مرايا – نظم مركز القدس للدراسات السياسية مائدة مستديرة (هجينة) بعنوان “تحديات السيطرة على الوضع الوبائي والنهوض بالقطاع الصحي”، بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور.

شارك في أعمال المادة المستديرة نخبة من أعضاء مجلس النواب، والمسؤولين الحكوميين، وممثلي جمعيات ونقابات ذات صلة بالقطاع الصحي ومواجهة وباء كوفيد-19.

واستهدفت المائدة المستديرة إبراز الحاجة إلى إطلاق أوسع عملية حوار وطني، حول سبل السيطرة على الحالة الوبائية والنهوض بالقطاع الصحي، لاستنفاذ كافة الفرص الممكنة لإنجاز هذه المهمة، في أسرع وقت متاح، وتشخيص التحديات التي تجابه الأردن على هذا الصعيد، وكيف يمكن التغلب عليها، ومتى وبأي أدوات وسياسات وبرامج، فالقطاع الصحي هو خط الدفاع الأول لمواجهة الجائحة والقضاء عليها، اضافة إلى الحاجة لإشراك كافة مؤسسات الدولة، كل بنصيبها، ووفقاً لتفويضها الدستوري، في العمل على إنجاز هذه المهمة.

وفي الجلسة الافتتاحية قال عريب الرنتاوي مدير عام مركز القدس، إنه من بين المصاعب والتحديات التي تواجه الأردن تبرز مهمة مجابهة جائحة كورونا بوصفها المهمة الأولى والمعركة الأهم التي يخوضها الأردنيون والأردنيات، والتي يتعين الظفر بها بأقل الخسائر، فعدد الإصابات بلغ حوالي 600 آلاف إصابة، وعدد الوفيات بلغ 6374 وفاة، وهذا يفوق ربما خسائرنا في كل الحروب التي خضناها، واستحضر الشعار القديم مطوراً ” لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ضد الجائحة”.

وتساءل الرنتاوي: ماذا ينتظرنا في قادمات الأيام؟ هل من خط واضح يمكن بوصولنا إليه أن نقول إننا تخطينا العتبة الأهم في هذه المواجهة؟ ما هي الخطط الأهم في مجال اللقاح، وتأمينه واستخدامه، وتطعيم معظم الأردنيين، حتى نضمن السلامة المجتمعية؟ وهل توصلنا إلى حل الموازنة الدقيقة بين الاقتصادي والصحي؟

ثم تحدث ادموند راتكا الممثل المقيم لمؤسسة كونراد أديناور في عمّان، وعرّف بمؤسسته التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، كمؤسسة مستقلة تابعة للحزب الديمقراطي المسيحي، والتي تسترشد بقناعة الآباء المؤسسين بأن الديمقراطية المزدهرة بحاجة إلى ديمقراطيين. وقال إن العام الأخير في ظل وباء كورونا هو عام استثنائي مرّ على بلدنا وبلدكم والعالم. وأكدّ على أهمية موضوع المطاعيم، وإلى الاحتياجات الصحية والاقتصادية والتعليمية التي تمثل تحدياً كبيراً لنا جميعاً. وأضاف بأن هذا الوباء علمنا أهمية التعاون الدولي، مشيداً بالتعاون بين ألمانيا والأردن.

وفي تقديمها للمتحدثين، أشارت البرلمانية دينا البشير مساعدة رئيس مجلس النواب، والتي أدارت أعمال المائدة المستديرة، إلى تبعات الجائحة على القطاع الصحي، وكذلك على القطاعات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية وغيرها. ودعت إل تبني استراتيجية واضحة في مجابهة الجائحة، ورفع القدرات الصحية للمملكة.

واستهل الدكتور سعد الخرابشة وزير الصحة الأسبق ورئيس لجنة تقييم الوضع الوبائي، أعمال المائدة المستديرة بتقديم عرض حول تقييم الوضع الوبائي استعرض فيه توزيع الإصابات والوفيات ونسب الإماتة الكلية وعينات الـبي سي آر ومعدلات الفحوص الإيجابية حسب الأشهر.

