متى تستحق الزوجة التعويض عن الطلاق التعسفي؟
هل يعتبر إجراء عقد زواج جديد بين المطلق والمطلقة دفعا صحيحاً لدعوى طلب التعويض عن الطلاق التعسفي؟
الضرر الذي وقع على المطلقة هو ضرر معنوي لا يرفع بعد وقوعه فيجبر بالتعويض
الطلاق البائن قبل الدخول والخلوة يأخذ حكم الطلاق البائن في استحقاق المطلقة تعسفا للتعويض
تضامن: مجرد زواج الرجل من مطلقته لا يسقط حقها في طلب التعويض عن طلاقه التعسفي السابق لها
مرايا – بتاريخ 18/6/2019 أصدرت المحكمة العليا الشرعية قراراُ بالأكثرية (27/2019) في نقطة قانونية تنطوي على أهمية عامة والتي تتمثل في مدى اعتبار عقد الزواج الجديد بين المطلق ومطلقته بعد حصول الطلاق البائن دفعاً لدعوى التعويض عن الطلاق التعسفي باعتباره قد جبر الضرر الواقع على المطلقة.
وتشيد جمعية معهد تضامن النساء الأردني “تضامن” بقرار المحكمة العليا الشرعية، وتضيف بأنه جاء نتيجة دعوى أقامتها سيدة للمطالبة بتعويض عن الطلاق التعسفي عام 2012، فيما دفع مطلقها بأنه راجع زوجته بمهر وعقد جديدين خلال عدتها الشرعية حيث جرى عقد الزواج بتاريخ 21/11/2010 في نفس اليوم الذي سجل فيه الطلاق الواقع بتاريخ 13/11/2010 لدى المحكمة أي بعد ثمانية أيام من وقوع الطلاق، وتم الدخول بينهما ثم أقام بعد ذلك دعوى تفريق للشقاق والنزاع وتم التفريق بينهما.
وبعد أن نظرت المحكمة الإبتدائية في القضية حكمت للسيدة بمبلغ 2700 دينار تعويض عن الطلاق التعسفي، وأيدت محكمة الإستئناف هذا الحكم، فطلب المحكوم ضده الإذن لتنظر المحكمة العليا الشرعية في هذه النقطة القانونية، وحصل عليه بتاريخ 24/1/2019 وحمل الرقم 238-16/2019.
وأشارت المحكمة العليا الى أن بيان الحكم في هذه المسألة يقتضي الرجوع إلى المادة 155 من قانون الأحوال الشخصية التي قررت مبدأ التعويض عن الطلاق التعسفي وفصلت بعض أحكامه والتي نصت على ما يلي:(إذا طلق الزوج زوجته تعسفا كأن طلقها لغير سبب معقول وطلبت من القاضي التعويض حكم لها على مطلقها بتعويض لا يقل عن نفقة سنة ولا يزيد على نفقة ثلاث سنوات ويراعى في فرضها حال الزوج يسرا وعسرا ويدفع جملة إذا كان الزوج موسرا وأقساطا إذا كان معسرا ولا يؤثر ذلك على حقوقها الأخرى).
وقد اعتمدت هذه المادة في تقريرها مبدأ التعويض عن الطلاق على اعتبار ما قرره جمهور الفقهاء من أن الأصل في الطلاق الحظر ولا يباح إلا لحاجة ، فإذا طلق الرجل زوجته من غير سبب معقول فيكون قد استعمل حقه لغير ما شرع له، وناقض قصد الشارع من تشريعه للطلاق ويكون بهذا الفعل قد تعسف في استعمال حقه. فإذا أساء الرجل استعمال حقه في الطلاق فطلق لغير حاجة تستدعي ذلك كان آثما عند الله ولكن طلاقه يعتبر واقعا رغم الاساءة في استعماله لأن ترتب الطلاق على اللفظ المنشئ له الصادر من أهله في محله من الأوضاع الشرعية التي لا يملك أحد تغييرها فيقع الطلاق مع لزوم الاثم ولكن لولي الأمر أن يفرض ما يشاء من العقوبة حبسا أو تغريما أو تعويضا على من أساء في استعمال هذا الحق.
وأضافت المحكمة بأن “الضرر المعنوي أو الأدبي بعد وقوعه لا يمكن ازالته ولما لم تكن ازالته ممكنة فيجبر ذلك تعويضه عن الضرر وهو ما اتجه إليه قانون الأحوال الشخصية الأردني ، ولا يمكن اعتبار زواج الرجل من مطلقته طلاقا بائنا رافعا للضرر، لأن الضرر الذي وقع عليها هو ضرر معنوي، والضرر المعنوي بعد وقوعه لا يرفع فيجبر بالتعويض.
