مرايا – أصدر منتدى الاستراتيجيات الأردني تحليله السنوي لقانون الموازنة العامة ضمن ورقة سياسات بعنوان “الموازنة العامة للسنة المالية 2021 ما بين كوفيد-19 واستعادة عجلة النمو”، وذلك بهدف تسليط الضوء على موازنة 2021 في سياقها الاجتماعي والاقتصادي، وتقديم بعض التوصيات التي تهدف إلى تحسين بعض بنود الموازنة لعام 2021.
وارتكزت الورقة على ثلاثة أجزاء رئيسة؛ يتناول الجزء الأول أهم التحديات التي يعاني منها الاقتصاد الأردني، ويشمل الجزء الثاني عدد من الملاحظات المتعلقة بموازنة 2021، فيما يتناول الجزء الثالث النفقات الرأسمالية المخصصة لبعض القطاعات الاقتصادية.
أما فيما يتعلق بأهم التحديات التي يعاني منها الاقتصاد الأردني، أشارت الورقة الصادرة عن المنتدى إلى أن معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال السنوات الأخيرة كانت ولا زالت متواضعة، كما أن معدلات البطالة في الأردن تعد مرتفعة بشكل عام وتشكل عبئاً كبيراً على الحكومات المتعاقبة؛ ومن المرجح أن تزداد معدلات البطالة في الربع الأخير من عام 2020، ولربما خلال العام 2021 إن لم يتم وضع حلول فعلية وجذرية لهذه المشكلة.
كما بينت الورقة، أن نسبة إجمالي تكوين رأس المال الثابت إلى الناتج المحلي الإجمالي في الأردن تعتبر منخفضة مقارنة بالعديد من الدول الأخرى، حيث تعكس هذه النسبة ما يتم تخصيصه للغايات الاستثمارية ولغايات ادامة مرافق البنية التحتية، ولتعزيز مستويات النمو وتوليد فرص العمل.
وفي ذات السياق، أشارت الورقة إلى ارتفاع نسبة الدين العام خلال السنوات الأخيرة، نتيجة لتمويل العجز في الموازنة العامة للدولة ولتمويل القروض المكفولة لشركة الكهرباء الوطنية وسلطة المياه؛ وإذا ما تم الافتراض بأن الناتج المحلي الإجمالي سيشهد انخفاضا بما يعادل (5-٪) في العام 2020، فحتى مع ثبات الدين العام عند مستواه في آب 2020، فهذا يعني أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي سترتفع إلى 110.6%.
وفيما يخص الملاحظات المتعلقة بموازنة 2021، أوضح المنتدى بأن موازنة عام 2021 بنيت على أساس حجم نمو للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة (2.5%) خلال العام 2021 ونسبة (3.5%) بالأسعار الجارية، حيث قدرت الإيرادات بموازنة 2021 بمبلغ (7 مليارات و875 مليون دينار)، منها (7 مليارات و298 مليون دينار) من الايرادات المحلية و (577 مليون دينار) من المنح الخارجية، في حين قدر اجمالي النفقات في عام 2021 بنحو (9 مليارات و930 مليون دينار) بنسبة نمو بلغت نحو (6%) مقارنة مع عام 2020.
وفي تحليل جانب النفقات العامة، بين المنتدى أن موازنة العام 2021 ليست توسعية، وتعد نسبة الإنفاق العام أقل مما التزم به عام 2020 والمقدرة بحوالي (6.3%)، في حين أن نسبة زيادة الانفاق العام لعام 2021 بلغت (6.0%) فقط، حيث تعتبر هذه النسبة معقولة في ظل ظروف الجائحة.
وبالنسبة إلى النفقات الجارية، أشارت الورقة إلى أن بند الرواتب والأجور والعلاوات سيشهد زيادة مقدارها حوالي 235.5 مليون دينار أردني. كذلك، من المتوقع أن تزداد فوائد الدين العام بما يعادل 133.9 مليون دينار (الدين الداخلي) و40.1 مليون دينار (الدين الخارجي). كما وأشارت الورقة إلى أنه تم الغاء بند شبكة الأمان الاجتماعي ودعم السلع (130 مليون دينار) الذي عمل به في العام 2020 واستبداله ببند اعانات لدعم السلع بما يعادل 50 مليون دينار فقط، إضافة إلى زيادة بند المساعدات الاجتماعية بما يعادل 40.2 مليون دينار. مما يشير الى أن بند “دعم الفقير” تم تخفيضه بما يعادل 34.8 مليون دينار، ولكن سيرافق ذلك سياسة استهداف أكثر وضوحا ومن شأن ذلك تعزيز الوصول الى الفئات المستهدفة.
أما بالنسبة إلى النفقات الرأسمالية، أشارت الورقة إلى أنه من المتوقع أن تزداد النفقات الرأسمالية بما يعادل 24.5% أو من حوالي 984.4 مليون دينار في عام 2020 الى 1.1812 مليار دينار في عام 2021، ويعد هذا مؤشر إيجابي فيما يخص أولويات الانفاق، بالمقابل فمن المتوقع أن ترتفع النفقات الجارية من 8.4 مليار دينار الى 8.7 مليار دينار أو بنسبة 4%.
وفي تحليل جانب الإيرادات العامة، بين المنتدى أن الحكومة تتوقع ارتفاع ايراداتها المحلية من 6.35 الى 7.30 مليار دينار، بنسبة (15.0%). وتعتبر هذه نسبة طموحة وليس من الأكيد كيف ستتحقق في ظل ضبابية المشهد الاقتصادي وضعف القدرة على التنبؤ بمعدلات النمو. أما عن المنح الخارجية، فمن المتوقع أن تنخفض من 850 الى 580 مليون دينار وهذا يعكس التغير في أولويات الدول المانحة والظروف الاستثنائية التي تمر بها تلك الدول.
