حملت مظاهر “الاحتفال والشغب” وحمل واستخدام السلاح، عقب الانتخابات النيابية في بعض المناطق، المسؤولين في الأردن إلى التشدد في الإجراءات الأمنية، والدعوة إلى تطبيق القانون وتعديل التشريعات الناظمة لاقتناء الأسلحة، في الوقت الذي يُعتقد أن ضعف نصوص قانونية ساهم في انتشار الأسلحة والذخائر.

جلالة الملك عبدالله الثاني، قال الخميس، إن “المظاهر المؤسفة التي شهدناها من البعض بعد العملية الانتخابية، خرق واضح للقانون، وتعد على سلامة وصحة المجتمع، ولا تعبر عن الوعي الحقيقي للغالبية العظمى من مواطنينا في جميع محافظات الوطن الغالي”.

وأضاف عبر تويتر “نحن دولة قانون، والقانون يطبق على الجميع ولا استثناء لأحد”.

الخميس صدرت الإرادة الملكية السامية بالموافقة على قبول استقالة توفيق الحلالمة، وزير الداخلية من منصبه اعتباراً من تاريخ 12 تشرين الثاني/نوفمبر، بعد أن أعلن رئيس الوزراء وزير الدفاع بشر الخصاونة، أن الحلالمة استقال من منطلق المسؤوليّة الأدبيّة، ورُفعت الاستقالة للملك، ونسّبت بالموافقة عليها.

استقالة ليست الأولى

ولا تعد حادثة استقالة وزير الداخلية هي الأولى، ففي أيار/مايو 2015، صدرت إرادة ملكية سامية بقبول استقالة حسين المجالي وزير الداخلية آنذاك، وأحيل أيضا كل من مدير الأمن العام الفريق أول الركن توفيق الطوالبة ومدير الدرك اللواء الركن أحمد السويلمين إلى التقاعد، وذلك في أعقاب أحداث شهدتها معان.

وعلق رئيس الوزراء آنذاك عبدالله النسور بقوله “انطلاقا من الضرورة الحتمية، بتطبيق القوانين والأنظمة والتعليمات، لتثبيت مبدأ القانون وسيادته على الجميع، وبسبب تقصير إدارة المنظومة الأمنية، المتمثلة بالأمن العام وقوات الدرك، في التنسيق فيما بينهما، في قضايا تمس أمن المواطن واستقراره، في الوطن الغالي، والتي لم تتم معالجتها بالمستوى المطلوب، فقد قدم معالي حسين المجالي استقالته كوزير للداخلية”.

وأضاف أنه حرصا من الملك، على ضرورة ترسيخ سيادة القانون، وتعميق مبدأ الأمن للجميع، وعدم التهاون مع من تسول له نفسه العبث بالمبادئ، التي قامت عليها هذه المملكة المستقرة، أو الاعتداء على ممتلكات الدولة والمواطنين الآمنين، أو المحرضين على الفتن والنعرات، وحرصا من خلال التنسيق المحكم بين كل الأجهزة العاملة على أمن الوطن والمواطن، والعمل كفريق واحد، ضمن أحكام الدستور والقوانين والأنظمة، التي تحكم الجميع في هذا البلد، وبأعلى درجات الكفاءة والفعالية، فقد صدرت الإرادة الملكية السامية بقبول استقالة معالي وزير الداخلية”.

“تقصير” حكومات سابقة

رئيس الوزراء بشر الخصاونة أشار، الخميس، إلى وجود أولويّة لتشريع قانون يضبط استخدام المواطنين للأسلحة والذخائر.

وقال مدير الأمن العام اللواء الركن حسين الحواتمة، الخميس، إن هناك تقصيرا من الحكومات السابقة بموضوع الأسلحة والذخائر، موضحا أنه يجب ألا تكون الأسلحة الآلية، والذخائر متاحة للناس.

وزير الدولة محمود الخرابشة، قال لـ “المملكة”، مساء الخميس، إن الأوان آن لتعديل القانون الحالي ووضع عقوبات رادعة لمخالفي القانون، وضبط هذه “الظاهرة المقلقة”.

وطالب الخرابشة بتغليظ العقوبات على من يستخدم السلاح “بدون داع”، وعدم السماح باقتناء السلاح الآلي، والاكتفاء بالأسلحة الفردية لمن هو بحاجة لتلك الأسلحة.

وارتفع عدد حالات إطلاق العيارات النارية في العام الماضي إلى 2171 حالة، مقابل 1871 في عام 2018، و1786 حالة في 2017، و1726 في عام 2016، وفق دائرة الإحصاءات العامة.

أستاذ القانون الدستوري ليث نصراوين أكّد لـ “المملكة” أن “موضوع حمل الأسلحة النارية وارد في قانون خاص هو قانون الأسلحة النارية والذخائر وهو قانون قديم منذ عام 1952 لكن العقوبات الواردة فيه غير رادعة”.

