مرايا – قبيل استشهاده يوم الجمعة الماضي برصاص جيش الاحتلال الاسرائيلي والذي صادف يوم عيد ميلاده، تمنى الفتى الفلسطيني علي أبو عليا أن يحصل على مفاجأة في هذه المناسبة وفق ما روت والدته.

أعدت الأم الطبق الفلسطيني الشهير “المقلوبة”، ووضعت الهدايا جانبا، لكن علي لن يعود إليها أبدا، فقد قتل برصاص الجيش الإسرائيلي خلال مواجهات وقعت على أطراف قريته.

وتعيش قرية المغيّر منذ الجمعة حالة حداد على الفتى الذي علقت صوره على الجدران والمركبات وعلى أسلاك الكهرباء، وأصبح “الشهيد البطل” رغم صغر سنه.

ويقول والده أيمن أبو عليا وهو يقلب المسبحة في يده في بيت العزاء، “عند سماعي صوت الطلقات النارية على أطراف القرية، التفت حولي لكني لم أجد علي”.

وقال الجيش الإسرائيلي في البداية إن قواته لم تستخدم الذخيرة الحية في ما جرى.

وقال إنه استعمل “وسائل تفريق الحشود واستخدم رصاصة “روجر عيار 0,22” الأمريكية “من أجل قمع أعمال الشغب العنيفة”.

وأضاف الجيش: “بعد الحادث تم فتح تحقيق من قبل الشرطة العسكرية”.

بدأ ذلك اليوم بشكل هادئ على ما تقول عائلة وأصدقاء علي المعروف عنه التدين وحب المساعدة، وخصوصا مساعدة والده وجده في رعي الأغنام، بالإضافة إلى موهبته في لعبة كرة القدم، التي كان يشجع فيها فريق ريال مدريد واللاعب البرتغالي رونالدو.

صباح الجمعة، الرابع من كانون الاول/ ديسمبر استيقظ علي عند الساعة الخامسة صباحا، طلب منه جده ناصر الذي اعتمر الكوفية وعقالا أسود، إرسال الطعام لعمه الذي كان يرعى الأغنام بعيدا.

وعلى ظهر حماره، مشى علي عبر السهول المتقاطعة مع انعكاسات أشجار الزيتون واللوز، وعبر الحقول التي اكتست بلون التراب الخصب، قبل أن يعود إلى القرية بعد خمس ساعات.

بدأت والدته نِهاد بطهو طبق المقلوبة التقليدي -عبارة عن أرز وخضراوات ولحم ضأن- الذي كان علي يحبه.

وحضرت الأم الهدايا لعلي وجهزت البيت الخرساني للاحتفال العائلي بعيد ميلاده.

بطني

وتشهد مناطق متفرقة في الضفة الغربية المحتلة أيام الجمعة مواجهات متفرقة بين الجيش الإسرائيلي ومتظاهرين فلسطينيين، وعادة ما لا تجتذب التظاهرات أعدادا كبيرة من المشاركين ولكنها يمكن أن تتحول مواجهات أحيانا.

وتعيش قرية المغيّر وهي قرية صغيرة يعيش فيها نحو 4500 نسمة، نزاعا مستمرا مع مستوطنة “عادي عاد” الإسرائيلية العشوائية، بسبب محاولة مستوطنين الاستيلاء على أجزاء من أراضي القرية.

وتعتبر المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية بموجب القانون الدولي.

واحتلت إسرائيل الضفة الغربية في عام 1967، ويعيش فيها من دون القدس نحو 450 ألف مستوطن على أراضي الفلسطينيين البالغ تعدادهم 2,8 مليون نسمة.

ويتمركز عناصر من الجيش الإسرائيلي كل جمعة عند مخارج القرية لمنع المواجهات بين الطرفين.

وقال الجيش إن “عشرات من مثيري الشغب ألقوا الحجارة” على قوات الأمن وحاولوا “دحرجة صخور كبيرة من التلال وإحراق إطارات”.

وبحسب شهود عيان، كان هناك 11 جنديا إسرائيليا، يقابلهم ثلاثون متظاهرا كانوا يلقون الحجارة.

وقال زميل علي على مقاعد الدراسة نائل أحمد (14 عاما) إنه كان على بعد أمتار قليلة من علي في ذلك اليوم.

وتابع: “فجأة صرخ علي وقال بطني، ثم أغمي عليه”.

وتُظهر لقطات عبر الموبايل صوّرها أحد الشهود، علي مستلقيا على مقعد بعد إصابته محاطا بعدد من الرجال الذين حثوه على الإفاقة.

ويمكن ملاحظة أثر الرصاصة على ارتفاع 2 إلى 3 بوصات فوق السُرة.

واشار نائل إلى صخرة تبعد أمتارا عدة عن مكان سقوط علي، وأضاف: “كان هناك جندي متكئ على هذه الصخرة عندما أطلق النار على علي”.

وبحسب قياسات مراسلي وكالة فرانس برس، فقد بلغت المسافة بين تموضع الجندي الإسرائيلي الذي أطلق النار ومكان إصابة علي حوالى 35 مترا.

حزن ودموع

بعد إصابته، نقل الفتى على الفور بسيارة خاصة إلى قرية ترمسعيا المجاورة.

وقال والده أيمن، وهو يأخذ نفسا عميقا: “عندما رأيت السيارة تمر مسرعة باتجاه ترمسعيا وسمعت بأن أحد الأولاد أصيب، قلت لنفسي هذا أحد أبنائي”.

لاحقا، تم نقل علي إلى مدينة رام الله على بعد 20 كيلومترا من القرية.

واضاف والده: “لحقت به على المستشفى وكنت معه هناك، تمنيت أن ينجو، لكنه فارق الحياة”.

توفي علي الذي ورث رعي الغنم أباً عن جد، “متأثرا بجروح حرجة برصاص الاحتلال الحي في بطنه” على ما أفادت وزارة الصحة الفلسطينية التي أعلنت وفاته.

ودانت السلطة الفلسطينية حادثة “القتل بدم بارد”، ودعا مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف إسرائيل الجمعة إلى إجراء تحقيق سريع ومستقل حول هذه الواقعة “الصادمة وغير المقبولة”.

وقال الجيش الإسرائيلي إن “الشرطة العسكرية بدأت تحقيقا”، مشيرا إلى أن “النتائج ستدرس من قبل المدعي العام العسكري”.

ويبعد الطريق الرئيسي المار بالقرب من أراضي القرية، والذي يستخدمه المستوطنون والجيش الإسرائيلي، حوالى كيلومترين من المكان الذي أصيب فيه علي.

وفي المغيّر، تحول عيد ميلاد علي حزنا ودموعا، هو الذي لم يعبّر لوالدته عن رأيه بطبق المقلوبة ولن يرتدي الحذاء الجديد الذي كان جاهزا ليتلقاه هدية.