مرايا – مع دخول المملكة مئويتها الثانية، يستذكر الأردنيون 100 عام مرت بعزيمة وإصرار، وبرغم التحديات إلا أن مملكتنا الحبيبة استطاعت أن تتجاوز كل تلك التحديات، وتسطر قصص نجاحٍ تجاوزت حدود الإقليم ووصلت إلى العالمية، ولعل أبرزها “الجمعية الملكية لحماية الطبيعة”.

بدأ أولى فصول الجمعية في العام 1966، حين عكف مجموعة من الرعيل الأول من الغيارى ومحبي الوطن والبيئة، على تأسيس الجمعية، ليكتبوا أولى السطور على صفحاتها التي امتدت اليوم إلى 54 عاماً.

منذ اليوم الأول لتأسيسها، حظيت الجمعية بدعم لا متناهٍ من جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه، فكانت زياراته المتكررة للمحميات وخاصة في ذلك الوقت محميتي الشومري وضانا، برفقة أصحاب السمو الأمراء يتقدمهم جلالة الملك عبد الله الثاني حين كان أميراً، الداعم الأهم للمحميات والقائمين عليها، وشكلت هذه الزيارات الملكية دفعة معنوية ورسالة مفادها بأن حماية الطبيعة تحظى بالرعاية الملكية السامية.

وتحظى الجمعية بتفويض من الحكومة الأردنية الجمعية للقيام بمسؤولية حماية الحياة البرية والتنوع الحيوي وإدارة المحميات في كافة مناطق المملكة، وتعتبر الجمعية من أولى المؤسسات التي تتمتع بهذا التفويض على مستوى المنطقة.

ومع توالي النجاحات وتأسيس المحميات، دخلت الجمعية في العام 1984 كتاب غينيس للأرقام القياسية لأول مرة لتحقيقها أكبر قطيع من المها العربي على المستوى العالمي في ذلك الوقت.

ولم يكن العام 1984 الوحيد الذي شهد دخول الجمعية في كتاب غينيس للأرقام القياسية حيث شهد العام 2018 دخول الجمعية لموسوعة غينيس مجدداً مـن خلال تشـكيل أكبر مسطح شمع بالعالم يحمل شعار ساعة الأرض +60 احتفالا بالفعالية العالمية ساعة الأرض.

وتوجت الجمعية جهودها الوطنية في العام 1996 حيث أنعم المرحوم – بإذن الله – جلالة الملك الحسين على الجمعية الملكية لحماية الطبيعة بتكريمها بوسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى تقديراً لجهودها في حماية الطبيعة.

يعود رئيس مجلس إدارة الجمعية الملكية لحماية الطبيعة خالد الإيراني، وهو أحد رواد الجمعية الأوائل ممن عاصروا عهدين من الدعم الملكي للجمعية، بالذاكرة إلى الماضي، ويستذكر عهدين، عهد التأسيس الذي دشنه جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، وعهد استمر فيه جلالة الملك عبد الله الثاني في دعم الجمعية ومنحها الدعم اللازم حتى أصبحت اليوم قصة وطنية بامتياز.

يقول الإيراني، انطلقت الجمعية وترأسها آنذاك الملك الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه، حيث قامت بتأسيس أول محمية طبيعية في الأردن وهي محمية الشومري للحياة البرية في العام 1975، بهدف حماية التنوع الحيوي في تلك المنطقة وخاصة أنواع المها العربي، والغزلان، والنعام.

يضيف الإيراني، لم تتوقف الجمعية عند محمية الشومري بل انطلقت نحو المستقبل بوقت مبكر لتقوم بتأسيس المحميات واحدة تلو الأخرى، حين أعدت الحكومة برنامجاً وطنياً لحماية الطبيعة، حيث تم إنشاء محمية الأزرق المائية في البداية العام 1978، واستمر بعد ذلك إنشاء المحميات ليصل عددها اليوم إلى 10 محميات طبيعية.

ويضيف الإيراني ” منذ انطلاقتها شكلت الجمعية نقطة مشرقة في تاريخنا الوطني، مستشهداً أنه وفي ستينيات القرن الماضي وحين تعرضت الدول العربية لهجمات تشويه مبرمجه، اتهمت فيها دولنا بالهمجية في ذلك الوقت، استشهدت صحيفة الواشنطن بوست بتأسيس الجمعية الملكية لحماية الطبيعة في الأردن، وأظهرت الصحيفة بأن بلداً يحرص على حماية الطبيعة والتنوع الحيوي والكائنات الحية هو بلد متحضر وراقٍ” مبيناً أن استشهاد الصحف العالمية بالجمعية أظهر تفوق الأردن إنسانياً وحضارياً.

وخلال جولات جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه يقول الإيراني ” لطالما كان جلالته حاضراً في المحميات وكان قريبا إلى الطبيعة والإنسان في تلك المحميات بحسب الإيراني الذي أضاف، لا يزال الكثير من أبناء المجتمعات المحلية في تلك المحميات يستذكرون زيارات جلالته والجلسات البسيطة والدافئة التي حظوا فيها بمعية جلالته.

