مرايا -يطوي الأردن بعد أيام عاما اقتصاديا صعبا واياما كانت عجافا، في سنة قضمتها جائحة فيروس كورونا المستجد، فجاء حصادها شحيحا، فيما تزداد الآمال برؤية انفراجة اقتصادية قريبة، ترسي البلاد معها على شاطئ الأمان.
عام اقتصادي ثقيل يمضي، كان محملا بتحديات برزت بوضوح مع بدء انتشار الوباء واللجوء لإجراءات عسيرة لحماية صحة المواطنين، فيما وقع النشاط الاقتصادي “في قبضة” تبعات الجائحة، حيث توقفت عجلة التجارة وانحسرت الصادرات وتعطلت القطاعات وتبعثر معها النمو وبرزت البطالة بأرقام غير مسبوقة.
وشهدت معظم القطاعات الاقتصادية بالمملكة بحسب منتدى الاستراتيجيات الأردني، انكماشاً شديداً خلال الربع الثاني من العام الحالي 2020، باستثناء خدمات المال والتأمين والأعمال بنسبة 8ر2 بالمئة، والخدمات العقارية بنسبة 6ر0 بالمئة، وقطاع الزراعة بنسبة 7ر0 بالمئة.
ويأمل ممثلون لفعاليات اقتصادية وخبراء، بان يكون الأردن جاهزا في العام الجديد، لمرحلة جديدة من العمل والمعالجات من خلال وضع خطة وطنية للتعافي ترسم “خارطة طريق”، بهدف تمكين القطاعات وتحفيز الصادرات وتجويد بيئة الأعمال بما يساعد بالعودة التدريجية إلى معدلات النمو المسجلة في البلاد قبل جائحة كورونا على أقل تقدير.
وطالبوا في احاديث لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، بوضع أولويات لمواجهة التحديات المتراكمة من العام الحالي جراء تداعيات جائحة فيروس كورونا التي لم تنته بعد، من خلال تشجيع الاستثمار لخفض نسب البطالة العالية ودعم القطاعات وتخفيض الضرائب وكلف التشغيل.
واوضحوا ان انجع وسيلة لتجاوز تداعيات جائحة كورونا، هي النهوض بالقطاعات الاقتصادية بمختلف مجالاتها وتمكين المتضرر وذلك بتخفيف الأعباء المالية وتحديدا تكاليف الطاقة وضريبة الدخل والمبيعات ورسوم اشتراكات الضمان الاجتماعي وتسهيل وصول الشركات لمصادر التمويل.
وأعلنت الحكومة اخيرا، اجراءات تهدف للتخفيف من التبعات الاقتصادية والمعيشية على بعض القطاعات المتضررة من أزمة فيروس كورونا وتحملت جزءا من اجور العاملين بالقطاع الخاص وتوسيع الحماية الاجتماعية للأسر والافراد وبقيمة اجمالية تصل الى نحو 320 مليون دينار.
وأكد رئيس جمعية المصدرين الاردنيين المهندس عمر ابو وشاح أهمية وجود استراتيجية وطنية واضحة لدعم وتحفيز الاقتصاد الوطني خلال العام المقبل 2021، بما يخفف من الاعباء والتحديات التي مرت بها جميع القطاعات خلال 2020.
وشدد على ضرورة تركيز الانفاق الحكومي خلال الفترة المقبلة على المشاريع الرأسمالية ذات البعد التنموي من اجل توليد مزيد من فرص العمل للأردنيين، مشيرا الى ضرورة ان يركز القطاع الصناعي على رفع سوية وجودة المنتجات الاردنية بحيث تكون اكثر قبولا ورغبة بالأسواق الخارجية.
وأكد ابو وشاح ان الصادرات الأردنية بمثابة العجلة التي تحرك الاقتصاد الوطني من خلال التوسع بالإنتاج وتنشيط القطاعات الاخرى وتوليد المزيد من فرص العمل عدا عن تحسين الميزان التجاري ورفد احتياطي المملكة من العملات الاجنبية.
وأشار الى دور الكفاءة بالعمل من قبل القطاعين العام والخاص من خلال التشاركية الحقيقية وتبسيط الاجراءات بهدف تحقيق نقلة نوعية بالاقتصاد الوطني، مشددا على اهمية اعادة النظر بكلف الانتاج خصوصا فيما يتعلق بأثمان الطاقة وأجور النقل من اجل زيادة تنافسية المنتج الوطني محليا وخارجيا.