وبالنسبة إلى الايرادات غير الضريبية، أشارت الورقة إلى انخفاض مجموع الايرادات غير الضريبية بما يعادل (38.2%)، ومن أهم البنود التي انخفضت الايرادات منها؛ عوائد الحكومة من مطار الملكية علياء، ورسوم تسجيل الأراضي، ورسوم جوازات السفر، ورسوم طوابع الواردات، ورسوم تصاريح العمل، والايرادات الناجمة عن قانون توريد واردات الدوائر والوحدات الحكومية، وبند الايرادات الأخرى ويتوقع ان ارتفاعها خلال مشروع موازنة العام المقبل.
وفيما يخص الايرادات الضريبية، أشارت الورقة إلى ازدياد الايرادات الضريبية بنسبة (9.2%) ومن أهم البنود التي أدت الى هذا الارتفاع هي ضريبة المبيعات على السلع المحلية والمستوردة؛ حيث يتوقع أن تزداد ضريبة المبيعات من 3479 مليون دينار في عام 2020 إلى 3825 مليون دينار في عام 2021، إضافة إلى زيادة باقي هياكل الضريبة؛ مثل ضريبة التجارة والمعاملات الدولية من 280 مليون دينار في عام 2020 إلى 340 مليون دينار في عام 2021؛ ضريبة الدخل من الموظفين والمستخدمين من 216 مليون دينار في 2020 إلى 220 مليون دينار في عام 2021؛ ضريبة الدخل من الأفراد (القطاع الخاص خارج قطاع الشركات المساهمة والمشروعات الكبرى) من 66 مليون دينار في عام 2020 إلى 70 مليون دينار في عام 2021؛ ضريبة الدخل من حساب المساهمات الوطنية وبيع العقار من 113 مليون دينار في 2020 الى 165 مليون دينار في عام 2021.
وبين المنتدى إلى أن جائحة كورونا تسببت في اتساع عجز موازنة العام 2020 من 1.8 مليار (2019) الى 3.0 مليار دينار (2020)، في حين أن عجز موازنة عام 2021 أقل من عام 2020، إلا أنه مرتفع مقارنة بالسنوات (2016 – 2019)، ويفضل تمويل هذا العجز من السوق المحلي.
وفيما يتعلق النفقات الرأسمالية المخصصة لبعض القطاعات الاقتصادية، أوضحت الورقة إلى أن جائحة كورونا تسببت بإلحاق الضرر ببعض القطاعات التي تساهم بتعزيز منعة الاقتصاد الأردني من حيث مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي من جهة، وبأعداد العاملين ضمن هذه القطاعات من جهة أخرى. الأمر الذي يتطلب ضرورة دعم هذه القطاعات بشكل استثنائي خلال الفترة القادمة بهدف إنعاش الاقتصاد الأردني وإعادة تعافي هذه القطاعات.
وأشارت الورقة إلى أن الحكومة قامت بتخصيص بعض البرامج من موازنة 2021 لوزارة المالية، متعلقة بدعم الاقتصاد الأردني وزيادة دعم الأفراد المتضررين بسبب جائحة كورونا، مثل مشاريع شراكة بين القطاعين العام والخاص بقيمة (85,000,000 دينار)، برنامج دعم العاملين في القطاعات المتضررة بقيمة (60,000,000 دينار)، تحفيز الاستثمار بقيمة (52,000,000 دينار)، مشروع دعم المؤسسات والبرامج التنموية بقيمة (3,500,000 دينار)، صندوق تنمية المحافظات بقيمة (3,000,000 دينار).
وأوصى المنتدى بضرورة تصميم سياسة مالية فعالة وأن يتم العمل على تحديد الأولويات لا سيما فيما يخص الانفاق الرأسمالي، ويجب إيلاء أهمية كبيرة للنفقات الاجتماعية، وخاصة في بعض القطاعات غير الرسمية التي تأثرت كثير بالجائحة ولا يوجد مظلات رسمية ترعاها، ولا بد من التفكير بأدوات مالية لمساعدة بعض القطاعات حتى لا تخرج من السوق نهائيا من خلال سياسات تحفيز مالي يجري تصميمها بالتعاون مع القطاع الخاص، على ان لا تكون المبالغ التي ستخصص لتلك الغاية منح، بل قروض ميسرة ضمن إطار زمني واضح، وهذا يتطلب التخطيط على المديين القصير والطويل لتحقيق الغاية المنشودة.
وفيما يخص السياسات على المدى القصير، من الضروري التفكير في تخصيص موارد إضافية للخدمات الاجتماعية (صندوق المعونة الوطنية)، وإعادة النظر في تخفيض ضريبة المبيعات على السلع المحلية وزيادتها على بعض السلع المستوردة. كذلك، ولأن الحكومة لا تملك موارد مالية كافية، وضرورة أن تحشد الموارد من القطاع الخاص لدعم مشاريع الشراكة في عدة قطاعات وبسرعة وبكفاءة وبدون تردد، لكونها الطريقة الوحيدة “المؤكدة” لتعزيز النمو الاقتصادي الحقيقي، وتخفيض البطالة، وبالتالي تعزيز إجمالي الإيرادات الضريبية.
فيما يقتضي الجانب بعيد المدى، إعادة النظر ببعض بنود النفقات الرأسمالية ذات الأثر المحدود على النمو والعمل وفقاً لأولويات واضحة، وتقوم على شراكة حقيقية بين الفاعلين الاقتصاديين، و تعديل الاختلالات في الإيرادات الضريبية. إذ أن الإيرادات من ضريبة المبيعات تشكل ما نسبته (70%) من اجمالي الايرادات الضريبية، مما يستوجب التعديل والعلاج.