وفي عهد جلالة الملك عبد الله الثاني يقول الإيراني ” منح جلالة الملك عبد الله ابن الحسين الدعم الكامل للجمعية، واستمر الدعم الملكي في عهد جلالته الذي يحرص على الدوام على زيارة المحميات ويصدر توجيهاته السامية بتذليل كافة العقبات أمامها حتى أصبحت اليوم المحميات تشكل قرابة 4% من المساحة الكلية للمملكة.

وبين الإيراني” أصبحت الجمعية اليوم قصة نجاح وطنية، ووصلت سمعتها إلى العالمية، بعد أن حققت العديد من الجوائز سواء في قطاع السياحة البيئية أو إدارة المحميات أو تنمية المجتمعات المحلية أو حتى حماية التنوع الحيوي.

واستطاعت الجمعية أن تؤسس 10 محميات وتدير ما يقارب من 4% من المساحة الكلية للمملكة وبمساحة 1200 كيلومتر مربع، ويعمل بها قرابة 300 موظف موزعين على محافظات المملكة بالإضافة لآلاف الأسر التي تعتمد بشكل موسمي أو غير مباشر على الجمعية لتكون استثماراً مستداماً حيث ما وجدت المحميات.

وتعدت أدوار الجمعية في المجتمع حيث أسهمت في نشر الوعي بين جيل النشئ، وأسست العام 1986 أول نادٍ لحماية الطبيعة في المدارس الحكومية لزيادة وعي الطلاب بقضايا حماية الطبيعة وإشراكهم بهذه البرامج، ووصل عدد أندية حماية الطبيعة إلى ألف ناد، كما شاركت الجمعية في إنضاج عدد من التشريعات اللازمة التي أسهمت في حماية الطبيعة والتنوع الحيوي وحماية الغابات وتنظيم الصيد وتأسيس الإدارة الملكية لحماية البيئة والسياحة.

ويستمر الدعم الملكي اللامحدود من قبل سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الذي تجلى بافتتاح سموه لمركز زوار محمية الشومري للأحياء البرية الذي أعطى دعما للمحمية للمضي في دورها بحماية الطبيعة وتنمية المجتمع المحلي والحفاظ على الحيوانات البرية التي تعيش في المنطقة، وافتتاح سموه الأكاديمية الملكية لحماية الطبيعة، في محمية غابات عجلون التي تعد أول مركز في المنطقة العربية متخصص في التدريب وبناء القدرات على حماية الطبيعة.

ويأتي إنشاء الأكاديمية، التي كان جلالة الملك عبد الله الثاني وضع حجر الأساس لها عام 2010، كتطور طبيعي لبرنامج التدريب الإقليمي للجمعية الملكية لحماية الطبيعة والتي تعتبر أول مركز تعليمي في الشرق الأوسط مختص ببرامج حماية الطبيعة والتنوع الحيوي.

وشكلت زيارات سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله دافعا معنويا للعاملين في الجمعية ورسالة بأن حماية الطبيعة والدور الذي تقدمه الجمعية يحظى بالدعم من أعلى المستويات في المملكة.

من جانبه، قال المدير العام للجمعية يحيى خالد، سطرت الجمعية في الأردن نموذجاً فريداً في دعم وتمكين المجتمعات المحلية من خلال البرامج الاجتماعية والاقتصادية، التي يعمل بها سكان المجتمع المحلي وخاصة السيدات بالإضافة إلى برامج السياحة التجريبية التي شكلت دخلا إضافيا للأسر المحيطة بالمحميات بالإضافة إلى دعم المجتمعات المحلية وتمكينهم بإنشاء سياحة رفيقة بالبيئة في محيط المحميات.

وأضاف أن الجمعية عملت على مأسسة حماية الطبيعة في الأردن من منظور تنموي ينعكس على حياة الإنسان، والتوجه نحو تحقيق الاستدامة ومساعدة المجتمعات المحلية من خلال حماية الطبيعة بهدف الوصول إلى حياة أفضل لجميع الأردنيين، مبينا أن الجمعية ركزت على التنمية والتعليم.

وتوجت جهود التعليم البيئي في الأردن بوضع جلالة الملك عبد الله الثاني حجر الأساس للأكاديمية الملكية لحماية الطبيعة التي استحدثت برامج تدريب عالية المستوى في مختلف حقول إدارة المحميات والتنوع الحيوي، كما أن جلالته وجه بإنشاء أكواخ جديدة في محمية غابات عجلون وبتوسعة بيت الضيافة في محمية ضانا للمحيط الحيوي.

واعتبر خالد أن الجمعية دمجت مفاهيم حماية الطبيعة والتنوع الحيوي بمفهوم تنمية دعم المجتمعات بالإضافة إلى كسب التأييد المجتمعي وإدماج المجتمعات المحلية في حماية التنوع الحيوي في المحميات والحفاظ عليها، والعمل على تحقيق الاستدامة المالية والمؤسسية لكافة عمليات الجمعية من خلال تبني أفضل الممارسات في إدارة المؤسسات غير الحكومية، ووجود موظفين أكفاء ومصادر دخل متنوعة.

وبين خالد بأن الجمعية بكل كوادرها وموظفيها ومتطوعيها تعمل بكل طاقتها لتكمل المسيرة في إدارة وتأسيس والحفاظ على المحميات الطبيعة، وتمتلك خطة طموحة في المضي قدماً لتستمر مسيرة النجاح في الجمعية في المئوية الثانية للمملكة.

المملكة