مشروع قانون في أدراج مجلس النواب

ويتواجد مشروع قانون الأسلحة والذخائر لسنة 2016 في أدراج مجلس النواب الذي ناقشته اللجنة القانونية بدون أن يرى النور ويُقر كقانون جديد.

اللجنة القانونية ناقشت مشروع القانون عام 2019 بحضور ممثلين عن ديوان التشريع والرأي ورئيس جمعية تجار الأسلحة ورئيس الجمعية الأردنية لرياضة الصيد، ووزراء الداخلية والعدل والشؤون السياسية والبرلمانية ومستشار مركز الملك عبدالله الثاني للتصميم والتطوير (كادبي).

وقال رئيس اللجنة القانونية آنذاك عبد المنعم العودات إن الأسباب الموجبة لمشروع القانون جاءت لتزايد المظاهر المقلقة للمجتمع الأردني جراء انتشار الأسلحة الآلية بشكل كبير، وتنظيم التعامل بالأسلحة والذخائر وحصره بفئات محددة، ولتحديد الأماكن التي يحظر فيها حمل السلاح من الأشخاص المرخص لهم بذلك ولتجريم صور التعامل غير المشروع بالأسلحة والذخائر وفرض عقوبات خاصة ومصادرة المضبوط منها وفقا لأحكام القانون.

وقال العودات إن ما جاء في مشروع القانون قابل للتعديل بما يحقق المصلحة الوطنية، وإنه “لم يصادر حق المواطن في حمل واقتناء السلاح وإنما جاء لإعادة تنظيم عملية اقتناء وحمل السلاح وعملية التعامل معه، وأبقى الباب مفتوحا لكل أردني بحمل السلاح ضمن الشروط المنصوص عليها وبما يتوافق مع مبادئ السلم المجتمعي”.

نصراوين قال إن مشروع القانون يتضمن نصوصاً وأحكاماً “تنظم عملية حمل واقتناء بعض الأنواع من الأسلحة النارية، وتحظر ترخيص فئات معينة من الأسلحة النارية الآلية وبنادق الصيد التي تعمل بواسطة مخزن ذخيرة ثابت أو متحرك يتسع لأكثر من طلقة”.

وأوضح نصراوين أن “مشروع القانون المعدل ينص صراحة على اعتبار جميع رخص اقتناء وحمل الأسلحة المحظورة ملغاة حكماً خلال 6 أشهر من تاريخ اعتماده”، مضيفاً بالتالي “يتعين تسليم الأسلحة المحظورة خلال تلك الفترة الزمنية إلى أقرب مركز أمني، بحيث يحق لمن التزم بهذا الحكم أن يطالب الدولة بالتعويض العادل عن الأسلحة التي سلمها”.

مسؤول في ديوان التشريع والرأي قال لـ “المملكة” إنه “بخلاف ذلك (تسليم السلاح الآلي) يعتبر الحائز مخالفا للقانون”، مضيفا أن “مشروع القانون منح صلاحية إلغاء رخص حمل السلاح بدون إبداء الأسباب لوزير الداخلية”.

مشروع لبى “بعض التطلعات”

ورأى المسؤول ضرورة في تعديل العقوبات الموجودة حاليا في قانون الأسلحة الحالي أو في قانون العقوبات.

ويعتقد المسؤول أن مشروع القانون الجديد المودع في البرلمان لبى بعض التطلعات من خلال حظر حمل السلاح المرخص في المسيرات والمؤسسات التعليمية، مع الإشارة إلى أن القانون الحالي حظر حمل السلاح المرخص في الاحتفالات الرسمية والاجتماعات والجنازات والمواكب.

“مشروع القانون توسع في فرض العقوبات لكل من يخالف أحكامه”، وفق المسؤول.

ونصت المادة 11 من القانون الحالي على العقوبة بالحبس مدة لا تتجاوز 3 سنوات ومصادرة السلاح لكل من يخالف أحكامه، ويرى المسؤول أنه بالتوازي بين وجوب تشديد العقوبة لا بد من إعادة تنظيم منح تراخيص الحمل والاقتناء والتي تعامل معها المشروع.

“تشديد العقوبة بدون إعادة النظر في بعض الأحكام الموجودة في القانون لن تكون مجدية”.

ورأى المسؤول أنه لا حاجة لتعديل قانون العقوبات، مضيفاً أن الحديث “يجب أن ينصب على الأحكام الواردة في قانون الأسلحة والذخائر”.