وبين ان العام المقبل لن يكون سهلا في ظل ظهور سلالة جديد من وباء فيروس كورونا المستجد ووضع الاسواق الخارجية، مؤكدا اهمية التعاطي مع جميع الاجراءات بمرونة لضمان استمرار عمل الانشطة الاقتصادية ومواصلة اعمال الشركات.

من جانبه، اكد نائب رئيس جمعية مستثمري شرق عمان الصناعية الدكتور إياد أبو حلتم، أن عام 2020 غيّر الكثير من المعادلات الاقتصادية والاجتماعية بالأردن والعالم، مشيرا إلى ان ازمة فيروس كورونا لم تنته بعد، ما يحتم التركيز على تداعياتها أولا بأول، خاصة وأن التوقعات الاقتصادية تشير بأن الاقتصاد الوطني لن يبدأ بالعودة لمستويات نموه ما قبل الجائحة حتى نهاية العام المقبل على الأقل.
وشدد ابو حلتم الذي يرأس كذلك منظومة (صنع في الأردن) التابعة لغرفة صناعة عمان، على ضرورة وضع سياسة اقتصادية هدفها بالدرجة الأولى تمكين مختلف القطاعات من التوسع وخلق فرص عمل وتحفيز معدلات النمو.
وأوضح أن تحقيق هذه الأولويات يتطلب ضخ سيولة نقدية كافية لتحفيز الاستهلاك، وهو ما بدأ به البنك المركزي لكن يجب توسيع مظلته أكثر من خلال تسهيل شروط الحصول على القروض، الى جانب تحفيز القطاعات الاقتصادية وفتح اسواق جديدة ودعم المنتجات الأردنية ومنحها التسهيلات للمنافسة بالأسواق التصديرية غير التقليدية.
وشدد على ضرورة تسهيل عمل بيئة الأعمال، وذلك بإصلاح المنظومة الضريبية والجمركية وتخفيف مختلف الرسوم المفروضة على مستوردات مدخلات الإنتاج وغيرها، الى جانب تخفيض كلف التشغيل، وبخاصة اثمان الطاقة التي تعد مدخلا رئيسيا من مدخلات الإنتاج، ووضع تعرفة تشجيعية للفائض من الكهرباء.
واشار ابو حلتم الى أن تشجيع الاستثمار يتطلب وجود بيئة استثمارية سهلة ومرنة وتذليل الصعوبات أمام المستثمرين، وذلك بتسريع الإجراءات الخاصة بالتراخيص والموافقات الرسمية على مشروعات اصحاب الأعمال والمستثمرين.
بدوره، دعا رئيس جمعية رجال الأعمال الأردنيين حمدي الطباع، الى إعداد خطة وطنية للتعافي الاقتصادي بالعام الجديد 2021 وفق إطار زمني محدد، للمساعدة في تجاوز تبعات أزمة فيروس كورونا، يرافقها برامج عمل لتحديد التحديات والعقبات وتقييم الخسائر بشكل دقيق لجميع القطاعات الاقتصادية المتضررة من الجائحة.
واشار الى ان ذلك يجب ان يتبعه تحديد أفضل الوسائل والأدوات العملية المناسبة لدعم القطاعات بالشكل الذي يتلاءم مع خصائص كل قطاع، الى جانب تقديم الدعم الكافي للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم والتي تشكل نسبة كبيرة من القطاع الخاص بالمملكة.
ورأى الطباع ضرورة العمل على تخفيض وتوحيد الضريبة العامة على المبيعات لمختلف القطاعات لفترة زمنية لا تقل عن سنة ليتمكن القطاع الخاص من استعادة نشاطه وتخفيض كلف الطاقة على مختلف القطاعات الاقتصادية وبالتحديد على القطاع الصناعي.
واوضح ان التبعات الاقتصادية التي خلفتها أزمة فيروس كورونا خلال العام الحالي على الاقتصاد الوطني تتطلب التعاون الكامل بين القطاعين العام والخاص وتعزيز الشراكة بشكل حقيقي وذلك للوصول الى حلول كفيلة بإعادة تنشيط الاقتصاد الوطني ودفع عجلة الإنتاج تدريجيا حتى الوصول إلى بر الأمان.
واكد الطباع ان القطاع الخاص هو العمود الفقري للاقتصاد الوطني والمساهم الأكبر في خلق فرص العمل للأيدي العاملة الأردنية، وديمومة عمله ونشاطه أمر أساسي لتحقيق التوازن في اقتصاد البلاد، موضحا ان استمرار التداعيات الاقتصادية للجائحة يجعل من الصعوبة الجزم بإمكانية تجاوز الصعوبات التي واجهها الأردن بشكل غير متوقع خلال العام الحالي.
