لم يكن يتوقع الشاب صهيب المحافظة ذو الـ22 عاما أثناء نهوضه للوضوء وتأدية صلاة الظهر في يوم الجمعة الذي كان كأي يوم جمعة آخر بالنسبة له، و بحركة سريعة منه للالتحاق بالصلاة، أنه سيقع على قدمه دون قصد ما تسبب بكسر في كاحله الأيسر بعدما أسرع به زملاؤه إلى أقرب مستشفى.
إلا أن حالة صهيب الصحية تدهورت منذ اللحظة الأولى لدخوله إلى أحد مستشفيات منطقته في إربد، حيث لم يتم تشخيص حالته الطبيه إلا بعد مكوثه لأيام معدودة داخل المستشفى دون إبداء أي أسباب حقيقية لتأخر علاجه، ليصدر بعد فحصه من قبل الطبيب المسؤول عن حالته المرضية قرار إجراء عملية لقدمه وإدخال “أسياخ” في كاحله مدعمه لتصحيح عظام القدم.
وبعد إجراء العملية التي من المفترض أنها ستساعده على النهوض من جديد على قدميه والعودة إلى حياته الطبيعية وممارسة مهنته “مصفف شعر” والتي هي باب الرزق الوحيد له ولعائلته كونه المعيل لأمه وأبيه وأخته التي تنتظر على أبواب الجامعة لاستكمال دراستها، أفاق صهيب على ما لم يكن في الحسبان بعدما أصر الطبيب على تجبير قدمه بعد العملية مباشرة، ما أدى إلى تخثر الدم وانسداد الأورده، مما تسبب بجلطة في قدمه.
“ساق منتفخه ولونها مائل للأسود كأنها فقدت الحياة وألم لا يحتمل”، هكذا وصف صهيب ساقه آنذاك، ولم يكتف الطبيب المشرف وإدارة المستشفى بهذا القدر مما يعتقد أنها أخطاء طبية، بل أصر الطبيب على إقرار عملية أخرى لقدمه بعد مرور شهور على العملية الأولى مصطحبة معها الالم اللامتناهي في الليل والنهار والتعطل والفقر والبطالة التي أصابت عائلة صهيب على أثر الحادث.
تم إدخال صهيب إلى المستشفى مرة أخرى وقام الطبيب بتحضيره نفسيا لنتائج العملية الثانية التي لم يكن أحد قادر على توقعها. واستذكر صهيب أحداث ذلك اليوم بالتفصيل، قائلا “تم تحضيري للعملية الثانية بعد مكوثي في ممرات الطوارئ أكثر من 5 ساعات ولم يحرك أحدهم ساكنا للوجع الذي كنت أشعر به آنذاك”. وبعدما جاء الفرج وتم إنزاله إلى طبيب التخدير رفض الطبيب تخديره بعد الاطلاع على سجلاته الطبية واكتشاف أن حالة صهيب لا تحتمل عملية أخرى قد توصله إلى باب ثلاجة الموتى بسبب ضعف في عضلة القلب!
أصيب صهيب بجلطة ثانية في قدمه ذاتها، وعند مراجعته للطبيب المسؤول أجابه، بأن وضعه الصحي سيبقى على ما هو عليه إلى آخر يوم في حياته، لأن “الخطأ الطبي الذي حصل في قدمه لا يمكن معالجته من جديد”، وكحال أي مريض يرجو النجاة بأي وسيلة ليعود إلى حياته كسابق عهدها لجأ إلى أطباء آخرين في مستشفيات أخرى، لكنهم رفضوا مساعدته بحجة “لا أستطيع إصلاح ما أفسده غيري!”.
وإلى اليوم صهيب حاله كحال الكثيرين الذين تعرضو لأخطاء طبية ووضعت سجلاتهم المرضية داخل الأدراج المعتمة التي تسجل يوميا تحت عناوين ومبررات عدة “تتسلح” بها مستشفيات القطاع العام، ويختبئ خلفها الأطباء لتبرير مثل هذه الحالات.
