في اردن ” ارض العزم .. وحد سيفه ما نبا” جذرت القوات المسلحة الاردنية – الجيش العربي، أمن وأمان ونهضة وطمأنينة المملكة الاردنية الهاشمية على مدى مئوية الدولة الحافلة بالنصر والسؤدد والفخار، مكللة بجاهزية عالية في الحرب والسلم.

وواصل الجيش العربي المصطفوي دوره القوي المنيع، في حماية الثغور والارض والانسان، والتنمية، والتصدي للإرهاب وادارة الازمات، مكرسا ركائز النهضة والتطوير والانجاز، والوطن يدخل مئويته الثانية بمشهد الواثق من استكمال مسيرة راية الثورة العربية الكبرى، وحمل شرف قضايا الأمة والإنسانية معا، في ظل القيادة الهاشمية المظفرة.

“إن الشعار الذي على جباهكم مكتوب عليه الجيش العربي، وهذا الاسم لم يكن صدفة أو مجرد شعار وإنما هو تأكيد على التزام هذا الجيش بالدفاع عن قضايا الأمة العربية وترابها وأمنها من أي خطر”، هكذا يبرز جلالة القائد الاعلى للقوات المسلحة الاردنية الملك عبدالله الثاني صورة من صور رفاق السلاح في احد أقواله، واضعا هذه المؤسسة الفذة على رأس أولويات اهتمام جلالته، ليبقى الجيش، القلعة الحصينة الشامخة بتاج وُشّح ب”الجيش العربي”، وبسيف يحمي الوطن وخيراته.

متقاعدون عسكريون ومؤرخون يؤكدون ان دور الجيش الأردني منذ نشأته لم يقتصر على واجبات دفاعية وتحقيق النصر وحماية السيادة والاستقلال ومكتسبات الدولة، فحسب، بل انه بجاهزيته العالية، يعد مؤسسة تحديثية راسخة مارست أدوارا خلّاقة في البناء والتنمية والتطوير واحداث التغيير، الذي طبع صورة الاردن كبلد منتج، آمن ومستقر، رغم المحيط الملتهب، ومآلات ظروفه.

وكان رئيس هيئة الأركان المشتركة، اللواء الركن يوسف الحنيطي، قد أكد قبل أيام، على “ان القوات المسلحة وبما تمتلكه من قوى بشرية ومعدات وأسلحة حديثة ومتطورة ذات جاهزية وكفاءة، قادرة على حماية الوطن ومقدراته والحفاظ على أمنه واستقراره، وأن القوات المسلحة استطاعت تذليل كافة الصعاب والتحديات على الواجهات الحدودية، والتصدي لمختلف عمليات التسلل والتهريب واحباطها”.

يقول استاذ التاريخ في الجامعة الأردنية الدكتور مهند مبيضين، إن الحديث عن مؤسسة الجيش العربي، في ظل مئوية الدولة وتاريخها المجيد، ليس حديثا عن واجبات دفاعية او معارك وبطولات وقصص شهادة، فحسب، فهذه الأمور -على أهميتها المطلقة- لا تلخص سردية تاريخ الجيش العربي، ولكن الجيش هو أيضا مؤسسة تحديثية مارست أدواراً في البناء والتنمية والمشاركة في تطوير المجتمع، وإحداث التغيير الكبير الذي الذي انعكس على الوطن والمواطن.

ويزيد، الجيش الأردني قصة هوية عربية، تمثلت بها العروبة بأبهى صورها، فمن شارك بتأسيس الجيش العربي هم من الضباط العرب، امثال فؤاد سليم، سعيد العاملي، صبحي العمري وعزيز المصري، حيث كان لهم اقرانهم من العاملين بالإدارة الأردنية، الامر الذي يعكس شكل وهوية الدولة في بدايات تأسيسها، لافتا الى ان الجيش العربي، هو اللحظة العربية الجامعة المستمرة منذ التأسيس، وحتى يومنا هذا.

