مرايا – 46 يوم جمعة صادفت خلال 346 يومًا كانت أغلبها حظرًا شاملا، بدءا من 15 آذار العام الماضي وحتى اليوم، وكانت إجراءات السَّلامة العامة وتوفير لقاح هما الخياران الوحيدان أمام الأردن والعالم لوقف هجوم فيروس كورونا المستجد وطفراته المتحورة على حياة النَّاس.
وأكد خبراء أن حظر يوم الجمعة هو إجراء غير طبيعي للوصول إلى الوضع الطبيعي وعودة الوباء إلى الانحسار، مشيرين الى أن دولا عالمية كبيرة قرَّرت اللجوء إلى الحظر الجزئي أو الكلي لمنع الوصول إلى وضع وبائي حرج. علميًا وصحيًا يؤكد أخصائي الأمراض المعدية، الدكتور ضرار بلعاوي، لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أنَّ المعادلة في الحرب على الفيروس هي بالمسافة والزَّمن، وأنَّ البيانات التي تأتي تباعًا تُفيد بضرورة وفعالية الحظر بشكل عام.
وأوضح أنَّ الحظر الطويل الشَّامل مرهق جدًا على الدَّولة اقتصاديا واجتماعيا، والحظر الجزئي كذلك، لكن الحصول على نصف رغيف أفضل من عدم الحصول عليه كليًا، خاصة وأنَّ ظرفا صحيا كبيرا ومؤلما يجتاح العالم.
ولفت إلى أنَّ الحظر الشَّامل علميا هو أفضل استراتيجية لمواجهة كورونا، لكنه مرهق بكل النواحي، واللجوء إلى ثلاثة أيَّام أثره إيجابي في مكافحة الوباء، لكنه صعب على كل القطاعات، والخيار الأخير هو حظر يوم الجمعة وهو مؤثر جدا في هذه المواجهة، وهذا ليس كلاما اعتباطيا، بل هو من خلال تتبع البيانات الواردة اليه كأكاديمي مختص ومراقب للوضع الوبائي.
ونوه إلى أنَّه لا توجد حتى الآن دراسة علمية على أثر يوم الجمعة في المنحنى الوبائي، لكن الوصف الدقيق للبيانات التي تأتي بعد مخالطات يوم الجمعة بسبعة أيام تبين أنَّ القفزات في المنحنى الوبائي تدل بأنَّ الحظر يوم الجمعة فعَّال علميا وصحيا.
وقال، إنَّ الأسلحة المتوفرة اليوم هي اللقاحات لكن هناك شُحا كبيرا بها، ما يؤكد أهمية إجراءات السلامة العامة والتي يجب أن يلتزم بها السكان لأنها السبيل الوحيد للوصول إلى وضع وبائي غير خطير.
وبين أنَّ دولا عالمية كبيرة قرَّرت اللجوء إلى الحظر الجزئي ويوم الجمعة لمنع الوصول إلى وضع وبائي حرج يتسبب بالعودة إلى إغلاقات شاملة لأشهر طويلة.
على المستوى الاجتماعي، تبين أخصائية علم الاجتماع الدكتورة ميساء الرَّواشدة لـ (بترا)، أنَّ حظر الجمعة واجب، لأنَّ تجربتها الشَّخصية تبين أنَّ ركاب حافلة رحلات كاملة الأسبوع الماضي انتقل اليهم فيروس كورونا المستجد.
وأضافت، إنَّ الثابت للجميع عدم وجود التزام من قبل كثير من الناس، وهو الأمر الذي يجعل الوباء يسرح ويمرح بين الأردنيين، ولذلك فإن حظر يوم الجمعة وأيضا السبت في حال توسيعه يقطع الطَّريق على التجمعات التي تحتاج إلى التزام ذاتي أولا ولأنها الضامن لصحة الانسان أولا وأخيرا.
وأكدت أنَّ الحديث عن اكتئاب وضجر وتعب من حظر يوم الجمعة ربما كان دقيقا بدايات الوباء لكنه اليوم بعيد جدا عن المنطقية العلمية والبحثية، لأنَّ العائلات كوَّنت طرقا للتعامل مع الجلوس الطويل الامد في المنازل أو العمل عن بعد.
ولفتت إلى انَّ أزمة الفيروس غيرت كثيرا من المظاهر الاجتماعية المرهقة اقتصاديا واجتماعيا على حياة العائلات، منها اختصار الأفراح وتكاليفها، والعمل عن بُعد الذي اختصر صرف الوقود للمركبات والتنقل من وإلى العمل، وكانت الشعبة في قاعات التعليم الوجاهي تصل الى 60 طالبا لكنها اليوم تبث التعلم عن بعد لـ 160 طالبا.