من جهته، قال رئيس مجلس إدارة ملتقى الأعمال الفلسطيني- الأردني المهندس نظمي عتمه إن الاقتصاد الوطني يعيش حالة انكماش ناتجة عن تراجع معدلات النمو وضعف القدرة الشرائية ما يتطلب إجراءات وحزم إنقاذ استثنائية تتم بالتشارك مع القطاع الخاص.
واضاف أن الانكماش بالاقتصاد الوطني الذي ظهر جليا منذ بدء أزمة فيروس كورونا، زاد من معدلات البطالة وطال معظم القطاعات الاقتصادية وبخاصة الخدمات مثل شركات السياحة والفنادق والمطاعم إلى جانب القطاع العقاري والصناعي والزراعي.
وأكد ان التعامل مع الوضع الراهن يتطلب اتباع طرق جديدة تركز على تحفيز الاقتصاد وتخفيف الكلف التشغيلية على جميع القطاعات الاقتصادية، سواء كانت صناعية أو تجارية او خدمية، بالإضافة لإعادة النظر بقانون المالكين والمستأجرين وبما يحقق مصالح الطرفين.
وطالب رئيس الملتقى بحزمة إنقاذ واسعة وشاملة تمكن الاقتصاد من تحقيق معدلات نمو مرتفعة تتجاوز معدلات النمو السلبية، مبينا أن معدلات البطالة وصلت لمستويات مقلقة ولن تتراجع الا بتحفيز القطاع الخاص وتمكينه من تجاوز الأزمة.
وأكد أن العبء الضريبي على الاقتصاد الوطني ما زال مرتفعا وأصبح من الضرورة تخفيض ضريبة المبيعات لزيادة القدرة الشرائية للمواطنين وتحريك عجلة النشاط الاقتصادي، مشددا على ضرورة اتخاذ اجراءات لتحفيز المستثمر المحلي لتوسيع استثماراته واستقطاب المستثمر الأجنبي بما يساعد على توليد فرص عمل جديدة.

بدوره، قال الخبير الاقتصادي المهندس موسى الساكت ان حجم المشكلات الاقتصادية التي نعاني منها كبير، وضمن الصلاحيات التي منحها الدستور للحكومة فبإمكانها تنفيذ برنامج إصلاحي اقتصادي شامل، ولا بد من فتح جميع القطاعات دون استثناء لأن حال الناس اقتصاديا أصبح صعبا جدا.
واضاف ان التداعيات الاقتصادية الناجمة عن ازمة فيروس كورونا كبيرة وتتطلب اجراءات اكبر على مستوى السياسة النقدية والسياسة المالية من خلال خفض الضرائب خصوصا ضريبة المبيعات، مؤكدا ان هذا التخفيض يتماشى مع خطاب التكليف السامي الذي وجهه جلالة الملك عبدالله الثاني للحكومة لتأمين بيئة ضريبية عادلة.
ورأى الساكت ان اعادة صرف العلاوات على رواتب الموظفين العسكريين والمدنيين لسنة 2021 من ناحية اقتصادية سيكون ايجابيا وسيزيد في حجم السيولة ويسهم في تحريك عجلة الاقتصاد.
وشدد على ضرورة تحفيز القطاعات الانتاجية المختلفة من خلال دعم وتنشيط الصادرات، موضحا ان النمو في الناتج المحلي الاجمالي يعتمد بشكل كبير على إعفاء مدخلات الإنتاج الصناعي ويؤدي لازدهار الصناعات بشكل حقيقي، ويرفع تنافسيتها.
واكد ضرورة ان تصبح الضريبة المفروضة على مختلف مدخلات الإنتاج بقيمة الصفر، أو خارج النطاق الضريبي كون ضريبة المبيعات تؤثر على الإنتاج الصناعي، وتستوفى قبل بيع المنتج النهائي، مبينا ان هذا يؤثر على السيولة لدى المصانع.
واشار الساكت الى ان النشاط الاقتصادي اليوم اسير لتكلفة انتاج عالية جراء التشوهات في كلف الطاقة والنقل والتمويل وقانون الضريبة وهذا يعيق النمو، مؤكدا ان البلاد بحاجة الى وضع حلول عملية اولها زيادة الانفاق الرأسمالي وتخفيض العبء الضريبي حتى يتحرك الاستهلاك.