ويواصل مبيضين، حمى الجيش ذاته من الارتهان للسياسة، وبقي جيشاً مهنيا، بمنأى عن المغامرات غير المحسوبة، كما حصل ببعض الدول، مسترسلا: ان فكرة العروبة ابقت الجيش العربي بعيدا كل البعد عن المشكلات التي واجهت الجيوش العربية الأخرى، وهذا ما سمح له بان يكون مؤسسة بناء في الصحة والتعليم والخدمات العامة، بالإضافة لدوره في تكوين النخب السياسية.

من جهته، يقول مدير التوجيه المعنوي الأسبق العميد المتقاعد ممدوح سليمان العامري: اثبتت القوات المسلحة الاردنية – الجيش العربي والأجهزة الأمنية، وخصوصا في الظروف العصيبة، مسؤوليتها العالية، وهي مثال حي على الجاهزية والاحترافية، وتنفيذ الواجبات بدقة و مهنية عالية، في الحرب والسلام.

ويضيف: فالمهمة الأولى للجيش هي الدفاع عن الوطن وصون استقلاله وحماية الشرعية فيه، ويبقى أمنه واستقراره على الدوام فوق كل اعتبار، مشيرا الى ان “القوات المسلحة”، هي كبرى مؤسسات الوطن وعنوان الأمن والأمان فيه، والدم الأردني فيها، لا يعترف بحسابات المنطقية والجهوية و الفئوية و العشائرية، فالهم الأول لكل منتسب هو الوطن، يبذل في سبيله الغالي والنفيس، “فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا”.

ويستذكر العامري، ان الجيش العربي، ومنذ تأسيس الإمارة بقيادة سمو الأمير عبدالله بن الحسين، حينذاك، كان الوارث لرسالة الثورة العربية الكبرى، وهو الامتداد الطبيعي لجيشها، فارتبط تاريخه بتاريخها، وتشكلت نواته من القوة التي انضوت تحت راية سمو الأمير عند وصوله إلى معان في الحادي والعشرين من تشرين الأول عام 1920، بعد دورها الكبير في عمليات ومسارات الثورة العربية الكبرى.

ويستطرد: كان سمو الأمير عبدالله، قد اطلق في عام 1923 اسم “الجيش العربي”، على نواة قوة إمارة شرق الأردن، ليظل هذا الجيش جيشاً لكل العرب، وكان همّه كملك مؤسس، لاحقا، وجود الجيش القوي، حيث خاض الجيش العربي منذ عام 1948معارك الشرف والبطولة، واستبسل أبطاله الأشاوس في الحروب التي جابهوا فيها العدو الإسرائيلي الغاشم، وقدموا قوافل الشهداء الأبرار دفاعاً عن تراب فلسطين الطهور.

ويتابع العامري، انه وبعد استشهاد الملك المؤسس على عتبات المسجد الأقصى المبارك، تولى جلالة الملك طلال، رحمه الله، سلطاته الدستورية، حيث اهتم ببناء وتقوية الجيش العربي، فتم تشكيل الحرس الوطني عام 1951 في عهده، وفي الحادي عشر من آب 1952 نودي بجلالة المغفور له بأذن الله، الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، ملكاً على الأردن، وحين تسلم جلالته سلطاته الدستورية في أيار عام 1953 وجه اهتمامه لبناء الجيش العربي.

ويواصل: وكان القرار التاريخي بتعريب قيادة الجيش في الأول من آذار عام 1956 بالاستغناء عن خدمات الفريق جون باغوت كلوب، رئيس أركان الجيش، وتسليم قيادة الجيش إلى اللواء راضي عناب، كأول قائد أردني للجيش العربي.

ويعلق، كان تعريب الجيش نقطة تحول في تاريخ الأردن، تجسدت فيه معاني الحرية والسيادة الوطنية، والذي شكل انطلاقة قوية، ليس نحو بناء الجيش العربي فقط وانما لتطوير مؤسسات الدولة وتحقيق آمال وطموحات أبناء الوطن، حيث اكتمل القرار السيادي الأردني بكل ما فيه من استحقاقات في مختلف المجالات، وسجل الجيش العربي الأردني نصراً مؤزراً على العدو الإسرائيلي في معركة الكرامة الخالدة، وحطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، كما شارك الجيش العربي في المعارك والحروب إلى جانب الدول العربية الشقيقة دفاعاً عن أرضها وعروبتها.