وأكدت انَّ حظر يوم الجمعة يمنع الرَّحلات التي يختلط بها كثيرون في كل مكان، وفي أماكن التسوق وغيرها، وهو من باب قطع سلسلة العدوى التي تبحث عمن يوقفها والتي تحتاج إلى الوعي.
وبينت أنَّ القرارات الحكومية قد تكون متخبطة بسبب المنحنى الوبائي غير الثابت وأيضا لحرصها على استدامة الاقتصاد وديمومة العمل، مشيرة الى أنّ انتشار نظرية المؤامرة يتسبب بعدم الالتزام بإجراءات السلامة العامة ولبس الكمامة.
ونوهت إلى ضرورة اللجوء إلى الحظر الذكي بمنع التسوق وجاهيا واستبداله بالتوصيل الى المنازل، وبما يشغل المتعطلين عن العمل وبالتالي استمرار دوران الاقتصاد.
قانونيًا، تشير الخبيرة القانونية الدكتورة نهلا المومني لـ “لبترا”، إلى أنَّ حظر يوم الجمعة يتم تقييمه من جانبين، المعايير الوطنية والدولية، حيث أجازت المادة الرابعة من العهد الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية للدول في حالة الطوارئ اتخاذ الإجراءات اللازمة ومنها ما يقيد حقوق الإنسان أو يعطلها أحيانا، وفي مقدمة هذه الحقوق الحق في التنقل وممارسة بعض الشعائر الدينية ومغادرة البلاد أو عدم مغادرتها.
وأكدت أنَّ هذا التعطيل يصب في مصلحة أعلى تهدف لحماية حق الإنسان في الصِّحة والعيش حتى مع وضع قيد على حق العمل أو الاقتصاد، وفي القانون الوطني الساري الآن وهو قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992 أشار بشكل صريح في المادة 4 إلى أنَّ لرئيس الوزراء ممارسة بعض الصلاحيات التي قد تشكل قيودا على حق الأفراد في التنقل والاجتماع والإقامة.
وبينت أنَّ القانون يُعطي الدولة الحق في تقييد بعض الحقوق لحماية حق أهم وأعلى.
وأكدت أن جائحة كورونا اليوم هي أحد الأسباب الموضوعية والواقعية لفرض حالة طوارئ وإجراءات مشروطة زمانيا وموضوعيا وقانونيا، لافتة الى أن عودة الموجة الجديدة تشكل سببا موضوعيا لفرض الحظر والقيود المرافقة له، خاصة اذا كان هناك توصية من اللجنة الصحية المعنية بالدولة.
ولفتت إلى أنَّ حظر الجمعة لا يعني أن لا يكون هناك بدائل للأفراد بمعنى أن المتضررين من هذا الحظر يتم تعويضهم ودراسة حالاتهم بشكل واقعي قدر الإمكان لخلق حالة توازن.
وأشارت الى أن حظر يوم الجمعة هو إجراء غير طبيعي للوصول إلى الوضع الطبيعي وعودة الوباء إلى الانحسار، وخلاصة القول أن هذا الإجراء على أرض الواقع يتوافق مع الدستور الأردني ومعايير حقوق الإنسان.
وبينت أن هناك دولا اتخذت إجراءات أقسى ولجأت إلى الإغلاق العام لثلاثة أشهر لكسر سلسلة العدوى، وكانت إجراءاتها أصعب بشكل كبير من حظر يوم واحد وتقوم بتعويض خسائر الأشخاص المتضررين من هذا الظرف الصحي الصعب. وتشير بيانات مديرية الأمن العام إلى مخالفة عدد كبير من الأشخاص غير الملتزمين بإجراءات السلامة العامة من لبس للكمامة والتباعد الجسدي، وهي من الإجراءات التي يتخذها الأردن لحث الأشخاص على المساهمة في وقف انتشار الفيروس في المجتمع.
وبدأت سلالة جديدة من فيروس كورونا المتحور تنتشر في المملكة خلال الأسابيع الماضية والتي تتصف بسرعة الانتقال بين الأشخاص، ومع فك الحظر عن يوم الجمعة وتخفيف الإجراءات أخذ المنحنى الوبائي بالارتفاع في الأيام الماضية بشكل لافت.