ولو كان ضرر المطلقة يرفع بالزواج منها بعد الطلاق فإن مقتضى هذا القول أن الزوج إذا رغب بإزالة الضرر بالزواج منها ورفضت الزواج فإنها لا تستحق التعويض ، لأن بقاء الضرر واقع عليها بسبب منها ، ومؤدى هذا القول أيضا أن الزوجة إذا قبضت تعويضا عن الطلاق التعسفي ثم قبلت الزواج فمن حق المطلق استرداد التعويض وهذه النتيجة تخالف مبادئ العدالة ونظرية العقد؛ إذ إن حق التعويض قد تقرر بالطلاق البائن أو صيرورته بائنا كما تتقرر الحقوق بالطلاق البائن كالمهر المؤجل والذي لا يسقط بعودة المرأة إلى زوجها بعقد جديد ذلك أن العقد الجديد لا يسقط حق المرأة بمهرها المؤجل في عقد زواجها السابق فكذلك لا يسقط حقها بالتعويض عن الطلاق التعسفي بجامع أنهما حق قد تقر بالطلاق البائن أو صيرورته بائنا.
ولا يعتبر قبولها بالزواج من مطلقها اسقاطا لحقها بالتعويض عما لحقها من ضرر من طلاقه السابق ذلك أن التعويض عن الطلاق التعسفي هو حق مالي فهو من الحقوق التي فيها معنى التمليك وبالتالي فإن الإسقاط يحتاج لانعقاده إلى الإيجاب من قبل المسقط ( المطلقة ) باتفاق الفقهاء وحيث إن قبولها بالزواج ليس من ألفاظ الإيجاب المعتبرة للإسقاط ، فلا يعتبر قبولها بالزواج من مطلقها مسقطا لحقها بالتعويض هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فإن سكوت المرأة عن المطالبة بالتعويض لا يعتبر إيجابا بتنازلها عن التعويض مقابل زواجه منها ذلك أن السكوت على ما قررته المذكرة الايضاحية مظهر سلبي محض للتعبير عن الإرادة فالسكوت لا يعبر بطريق ايجابي عن أية ارادة ولهذا قيل : (لا ينسب لساكت قول) فالإيجاب لا يمكن استخلاصه من محض السكوت”.
متى تستحق الزوجة التعويض عن الطلاق التعسفي؟
وأجابت المحكمة على ذلك بقولها :”وإذا ثبت لنا أن زواج المرأة من مطلقها لا يعتبر جابرا للضرر ولا مسقطا له فيبقى علينا أن نقف على نوع الطلاق الذي تستحق المرأة بوقوعه عليها التعويض إن أوقعه الزوج ، ولما كان الطلاق ينقسم إلى رجعي وبائن، والبائن ينقسم إلى بائن بينونة صغرى وبائن بينونة كبرى ،ويقع الطلاق بعد الدخول بالزوجة ويقع قبل الدخول، والطلاق الذي يقع قبل الدخول قد يقع بعد الخلوة أو قبل الخلوة، وقد يقع بإرادة الزوج المنفردة وقد يقع بإرادة الزوجين وقد يقع تفريقا قضائيا ، ولما كان الطلاق الرجعي لا يزيل الزوجية في الحال، وتبقى أحكام الزوجية سارية على المرأة المطلقة رجعيا خلال عدتها، فقد استقر الفقه والقضاء على عدم استحقاق المطلقة رجعيا للتعويض خلال العدة وسبب ذلك أن الحياة الزوجية لم تنته بالطلاق لأن الطلاق الرجعي لا ينهي الملك ولا يحل العقد فالزوجية وأحكامها مستمرة، كما استقر الفقه والقضاء على عدم استحقاق المختلعة أو المطلقة مقابل الابراء للتعويض لأن الزوج لم يتعسف بايقاع الطلاق وقد وقع الطلاق باتفاق الارادتين كما استقر الفقه والقضاء على عدم استحقاق المطلقة بحكم القاضي للتعويض لأن الزوج لم يوقع الطلاق، وبناء على ذلك يمكن أن نستخلص علة التعويض عن الطلاق التعسفي بأنه الضرر الذي يقع على الزوجة من الطلاق البائن غير المسبب بسبب معقول الذي يوقعه الزوج بارادته المنفردة وتنهي به الحياة الزوجية”.
مجرد زواج الرجل من مطلقته لا يسقط حقها في طلب التعويض عن طلاقه التعسفي السابق لها
وجاء قرار المحكمة بأنه :” وبناء على ما سبق فإن ما استقر عليه وجدان هذه المحكمة أن مجرد زواج الرجل من مطلقته لا يسقط حقها في طلب التعويض عن طلاقه التعسفي السابق لها، ولا يعتبر هذا الزواج جابرا للضرر الذي لحقها من الطلاق وبالتالي لا يصلح اعتبار زواج الرجل بمطلقته دفعا لدعواها طلب التعويض عن الطلاق التعسفي، وأن الطلاق البائن قبل الدخول والخلوة يأخذ حكم الطلاق البائن في استحقاق المطلقة تعسفا للتعويض”.
منير إدعيبس – المدير التنفيذي
جمعية معهد تضامن النساء الأردني