وسبق قررت وزارة الصحة سحب مشروع القانون المساءلة الطبية من أدراج رئاسة الوزراء في حزيران (يونيو)العام 2009 لغاية إعادة صياغة بعض مواده، إلا أنه إلى اليوم لم يأخذ مشروع القانون مراحله الأخيرة، ولا يوجد أي نص قانوني يعالج قضايا الأخطاء الطبية، حسب ما يقول رئيس مجلس أمناء المجلس الوطني لحقوق الإنسان رحيل الغرايبة.
وأشار الغرايبة إلى ضرورة وجود تشريعات قانونية تضمن في حال التقصير والأخطاء الطبية الحق في الشروع بالملاحقة القضائية أمام الجهات القضائية المختصة بالاستناد إلى التشريعات الجزائية والمدنية رغم وجود توجهات للحصانة، إلا أن التشريعات تفرض واقعا قانونيا لا يجوز المساس به، إضافة إلى الاتفاقيات الدولية الأساسية التي صادقت عليها الحكومة الأردنية.
وشدد على أن الرقابة على المؤسسات الصحية من مهام وزارة الصحة التي يجب أن تستمر بها بشكل دوري وحثيث، خصوصا وأن الرقابة على هذه المؤسسات تعتبر ضعيفة في نظر بعض الحقوقين، لافتا إلى أهمية الرقابة التي بدورها تستطيع ضبط الأخطاء والمشاكل المزمنة التي قد تؤدي إلى فقدان الانسان لحياته أو تؤدي إلى مشاكل مزمنة يصعب شفاؤها.
والحق في الصحة وتوفير أفضل درجة رعاية صحية ممكنة، أصيل ووارد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والكثير من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي انضم الاردن إليها، فيما تدخل الأخطاء الطبية، حال ثبوتها ضمن أبواب وأشكال انتهاك هذا الحق.
محامون يرفضون تولي قضايا الأخطاء الطبية
تنص المادة 4 من قانون المسؤولية الطبية والصحية لسنة 2018 في القانون الأردني على انه”تحدد المسؤولية الطبية والصحية بناء على مدى التزام مقدم الخدمة، ومكان تقديمها بالقواعد المهنية ذات العلاقة ويدخل في تحديدها مكان تقديم الخدمة والمعايير الخاصة بها والعوامل والظروف التي تسبق أو تتزامن أو تتبع عمل مقدم الخدمة والإجراءات الطبية أو الصحية المقدمة لمتلقي الخدمة”.
وتنص المادة 5 من القانون نفسه “يجب على مقدم الخدمة تأدية عمله وفقا لما تقتضيه اخلاقيات المهنة ودقتها وأمانتها ووفقا للأصول العلمية المتعارف عليها، وبما يحقق العناية اللازمة للمريض وعدم استغلال حاجته لغرض تحقيق منفعة غير مشروعة لنفسه أو لغيره ومن دون تمييز بين المرضى والالتزام بالتشريعات المعمول بها”.
“لا يمكن توقيف أي طبيب أو معاقبته إلا في حال ثبت ارتكابه للخطأ الطبي بشكل واضح وصريح” هذا ما أشار اليه المحامي صائب عركوش، بالاستناد إلى ما هو وارد في القانون الأردني، لافتا إلى أنه من الصعب جدا في مثل هذه القضايا أن يتم إيجاد دليل قوي يثبت إدانة الطبيب على ارتكابه خطأ طبي. وأضاف أن قضايا الأخطاء الطبية لها الكثير من المبررات التي تحمي الطبيب من المساءلة القانونية كالعديد من العوامل التي تسبب الخطأ الطبي كنواقص بعض المستشفيات من اللوازم الطبية والكادر المرافق للطبيب أثناء العملية، واضافة إلى المضاعفات الطبية التي قد تحدث للمريض أثناء أو بعد العملية مما يشكل صعوبة في تحديد المتهم في مثل هذه القضايا.
وبين عركوش أنه في حال ثبت الخطأ الطبي على الطبيب نفسه في المحكمة سيحكم الطبيب حسبما يتناسب مع نوع القضية ومدى تأثر المريض وتعطل أي جزء من أجزاء جسمه ويحكم عليه بتعويض المريض ماديا، أما في بعض القضايا الأخرى التي يتشارك الخطأ كل من الطبيب والمستشفى فينقسم التعويض بينهما الا أن الحصة الأكبر تكون من نصيب الطبيب ليعوض مريضه عن الخطأ الناتج، مؤكدا أن هناك بعض القضايا قد تسببت في إغلاق المستشفى المعني بعد إثبات تورطها.