وأوضح أن المنحى الوبائي حتى الأسبوع 12 سجل 56 ألف حالة، لافتاً إلى أن الموجة الأولى التي أصابتنا استمرت 17 أسبوعاً وكانت ذروتها في 20 تشرين الثاني الماضي، حيث سجلنا 38 ألف حالة. أما الموجة الحالية التي بدأت في الأسبوع الخامس من هذا العام، بدأت بسرعة أكبر من الأولى، ولا يبدو أننا وصلنا إلى الذروة بعد.

وشرح الخرابشة أن المؤشر الأكثر أهمية لتطور الحالة الوبائية ليس هو الأرقام المطلقة الأسبوعية، بل هو نسبة الفحوص الإيجابية.

ومن بين المؤشرات الأخرى التي تناولها الخرابشة، توزيع الوفيات حسب الفئات العمرية، والتي بيّن فيها أن نسبة الإماتة هي 11% لمصابي كورونا في المستشفيات، وأن معظم الوفيات تندرج ضمن الفئة العمرية فوق سن الـ 65 سنة بنسبة 64.5%، فيما تبلغ نسبة الوفيات للفئة العمرية دون 35 سنة 2.5%. وفي تعقيبه على عدد من الأسئلة، أشار إلى أن عدد المصابين الكلي في الأردن قد يكون بلغ ثلاثة ملايين شخص، وأن اكتساب الأردن المناعة المجتمعية بنسبة 70 إلى 80% يحتاج ربما إلى عامين.

وأشار العين د. ياسين الحسبان رئيس لجنة الصحة في مجلس الأعيان إلى أنهم اطلعوا منذ تشكيل اللجنة في اجتماع مع وزير الصحة ومسؤول الملف الوبائي على مستجدات الوضع الوبائي وإمكانات القطاع الصحي لمجابهته، وأضاف بأنه قُدّمت كثير من النصائح، لكنه لم يؤخذ بها. وذكّر بأن لجنة الصحة قدّمت عام 2013 توصيات لإصلاح القطاع الصحي أخذت بالاعتبار أن هذا القطاع الذي يتكون من سبع جهات مبعثر، لا يعمل بتنسيق ضمن مظلة وطنية، وهذا ما تم لمسه أيضاً خلال الجائحة.

ودعا الحسبان إلى إصلاح المنظومة الصحية الأولية بما يوفر نظام تحويل موحد وصارم إلى المستشفيات، لافتاً إلى وجود مشكلة مزدوجة حالياً تتعلق بالوباء من ناحية، وبالأمراض المزمنة من ناحية أخرى. وشدّد على وجوب توحيد صناديق التأمين المتعددة في صندوق وطني للتأمين. وأضاف بأن لجنة الصحة، قدّمت خطة في عهد الحكومة السابقة لإصلاح القطاع الصحي بما يكفل حصول كل مواطن على الخدمة الصحية بعدالة.

شرح د. الحجاوي عضو اللجنة الوطنية لمكافحة الأوبئة في وزارة الصحة كيف أننا دخلنا الموجة الثانية من الوباء مع طفرة السلالة البريطانية الأشد انتشاراً وفتكاً. وكيف أن التقصي الوبائي لا يستطيع أن يصل إلى كل الناس المصابين، أو معرفة مصدر عدواهم، ولهذا نتطلع إلى دور اللقاحات، ويسمح قانون الصحة العامة بتطبيق إلزامية التطعيم، لكن المشكلة أنها غير كافية حتى على المستوى الدولي.

وبين أن المؤشر الأهم لمراقبة الوضع الوبائي هو كتوسط نسبة الفحوص الإيجابية والذي يراوج الآن حول 18.7%، لافتاً إلى أننا لم نصل إلى الذروة بعد، لكننا على أبوابها.