ويبين العامري، انه ومنذ تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني لسلطاته الدستورية، عمل جلالته على تطوير وتحديث القوات المسلحة، لتكون قادرة على حماية الوطن ومكتسباته والقيام بمهامها على أكمل وجه، ولتواكب روح العصر والتطور، كما حرص على تحسين أوضاع منتسبيها من العاملين والمتقاعدين.

ويلفت الى ان القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي اصبحت مثالاً وأنموذجاً في الأداء والتدريب والتسليح، وتميزت بكفاءتها القتالية العالية، وقدرتها على تنفيذ مهامها وواجباتها داخل الوطن وخارجه.

ويسترسل: “في هذه الايام المباركة، ونحن نحتفل بمئوية الدولة الأردنية، نعلم علم اليقين أن بناء الدولة وأهدافها السامية يرتبط بما يمثله من إنجازات ومكتسبات على الساحتين الداخلية والخارجية، ويتسامى هذا المعنى كلما أصبح إرثاً لا يمكن التنازل أو الاستغناء عنه، وفي ظله تتجسد معاني الحرية والعطاء والسيادة، ويبقى الجيش العربي الأقرب إلى نبض الوطن والقائد، حيث قدم ويقدم في سبيل أمن الوطن واستقراره وكرامة أهله قوافل الشهداء، عبر التاريخ الحافل بالمجد والحرية”.

ويختم العامري: “نترحم على بناة الوطن الذين ارتقوا في سبيل حمايته وسؤدده، ونشد من أزر المخلصين للعمل على تقديم كل الإمكانات واستثمار الجهود ليبقى الوطن قويًا منيعاً في ظل القيادة الهاشمية”، مقدما الشكر والامتنان للمتقاعدين والمحاربين القدامى لقاء خدماتهم المخلصة والمتفانية.

من جانبه، يقول العين السابق غازي الطيب، مائة عام مضت من عمر الدولة الاردنية الغالية، كان الجيش العربي المصطفوي وما زال وسيستمر على العهد والوعد، شيمه الاخلاص والثبات على العقيدة الصادقة، وحمل شرف رسالة العز، وتحقيق طموحات الاردني في الوحدة والحرية والحياة الافضل.

ويضيف: بصمة الجيش الأردني ليس في النصر والمعارك والحماية فقط، بل انه قدم الواجب الوطني في خدمة مجالات عدة كالتنمية والبيئة والصحة والتعليم والاقتصاد والمدن الصناعية والمناطق الحرة والمشروعات الاستثمارية، وتعزيز الامن الغذائي عبر الاسواق الاستهلاكية، فضلا عن فاعلية الجيش ودوره الكبير في ادارة الازمات ومكافحة التهريب والتصدي للإرهاب.

ويستطرد الطيب الذي تشرف بالخدمة العسكرية وتقاعد عن رتبة فريق أول ركن، فيقول: اهتم الهاشميون منذ ذلك الحين بان يكون للإمارة جيشاً قوياً للدفاع عن حدودها، فأنشأت اول سرية فرسان، وسرية مشاة، وفئة رشاشات متوسطة “فيكرز” وفئة لاسلكي، ومجموعة حرس السجون، وفئة موسيقى، وقوات البادية وزودت بالسيارات المجهزة، فتم ايقاف الغزو القبلي، والسيطرة على مختلف المناطق، حيث عم الامن والاستقرار.

ويتابع حديثه حول تطور الجيش الاردني ودوره في تلك الفترة، قائلا: تمكن بشجاعته الاحتفاظ بالقدس الشريف والضفة الغربية، وخاض المعارك مع العدو الإسرائيلي، وكان الجيش العربي الوحيد الذي انتصر في معاركه امام عدو متفوق عدداً وعدة، وقدم الشهداء الذين مثلوا كل العشائر الاردنية، والقبائل العربية الموجودة في الاردن، لافتاً الى انه ما من عشيرة اردنية الا وافتخرت بانها قدمت الشهداء من اجل فلسطين، ومنهم شهيد هاشمي هو الملك المؤسس طيب الله ثراه.