ودعا الى تفعيل دور كل من مجلس السياسات الاقتصادية والذي شكل بتوجيهات ملكية سامية لمناقشة السياسات والبرامج الاقتصادية وخطط التنمية وتحديد أبرز المعوقات التي تقف في وجه النمو الاقتصادي، واقتراح الحلول لتجاوزها، ومساندة الجهود الحكومية، وكذلك تفعيل دور المجلس الزراعي خصوصا في ظل ما نشهده من تراجع اقتصادي كبير في مختلف القطاعات، مطالبا بإعادة تشكيله ليضم اصحاب الاختصاص الفني والاداري.
من جانبها، اعتبرت نائب رئيس ملتقى سيدات الأعمال والمهن الأردني، الدكتورة ريم البغدادي، ارتفاع نسب البطالة من أكبر التحديات التي تواجه الأردن، ما يتطلب وضع حلول فعلية وليست تأجيلية لها.
واشارت إلى أن تجميد بعض قوانين العمل منعاً لتسريح العمال، فرض أعباء إضافية على الشركات والمصانع المتوقفة عن العمل جزئيا أو كليا، خاصة وأنها تعاني أصلا من نقص السيولة.
وبينت البغدادي أن حل مشكلة البطالة يتطلب صياغة سياسات، ووضع استراتيجيات استثمارية تتناسب مع طبيعة القطاعات الصناعية والتجارية، وتخفيف الأعباء المالية التي تتحملها الشركات، بهدف إعادة العجلة الإنتاجية لحركتها والحفاظ على العمالة وفرص التوظيف.
وبحسب دائرة الإحصاءات العامة فإن معدل البطالة ارتفع إلى 9ر23 بالمئة خلال الربع الثالث من العام الحالي، مقابل 1ر19 بالمئة لنفس الفترة من عام 2019.
وأكدت البغدادي ضرورة معالجة ما وصفته بالتشوهات الضريبية، خاصة الموجودة في ضريبة المبيعات، بهدف تحفيز القدرة الشرائية للمستهلك، مطالبة بتخفيض الرسوم الجمركية وتكاليف الطاقة، لتشجيع الاستثمار واستقطابه.
من جهته، دعا الخبير الاقتصادي وجدي مخامرة الحكومة الى اتخاذ اجراءات تعيد النمو الاقتصادي لمعدلاته الطبيعية، كتخفيض نسب الضرائب على القطاعات الواعدة، وتخفيض ضريبة المبيعات لتحفيز الاستهلاك المحلي، وتشجيع التصدير، ومحاربة التهرب الضريبي.
وبين أن الاستثمار في الاقتصاد المحلي للقطاعات الواعدة التي سيزيد الطلب على منتجاتها خلال الفترة المقبلة كقطاعات الادوية والمستلزمات الطبيبة والزراعة والقطاعات اللوجستية، أمر ضروري.
واشار مخامرة إلى ضرورة وضع خطة اقتصادية تقشفية لتخفيض النفقات الحكومية غير المبررة وتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص لإنشاء مشاريع بنية تحتية وإنتاجية ضخمة، تساعد في الحد من ارتفاع نسب البطالة.
وتوقع ان تواجه الحكومة تحديات باستقطاب المزيد من المساعدات الخارجية في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تعاني منها الدول، ما يعني ضرورة إيجاد آلية مختلفة لصرف هذه المساعدات بما يدعم تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة .
وطالب مخامرة باستحداث صناديق لدعم القطاعات الاقتصادية المتضررة من جائحة فيروس كورونا وتعزيز دور صندوق المعونة الوطنية لدعم الأسر التي فقدت وظائفها.
من جانبه، اكد الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور مروان الزعبي، أن مكافحة الفساد والمحسوبية والتهرب الضريبي الذي بلغ 149 مليون دينار في عام 2019، وتفعيل المساءلة يجب ان تكون أولوية خلال العام المقبل.
واشار الى أن الأولوية الأخرى هي تفعيل الحياة السياسية لنرى دورا أكبر للأحزاب على أرض الواقع مع تشجيع المواطنين على الانتساب لها، مؤكدا ضرورة ان تضع الأحزاب برامج اقتصادية توافقية مع مجموعة من الخبراء، للوصول للوضع الأكثر نجاعة اقتصاديا واجتماعيا.
ودعا الزعبي إلى الاستفادة من خبرات الكفاءات الأردنية من خلال تقلدها المناصب القيادية، مع ضرورة التوجه نحو القطاعات الحيوية ودعمها وحمايتها من المنافسة الخارجية.