وأوضح الحجاوي أن الموجة الوبائية الثانية سيئة، حيث سجلنا فيها 56 ألف إصابة في كل من الأسبوعين الأخيرين، لافتاً إلى أن هذه الموجة تتميز بارتفاع أرقام الوفيات، حيث وصلنا إلى 673 حالة في الأسبوع مقارنة مع 498 في ذروة الموجة السابقة. وشكا الحجاوي من تعدد المرجعيات، ما يفقدنا السيطرة على الوضع، وهذا يحتاج إلى أعلى درجات التنسيق لمتابعة كل التطورات ومنها انتشار الوباء في كل المحافظات. وشدّد الحجاوي على أهمية الالتزام بأوامر الدفاع ذات الصلة بالسلامة العامة، وأن ذلك يسمح بفتح المؤسسات، ومعاقبة المخالفين. ودعا إلى تغيير جدي في السلوكيات، لا سيما أننا مقبلون على فترة حرجة في شهر رمضان المبارك وعيد الفطر.

واستعرض د. محمد رسول الطراونة نائب رئيس لجنة ممارسة مهام وصلاحيات نقابة الأطباء، الجهود التي بذلها الأطباء منذ بداية انتشار الوباء، حيث كانوا موجودين في كل المواقع والمحطات بدءاً من مرافقة الطائرة التي أعادت الطلبة الأردنيين والعرب من مدينة أوهان الصينية، ومتابعة مناطق العزل في الفنادق بإجراء مختلف الفحوص الاحترازية للآلاف من القادمين من الخارج. لافتاً إلى أنه عند بلوغ الذروة، تم تعديل برنامج دوام الأطباء، حيث أصبح الدوام في القطاع العام متواصلاً، حتى أن الشعار الذي أصبح متداولاً بين الأطباء هو “لا وقت للنوم”. مع كل ما ينطوي عليه ذلك من معاناة في ظل نقص الكوادر، والاحترازات للوقاية من العدوى، حتى أن كثيراً من الأطباء فرضوا على أنفسهم مبكراً العزل بعدم العودة إلى بيوتهم وأهلهم. وأشار الطراونة إلى أن العبء الواقع على الأطباء يشمل العاملين منهم في القطاعين العام والخاص، معتبراً أنهم الركيزة الأساسية والعمود الفقري للمنظومة الصحية لتجاوز الجائحة، مذكراً بتضحياتهم حيث يعملون في خطوط المواجهة الأولى مع المرض، ما أوقع في صفوفهم مئات الإصابات، وتقديم 42 شهيداً.

بدوره، تحدث النائب عمر عياصرة عضو لجنة التوجيه الوطني والإعلام عن دور مجلس النواب في مواجهة تداعيات الجائحة، فأكد أن الإعلام يشكل تحدياً أكثر مما هو عاملاً من عوامل السيطرة، وأنه في مجلس النواب لا يوجد استراتيجية لكيفية التعامل مع الإعلام الأردني، واصفاً أداء الإعلام بالحالة الفوضوية والتأثر بالشعبوية إزاء ما يبرز على وسائط التواصل الاجتماعي. ففي المرحلة الأولى كان على الإعلام أن يعطي المجال للجانب الاقتصادي للتعبير عن احتياجاته في ظل محدودية الإصابات، لكن الصحي سيطر على المشهد.

وأضاف بأننا نرى الآن أن الجانب الصحي. رغم ارتفاع الإصابات والوفيات، يغيب عن الإعلام. حيث أشار أن الأزمة مركبة، لكن ما يظهر الآن هو الاقتصادي والسياسي. وهذا ينطبق على الإعلام الرسمي والأهلي. واستخلص أن الإعلام لم يتمكن من تقديم مقاربة لأداء متوازن بين الصحي والاقتصادي. ورجّع أن يبقى فوضوياً ما دام أنه يعمل بردة فعل على ما يجري في وقت كان يجب أن يستعيد دوره الموضوعي بعيداً عن الضاغط الشعبي، وبنظرة للأشياء من موقعها كمهمات وطنية، لافتاً أن الإعلام يتعامل بردة فعل مع ما يجري، داعياً إلى أن يستعيد الإعلام دوره بعيداً عن الضاغط الشعبي.

