واليوم ترد قناة رؤيا الجميل للأشخاص ذوي الإعاقة كافةً بسخرية جديدة منهم وامتهان لكرامتهم في خطوة أقل ما يقال عنها أنها تشير وبحق إلى أن بعض وليس كل من يعملون في هذه القناة يمارسون النفاق الاجتماعي والمهني بأقصى درجاته، فقد قامت هذه القناة بإجراء عشرات اللقاءات مع العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة وكنت من بينهم للتحدث عن أهمية الإعلام في القضاء على الصورة النمطية السائدة عن الإعاقة وتكريس ثقافة التنوع وقبول الآخر واحترام كرامته المتأصلة، لتخرج علينا مجموعة من الهواة غير الموهوبين ليتطاولوا على قطاع من أبناء وبنات هذا الوطن لا تقل نسبتهم عن 11.2% من إجمالي عدد السكان، أي حوالي مليون ومئتي ألف شخص.
من المفارقات العجيبة أننا في المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التقينا منذ 3 سنوات بهؤلاء الهواة لنقنعهم بعمل حلقات حول مكافحة الصور النمطية ضد الأشخاص ذوي الإعاقة وشرحنا لهم حينها المفاهيم والمضامين وكدنا نتوافق على آلية العمل والأطر الزمنية، إلا أنهم أظهروا عدم التزام واحترام للمواعيد لم أشهد مثيله في حياتي، وهذا كله موثق لدينا، فكانوا يحددون اجتماعات ثم لا يحضرون ولا يجيبون على هواتفهم وفي إحدى المرات حضر مندوب عنهم للاجتماع بعد مضي أكثر من ساعة على موعده، قررنا حينها أن لا تعامل مع هذه المجموعة غير المهنية وأن هدفنا في إيصال رسالتنا لعدد كبير من المتابعين الشباب الذين لا يعرفون شيءً عن قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة؛ يمكن أن يتحقق من خلال مبدعين وفنانين حقيقيين، وهنا أستذكر موقف ودعم فنانتنا الكبيرة والقديرة عبير عيسى التي تطوعت للمشاركة معنا في كلمات من نور في بعض أفلامنا التوعوية، فأين هؤلاء العابثون من هذه القامة الكبيرة، فن بلا أخلاق تماماً مثل سلاح فوهته مصوبة نحو صدر حامله، فعلى قناة رؤيا التبرؤ من هذا السلاح المعطوب.
قد يكون لهؤلاء الهواة غير الموهوبين متابعين وعدد مشاهدات كبير، ولن أخوض في أن هذا ليس مؤشراً على الإطلاق على جودة ما يتم بثه أو تقديمه، فما عليك إلا أن تتابع صفحات العديد من الذين سجلوا رقماً قياسياً في السخف والتفاهة وانظر عدد متابعيهم، فنحن ولا ريب في زمن الرويبضة.
الأشخاص ذوو الإعاقة مدعوون لمقاطعة قناة رؤيا حتى تقدم اعتذاراً رسمياً يرضي من امتهنت كرامتهم وجرحت مشاعرهم ومشاعر ذويهم، اعتذار يقدمه هؤلاء العابثون ورئيس القناة دون أي تبرير أو تفنيد.
لن يكون الأشخاص ذوو الإعاقة ولا أسرهم أداة لكل هاوي أو مهرج يعوض ضحالته الفكرية والثقافية وإفلاسه الإبداعي بالسخرية ممن هم أكبر منه قدراً وأرفع شأناً وأعز قيلا.