وتنص المادة 330 مكررة من قانون العقوبات أنه على الرغم مما ورد في أي قانون آخر:

“يعاقب بالحبس مدة 3 أشهر أو بغرامة مقدارها ألف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين كل من أطلق عيارا ناريا دون داع أو سهما ناريا أو استعمل مادة مفرقعة دون موافقة مسبقة، ويصادر ما تم استخدامه من سلاح، ولو كان مرخصا، وأي سهم ناري ومادة مفرقعة.

وتكون العقوبة:

أ- الحبس مدة لا تقل عن سنة إذا نجم عن الفعل إيذاء إنسان.

ب- الأشغال المؤقتة إذا نجم عن الفعل أي عاهة دائمة أو إجهاض امرأة حامل.

ج- الأشغال المؤقتة مدة لا تقل عن 10 سنوات إذا نجم عن الفعل وفاة إنسان.

3 -تضاعف العقوبة الواردة في الفقرتين (1) و(2) من هذه المادة في حال التكرار أو تعدد المجني عليهم.

أحكام “غير مقبولة”

نصراوين وصف هذه الظاهرة الاجتماعية بأنها “مقلقة”، وتدعو إلى البحث في فعالية التشريعات الوطنية ذات الصلة، منها ما ورد في قانون الأسلحة النارية والذخائر رقم (34) لسنة 1952 وتعديلاته.

وقال إن “النصوص القانونية في التشريع الحالي تتضمن أحكاماً غير مقبولة على الإطلاق”.

ومن أهم الأحكام “غير المقبولة أنها “تسمح للوزراء العاملين والسابقين وأعضاء مجلس الأمة والحكام الإداريين بحمل الأسلحة النارية في مراكز المحافظات والألوية ومديريات القضاء”، وفق نصراوين الذي قال إن القانون الحالي “يجيز لوزير الداخلية أو من ينيبه ترخيص حمل الأسلحة الآلية بدون أي قيود أو شروط على ذلك”.

وزير الداخلية السابق سلامة حماد قال في عام 2019، إن كميات الأسلحة الموجودة مع الأردنيين تزيد على 10 ملايين قطعة، و”يتوجب ضبطها”.

وأشارت دراسة لمنظمة “Small Arms Survey” أن نسبة المدنيين الذين يحملون السلاح في الأردن بلغت 18.7 من كل 100 شخص، في عام 2017.

ورأى أستاذ القانون الدستوري إن القانون “بحاجة لتعديل”، مضيفاً أن “ضعف” النصوص القانونية الواردة في القانون الحالي (وهو قانون قديم جداً)، “ساهم” في انتشار هذه الأسلحة والذخائر خاصة أن هذا القانون “وسع” من فئات الأشخاص الذين يحق لهم حمل السلاح بما يشمل “الحكام الإداريين والمتصرفين”.

ويجيز قانون الأسلحة والذخائر رقم 34 لسنة 1952، اقتناء مسدسات وبنادق صيد فقط، ولا يمنح هذا الترخيص لمن حُكم عليه بجناية، أو من هم تحت 21 عاما.

أما الأسلحة الآلية والرشاشة، فلا يسمح بترخيصها إلا بموافقة شخصية من وزير الداخلية وضمن شروط محددة، في حين تتولى مديرية الأمن العام ترخيص الأسلحة الأخرى.

وزير الدولة الخرابشة قال إن “المزارعين وأصحاب المواشي ومن يعيشون في البوادي والأرياف يحتاجون لأسلحة فردية وليست آلية”، مشيرا إلى وجود ثغرات تتعلق بالسماح لأي كان باقتناء السلاح وشرائه.

ويشترط القانون حصول الشخص الذي يرغب في اقتناء السلاح على ترخيص مسبق من وزير الداخلية أو من ينوبه، وذلك قبل شراء السلاح من التاجر الملزم بتسجيل رقم الرخصة واسم المشتري في سجلاته.

وقدر مسؤول أمني لـ “المملكة” في عام 2018 عدد رخص السلاح في الأردن بأكثر من 150 ألف رخصة، موزعة بين أفراد وشركات.

“حتى لو كان ابني”

في آب/أغسطس 2015 تحدث الملك عن ظاهرة إطلاق العيارات النارية في المناسبات، بقوله “هناك جدية في التعامل مع هذا الموضوع، ولن يكون هناك واسطات أبداً بعد اليوم، فليس هناك من يعتقد أنه ابن فلان أو أن لديه منصب”.

وشدد: “سنتخذ الإجراءات حتى لو كان ابني هو من يطلق العيارات النارية في المناسبات، سأطلب من الأجهزة الأمنية أن تتخذ معه الإجراءات نفسها بهذا الخصوص”.

وأضاف “سنتخذ كل الإجراءات بحق كل من يستخدم السلاح في المناسبات والاحتفالات، ولن نسمح أن يموت طفل آخر نتيجة لذلك”.

المملكة