وتحدثت د. وصال الهقيش، مساعدة مدير عام المؤسسة العامة للغذاء والدواء عن دور المؤسسة في إجازة المطاعيم ضد فيروس كوفيد 19 وطمأنة المجتمع على أمانها وفعاليتها، فأوضحت أن المؤسسة مسؤولة أصلاً عن إجازة الدواء، وأنها سعت أن تكون جاهزة للقيام بدورها منذ بداية الجائحة. كما بينت أن المؤسسة أصدرت تعليمات خاصة بإجازة المطاعيم. وأضافت بأن المؤسسة درست المخاطر المحتملة ولذلك وضعت معايير لذلك، آخذين بالاعتبار الفئات المستهدفة.

وأكدت الهقيش أن لم يتم إجازة أي مطعوم إلا بعد استيفاء الشروط الموضوعة بما يكفل أن يكون فعالاً وسليماً وأمناً. وشرحت كيف أن المؤسسة تتابع رصد الآثار الجانبية للمطاعيم. وذكرت أن وضع المعايير لإجازة المطاعيم قد سهل التعامل مع الشركات الأجنبية، وأن المؤسسة بصدد وضع تعليمات خاصة للسماح للقطاع الخاص باستيراد المطاعيم.

من جانبه تحدث نائب رئيس جمعية المستشفيات الخاصة د. نائل زيدان، عن دور المستشفيات الخاصة في التصدي لجائحة كورونا، فاشار إلى الاتفاقية التي وقعتها وزارة الصحة مع مجموعة من المستشفيات لتخصيص 1150 سريراً من بينها 150 سريراً للعناية الحثيثة، حيث شارك بالاتفاقية في ذلك الوقت 24 مستشفى خاصاً، وفق ما أوضح زيدان.

وتطرق زيدان للتحديات التي تواجه المستشفيات الخاصة ومنها استنزاف القطاع الخاص من الكوادر المدربة، والاستعاضة عنها بحديثي التخرج، وارتفاع أسعار المستلزمات والمواد المستخدمة في علاج مرضى كورونا، وكذلك مستلزمات الوقاية، وارتفاع تكلفة العلاج نتيجة الضرائب المرتفعة على المستلزمات والعلاجات.

ودعا زيدان إلى إصدار أمر دفاع لضبط عمليات بيع وتزويد الأكسجين في ظل ما تتعرض له المستشفيات الخاصة مما أسماه ابتزاز الشركات، كما طالب بإيجاد شراكة حقيقة مع القطاع الخاص، وتوفير الدعم الحكومي للمستشفيات الخاصة لتكون لاعباً في التصدي لوباء كورونا، والإسراع في دفع مستحقات المستشفيات لدى إدارة التأمين الصحي الحكومي.

وقالت البرلمانية الدكتورة صفاء المومني إن معاناة النساء خلال الجائحة كبيرة، وبخاصة الأمهات العاملات منهن في القطاع الخاص، حيث لم تُطبق عليهن أوامر الدفاع التي استفادت منها النساء في القطاع العام. فبالإضافة إلى يوم العمل الطويل، فإنهن لا يجدن حلولاً بسهولة لرعاية أبنائهن من مختلف الأعمار، كما يتحملن أعباء إضافية تتعلق بمختلف أشكال التعليم عن بعد سواء كان الأبناء من طلبة المدارس الحكومية أو الخاصة. وقد ترتب على ذلك، اضطرار العديد من النساء إلى ترك العمل، هذا إذا لم يكن قد فرض عليهن ذلك.

وفي تعقيب لجهاد المعاني نقيب تجار المواد الطبية والعلمية والمخبرية، أوضح أن هناك منافسة عالمية على استيراد الأجهزة الطبية، ولذلك يعاني هذا القطاع في الأردن من صعوبات جمة في الحصول على سلسلة التوريد، وهو بحاجة إلى تسهيلات مالية تقدمها الحكومة.