كتب أستاذ القانون الدستوري د. ليث نصراوين :

 
 

تستمر محكمة صلح جزاء عمان في النظر في قضية مستشفى السلط، حيث تعقد جلساتها بشكل دوري من أجل الفصل بما هو منسوب فيها إلى المتهمين من جرائم جزائية، من ضمنها التسبب بالوفاة وفق أحكام القانون. في المقابل، تسود حالة من الصمت الكبير أروقة اللجنة النيابية التي شكلها مجلس النواب للتحقق من مجريات هذه القضية. فبعد اندلاع هذه الحادثة التي شغلت الرأي العام الأردني، اختصر مجلس النواب صلاحياته الدستورية الرقابية الواسعة التي يمتد نطاقها إلى طرح الثقة بالحكومة، واكتفى بتشكيل لجنة تحقق في هذه الواقعة.

إن المبادئ الأساسية في علم القانون تقوم على أساس تقرير الولاية العامة في إجراءات التحقيق لكل من النيابة العامة والقضاء في الجرائم الجزائية. فلا صوت يعلو على صوت الإدعاء العام في تحريك دعوى الحق العام، ومن بعده المحاكم الجزائية المختصة لكي تصدر أحكامها القضائية وفق الأصول القانونية.

ورغم العلم والمعرفة بهذه الأبجديات القانونية، فقد أصر مجلس النواب الحالي على تشكيل لجنة تحقق نيابية في هذه القضية، وذلك في محاولة منه للتماشي مع حالة الغضب الشعبية، واثبات حضوره على الساحة الوطنية. إلا أن النتيجة الطبيعية لهذا القرار هو ما نشهده اليوم من حالة سكوت هي واجبة بموجب القانون لعمل هذه اللجنة، وذلك بانتظار أن يُصدر القضاء الأردني العادل حكمه في هذه القضية، وأن يتم استنفاد كافة طرق الطعن المقررة في القانون، ليصبح بعدها الحكم قطعيا ونهائيا وواجب الاحترام.

وبعد أن يتم تنفيذ الحكم القضائي الذي سيصدره القضاء الأردني بصرف النظر عن طبيعته، سيتم طي ملف هذه القضية نهائيا، ولن يسمح لأي لجنة تحقق مشكلة مهما كانت طبيعتها أو تشكيل أعضائها من إعادة فتح القضية وتناولها، كون ذلك سيمس بمبدأ حجية الأمر المقضي به، وباستقلال القضاء ودوره الدستوري في الفصل في المنازعات. يستثنى من هذا الحكم لجان التأديب الإدارية، وذلك في مواجهة المحكوم عليهم من الموظفين العموميين، حيث يوجب القانون على هذه اللجان أن تباشر إجراءات التحقيق الإدارية أو أن تستكملها في حال كانت قد بدأتها، ويكون الحكم الصادر في القضية الجزائية ملزما لها عند إيقاع العقوبات الإدارية، ما لم يتقرر العزل لفقدان شرط حسن السيرة والسلوك.

إن لجنة التحقق النيابية ليس لها دور في الفترة الحالية، ولن يكون لها أي دور بعد انتهاء القضية الجزائية، خاصة وأن جميع الوقائع المراد التحقق منها قد وردت في قرار الظن الصادر عن النيابة العامة والذي تم نشره في جميع وسائل الإعلام. كما أن الجزء الآخر من الأحداث سيرد على لسان الشهود في هذه القضية، وبالنتيجة سيتم تضمينها في القرار القضائي النهائي الفاصل في الدعوى.

إن على مجلس النواب اليوم أن يحسم أمور هذه اللجنة لصالح إعلان عدم اختصاصها في متابعة شؤون التحقق، وبأن هذه القضية برمتها هي من صلاحيات القضاء الجزائي. فالمجلس اليوم في أولى دورات انعقاده البرلمانية وفي السنة الأولى من عمره، بالتالي يتعين عليه أن يكون حريصا في التعاطي مع الثقة الشعبية، والتي هي ليست بأفضل حالاتها في مواجهة المؤسسة التشريعية.

 

laith@lawyer.com