تختصر حكاية الثلاثيني عماد، حكايات العديد من شبان بلدة ماحص بمحافظة البلقاء، مع البحث عن الدفائن تحت الأرض، إذ عادة ما يتم الحديث عن أشخاص من أهالي البلدة وجدوا بالفعل دفائن على مر العقود الماضية، إلى جانب أحاديث متداولة أيضا تتعلق بوجود الكثير من الدفائن منذ عهود الرومان والأتراك وغيرهم، وتحديدا في منطقة “الميدة” على أطراف ماحص.
يقول عماد إن الغالبية العظمى من شبان البلدة يعملون في القطاع العام، “لكن أنا وشبان مثلي من المتعطلين عن العمل منذ مدة طويلة، لم نجد أمامنا إلا أن نلاحق الحديث الشائع عن وجود ذهب وآثار نادرة وثمينة في أعماق الأرض، وأنا بدأت في البحث أول مرة قبل نحو 10 أعوام، دون جدوى، حتى قررت التوقف عن هذا الأمر”.
وبحسب عماد الذي يعد من أبرز من بحثوا عن دفائن بالمنطقة، والملم بتفاصيل مثل هذه المهمات وأسرارها، فإنه ومجموعة أخرى من الشبان، يجلسون للاتفاق على تحديد المكان الذي سيتم البحث فيه وذلك استنادا لوجود إشارات معينة، والاتفاق أيضا على حصر التكاليف وتقسيمها على الجميع، إضافة للاتفاق على تقسيم ما يتم العثور عليه في حال تم بالفعل العثور على دفائن ثمينة.
أما بشأن الإشارات التي يتم الاستناد إليها، فهي كما يقول عماد، تكون منقوشة عادة على الصخور غير الظاهرة والبارزة، مثل “الجرن أو الصحن”، أو آثار مربط خيل على شكل حلقة، وهي إشارات تقود إلى غيرها في محيط المكان، كإشارة (x)، أو إشارة على شكل “جمل بارك” أو عقرب أو هلال أو نجمة، وما إلى ذلك من الإشارات.
بعد ذلك، يشير عماد إلى أنه يتم تحديد موعد للانطلاق، بحيث يقوم فريق البحث بإحضار طعام يكفي لساعات طويلة قد تصل في بعض الأحيان إلى 15 ساعة في اليوم، إضافة للشاي والقهوة والماء، والمعدات التي تستخدم للحفر، وقد يتم الاضطرار إلى جلب آليات كالجرافة أو الحفارة، مثلما قد يتم الاستعانة بجهاز خاص بفحص المعادن للكشف على المكان، لافتا إلى أن كل ذلك يحتاج إلى تكاليف مالية يتعاونون في تغطيتها.
وهنا يتحدث عماد، عن أن الشبان يتناوبون على مراقبة المنطقة أثناء عمليات الحفر، خشية أن يتم ضبطهم من قبل رجال الأمن، ذلك أن البحث والتنقيب عن الدفائن يحتاج إلى تصريح رسمي وهو يمنح عادة لغايات علمية.
أما بشأن عقوبة من يتم ضبطه، فيقول المحامي رأفت المجالي ، إن العقوبة تخضع لقانون الآثار لسنة 1988، الذي ينص في المادة 26 منه، على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على 3 سنوات، وبغرامة لا تقل عن 3 آلاف دينار، وبما يتناسب مع قيمة الأثر كل من قام بالتنقيب عن الآثار دون الحصول على رخصة بمقتضى أحكام هذا القانون، أو تاجر بالآثار أو ساعد أو شارك أو تدخل أو حرض على ذلك، وكذلك من لم يقدم لدائرة الآثار العامة جدولا بالآثار التي يملكها أو في حيازته.
وبحسب المجالي، فإن العقوبة تطبق أيضا، على من قام متعمدا بتجريف أو إتلاف أو تخريب أو تشويه أي آثار منقولة أو غير منقولة، بما في ذلك تغيير معالمها أو فصل أي جزء منها أو تحويرها، ومن زور أي أثر أو عمد إلى تزييفه، ومن امتنع أو تخلف عن تسليم الآثار التي اكتشفها أو عثر عليها إلى دائرة الآثار العامة، سواء كان يحمل رخصة للتنقيب أو لم يكن يحملها في المدة الزمنية المقررة، وأيضا من نقل أو تصرف به خلافا لأحكام هذا القانون، بما في ذلك إخفاؤه أو تهريبه.