وفسر عركوش أسباب عدم قبول بعض المحامين باستلام قضايا تختص في جانب الأخطاء الطبية بأن هذا النوع من القضايا يتطلب الكثير من الوقت والجهد، اضافة إلى أن حكمها ليس مضمونا بتاتا، وفي نهاية المطاف تذهب هذه القضايا بين أدراج المحاكم لفترات زمنية طويلة وغالبا ما تنتهي بحكم عدم مسؤولية أو مضاعفات أو أية أسباب أخرى تبرىء الطبيب أو المستشفى، بسبب صعوبة الاثبات.
وأكد أن نسبة القضايا التي تثبت إدانة الطبيب ويتم حكمه تتراوح بين 5 % إلى 10 % فقط في المحاكم الأردنية، وهذا يعتبر سبب وجيها آخر يمنع المحامين من استلام قضايا الأخطاء الطبية لعدم القدرة على تثبيت الاتهامات على مرتكبيها.
أطباء: ليس سهلا التفريق بين الأخطاء والمضاعفات
وأكد الطبيب حازم القرالة من جهته، ضرورة توفر الوعي والمعرفة الكافية للتفريق بين الأخطاء الطبية والمضاعفات الطبية التي تحدث للمريض بعد العملية، التي تنتج بسبب عدم تقبل الجسم أو مقاومته لبعض الالتهابات أو حدوث نزيف داخلي.
ويضيف القرالة “في الأردن يوجد 30 ألف طبيب وهذا العدد بالنسبة للمستشفيات الأردنية يعد شحيحا جدا وغير كاف، فعلى سبيل المثال مستشفى البشير يجري في اليوم 100 عملية أي 3000 عملية في الشهر وهذا يعد ضغطا هائلا من العمل على الكادر الطبي، لذا قد يحدث ما يسمى ببعض الأخطاء الطبية غير المقصودة بسبب الإرهاق والتعب الذي يعيشه الكادر وتبقى الأخطاء إلى اليوم ضمن المعدل الطبيعي”.
ويشير إلى أنه يجب التمييز في حالة حدوث الخطأ الطبي أن الطبيب ليس المسؤول الوحيد، بل هناك عدة أطراف قد تكون السبب في حدوث الخطأ، كالكادر الطبي الذين يساعدون الطبيب أثناء العملية وحداثة الأدوات الطبية في المستشفى، فجميعها أسباب قد تسهم في حدوث بعض الأخطاء الطبية.
وبين القرالة أن هناك الكثير من الشائعات التي تسبب في إحراج مستشفيات أردنية لها تاريخها وسجلت كخطأ طبي في سجلات أطبائها وتاريخها على الصعيد المحلي والدولي والذي بالتأكيد يؤثر على سمعة السياحة العلاجية في الأردن إلا أنها مجرد شائعه لم يتم التحقق منها قبل تناقلها، مشيرا إلى موقف قد تعرض له شخصيا ” إحدى الشائعات غير المنطقية التي انتشرت قبل سنة أو سنتين أن طبيبا نسي هاتفه داخل معدة مريضة والقصة الحقيقية أنها إحدى مرضاي التي ذهبت لفصحها كانت تتحدث في الهاتف فطلبت منها ترك الهاتف جانبا إلا أنها وضعته في جيبها وأستدعت حالتها الصحية أن تقوم بصورة أشعة وتم تحويلها للقسم المختص وتصويرها وفي جيبها الهاتف المحمول الخاص بها فظهرت في الصورة وانتشرت الشائعة دون العودة للكادر الطبي للتأكد من الحادثة”.
وفيما يتعلق بشكوى بعض المحامين من استلام القضايا التي تختص في مجال الأخطاء الطبية، قال ان كثيرا من الاخطاء الطبية أثبتت إدانة الطبيب وبدوره قام بتقديم تعويضات للمريض عوضا عن الخطأ الذي نتج عنه، مؤكدا أن بعض المحامين لديهم أهداف مادية ولا يستلموا أي قضايا إلا في حال كان متأكدا من فوزه الساحق في القضية وتحصيل أتعابه على أكمل وجه.

الغد-رنيم الصقر