ويضيف: وفي عهد جلالة المغفور له بأذن الله الملك الحسين طيب الله ثراه عُزز التدريب والتطوير والتحديث التقني، وتم تنظيم الجيش العربي بألوية وفرق، بعد وصول اسلحة حديثة وطائرات متطورة لتواكب التهديد المعادي وطبيعة الأرض، فتكون الجيش من فرقتين، آلية، ومدرعة، وتم تشكيل فرقة اخرى لاحقاً.

ويشير الطيب الى انه وفي التسعينيات من القرن الماضي، كُلف جلالة الملك عبدالله الثاني، “سمو الامير عبد الله، حينذاك”، بقيادة القوات الخاصة، حيث تم دمج لواء الحسين بن علي مع وحدات الإسناد لتصبح “العمليات الخاصة”، كما اولى الهاشميون، “خفر السواحل”، والتي اصبح اسمها لاحقا، قيادة القوة البحرية والزوارق الملكية، العناية اللازمة، اذ زودت بما يلزم لحماية الشواطئ، وحفظ أمن الموانئ، لافتاً إلى أن الجيش الأردني، هو جيش للسلام، حيث اسهم في عمليات حفظه في مختلف دول العالم.

وعلى نهج الهاشميين اولى جلالة الملك عبدالله الثاني جل رعايته واهتمامه لرفاق السلاح، فطّور بشكل لافت هذه المؤسسة العريقة، وعزز التدريب والتطوير والتسليح وزاد الاعتماد على التكنولوجيا، فضلا عن زيادة عديد الجيش العربي، ليقوم كما دوره التاريخي بواجباته بشرف وامانة واخلاص وتفان، وفقا للطيب.

وينوه الى انه ومن مظاهر الاهتمام الكبير من جلالته بالجيش تم تأسيس مركز الملك عبدالله للتأسيس والتطوير”كادبي”، وتم توحيد الجهدين الاداري والعملياتي، وتطوير ادارة الموارد الدفاعية وبناء الاستثمار لتعزيز القدرات الدفاعية وتوحيد الجهد اللوجستي.

يقول العقيد الركن المتقاعد محمود حسين الشريدة، منذ بداية تأسيس امارة شرق الاردن في عام 1921 كان اسم جيشناً الباسل، وما زال هو الجيش العربي، تطور بشكل لافت، وتعربت قيادته، ظل ومازال يحمل عقيدته القتالية، وهي الدفاع عن حدود الوطن براً وبحراً وجواً وشعاره، “الله، الوطن، الملك”.

ويزيد: تشبت الجيش العربي المصطفوي بانتمائه المطلق للوطن وللقيادة، منزها بطبيعة الحال عن التجاذبات السياسية، مدافعاً عن الوطن باحترافية وبشرف عسكري مقدس، في جميع الحروب التي خاضها دفاعا عن الوطن.

ويتابع الشريدة، ومنذ تسعينيات القرن الماضي لم يقتصر عمل الجيش على الحرب فقط، بل شارك في صنع السلام، معززاً السلم المجتمعي في كثير من دول العالم مظهراً انضباطه وكفاءته وتمكنه.

ويقول:”دافع الجيش الاردني عن الوطن وعن فلسطين دفاع الأبطال وها هي أسوار القدس ووادي التفاح وغيرها من ميادين القتال في فلسطين تشهد على ذلك، وها هو الدم الفواح يعطر فضاءات فلسطين وشواهد قبور شهدائه في فلسطين تذكرنا ببطولات جنوده وضباطه”، لافتاً إلى أن ساحات الكرامة وأم قيس وكفر أسد ودير أبو سعيد وعيرا ويرقا، لا زالت “تستذكر بطولات البواسل من ضباط وجنود جيشنا”.

(بترا – اخلاص القاضي)