وأضاف المجالي، أن القانون يعاقب في المادة ذاتها، من قام بسرقة قطع أثرية، ومن تاجر بالقطع المقلدة، على أنها قطع أثرية أصلية، مشيرا إلى أنه ووفق القانون، يتم مصادرة المواد الأثرية والقطع المزورة والمقلدة وقوالب الصب التي تم ضبطها، وتسليمها إلى دائرة الآثار العامة.
ومن جهته، أكد رئيس بلدية ماحص السابق، عبد المنعم ارشيدات، انتشار ظاهرة الباحثين عن الدفائن في ماحص من قبل شبان متخصصين بهذا الأمر، رغم أنها “تحت المجهر أمنيا وعادة ما يتم ضبط عدد منهم”.
وعزا ارشيدات السبب في ذلك، إلى معاناة الشبان من البطالة وعدم توفر فرص عمل، إضافة للظروف الاقتصادية الصعبة، داعيا الحكومة لاتخاذ إجراءات حقيقية تحد من نسب البطالة التي ارتفعت مع دخول جائحة كورونا، ودعا كذلك إلى تأهيل الشبان وتدريبهم في المهن المختلفة لتمكينهم من إيجاد فرص عمل ويكونوا منتجين.
ولفت إلى أن هؤلاء الشبان يتمسكون بحبال الوهم، سعيا لإيجاد ما يسد حاجاتهم وعائلاتهم، مشيرا إلى أن ما يقال عن أن هناك من عثر بالفعل على دفائن ثمينة في ماحص تبقى روايات غير مؤكدة.
وبالعودة إلى عماد، فهو يؤكد أن هناك شبانا يصرون على مواصلة عملهم بالبحث عن دفائن، من باب أملهم بأن يأتي اليوم الذي يحققون فيه أحلام الثراء وينتشلهم من ظروفهم المعيشية الصعبة، بينما ينسحب آخرون من المشهد يائسين من احتمالية العثور على دفائن، فضلا عن عدم قدرتهم على دفع مزيد من التكاليف المالية اللازمة لاستمرار عمليات البحث.
ويتحدث عماد عن وجود شبان تراجعوا عن عمليات البحث بسبب الخوف من “الرصد” الذي يقال إنه قد يظهر على هيئة حيوان قاتل يودي بحياة الباحثين عن الدفائن، إذا ما استجابوا لإشارات تحذيرية مثل “انكسار الفأس” أثناء الحفر، أو أن يصبح في الحفرة هواء قوي مفاجئ، فيما يكون التحذير الأخير والذي يعني الاقتراب من الدفائن، ظهور دخان أسود داخل الحفرة يشعر من فيها بالاختناق.
وتحدث كذلك عما يُعرف بـ”اللجم”، والذي وفق عماد، يقال إنه يشعرك مثلا بصداع شديد أو إرهاق وإنهاك مفاجئ، بقصد إبعادك عن الدفائن، لكنه استدرك بالقول إن ذلك قد لا يعد دقيقا أو علميا، إلا أن العديد ممن يعملون بالبحث عن دفائن يتحدثون عنه ويؤمنون به.
ولفت أيضا، إلى أن البعض يستعين جراء ذلك، بـ”مشعوذين”، ظنا بأنهم قادرون على مساعدتهم في مهام البحث أو الحماية من “الرصد”، ومنهم من كان يستقطب هؤلاء المشعوذين من بلدان عربية.
واختتم عماد حديثه بالقول، إن واقع الكثير من الشباب الذين لا يجدون عملا مناسبا، ويعانون ظروفا مالية صعبة، يدفعهم إلى “التعلق بقشة” على أمل أن تنقلهم إلى واقع جديد، ويستمرون في رحلة البحث عن دفائن ثمينة، رغم أن شعورا يراودهم بين الفترة والأخرى أنهم يطاردون وهما.
مصدر أمني قال ، إنه إذا تم ضبط أشخاص متلبسين في عمليات الحفر والتنقيب، يجري اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم وتحويلهم للقضاء.”الغد”