في ورقة سياسات لمنتدى الاستراتيجيات: يجب تعزيز كفاءة التحصيل ورفع القدرات المؤسسية لضريبة الدخل
وفيما يتعلق بعملية رسم السياسات المالية، أشارت الورقة الى أن هذه العملية يجب أن تتم وفقاً لإطار يضم ثلاثة مبررات رئيسية؛ تتمثل في تحسين كفاءة تخصيص الموارد من خلال تحسين سياسات الانفاق وإعادة توزيع الضرائب بطريقة حصيفة لتعزيز مستويات الكفاءة، ومعالجة التفاوتات في مستويات الدخل بما يساهم في الحفاظ على التوازن الاجتماعي، وتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي من خلال الحفاظ على استقرار بعض المؤشرات مثل التقلبات السنوية في الناتج المحلي الإجمالي وعجز الموازنة والدين العام.
وعند تقييم الورقة لجوانب الانفاق العام والايرادات العامة للسياسات المالية في الاردن، أوضحت الورقة بأن مصادر الزيادة في النفقات العامة تركزت في الجانب الجاري وليس الجانب الرأسمالي منه؛ ما يعني عدم قدرة سياسات الانفاق المتبعة على توليد معدلات نمو اقتصادي في المستقبل؛ إضافة إلى كون عدد محدود من بنود الانفاق (مخصصات الجهاز العسكري، تعويضات العاملين، التقاعدات، وفوائد القروض) تشكل ما نسبته (77%) من إجمالي النفقات الجارية، وهو ما يشير إلى عدم وجود هامش أو حيز مالي كافي لدى الحكومة لإعادة تخصيص مواردها المالية أو أولويات سياساتها.
وفيما يتعلق بالإيرادات العامة خلال العقدين الأخيرين؛ أوضحت الورقة بأن حجم الاقتصاد الوطني ارتفع من 6.0 مليار دينار لعام 2000 إلى 30.03 مليار دينار لعام 2020؛ في حين ارتفعت الإيرادات الضريبية من 0.96 مليار دينار إلى 4.96 مليار، والإيرادات غير الضريبية من 0.96 مليار دينار إلى 2.29 مليار دينار لنفس الفترة؛ وهو ما يوضح اتساع الفجوة بين حجم الاقتصاد الوطني والإيرادات العامة، وهذا بدوره يدل على وجود ما يمكن وصفه بالتسرب المالي، أي عدم القدرة على تحصيل بعض الإيرادات لأسباب عديدة. وفي سياق متصل، أظهرت الأرقام الواردة في الورقة بأن نسبة الإيرادات غير الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي في الأردن انخفضت من (10.8%) في السنة المالية 2000، إلى (4.3%) في عام في عام 2020، في حين بقيت نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي ثابتة بحدود (15%) خلال العقدين الأخيرين.
وفيما يتعلق بالنظام الضريبي في الأردن، أشارت الورقة إلى أن إجمالي الإيرادات ا لضريبية نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي في الأردن تعتبر منخفضة إذا ما قورنت بدول غنية مثل الدنمارك على سبيل المثال حيث تبلغ هذه النسبة (46.1%)، وفي بعض الدول الشبيهة بحالة الأردن مثل تونس فهي تحصل إيرادات ضريبية أعلى من الأردن، بنسبة تساوي (22.8%).
كما بينت الورقة بأن الأردن من أكثر الدول في العالم اعتماداً على ضريبة المبيعات في تحقيق الإيرادات الضريبية، حيث شكلت هذه النسبة (71.4%) من مجمل الإيرادات الضريبية التي تحققها الحكومة، وهو معدل يفوق السائد في العديد من الدول المشابهة للأردن، إذ تعادل هذه النسبة (11.8%) في المغرب و(12.8%) في تونس. إضافة إلى كون ضريبة المبيعات هي مصدر الزيادات الاسمية في إجمالي الإيرادات الضريبية، حيث شكلت ضريبة المبيعات (44.35%) من إجمالي الإيرادات الضريبية في السنة المالية 2000 وارتفعت بشكل قياسي إلى أن بلغت هذه النسبة (71.4%) في عام 2020.
وأضاف منتدى الاستراتيجيات في ورقة السياسات بأن الأرقام الواردة تشير إلى وجود اختلالات واضحة في النظام الضريبي في الأردن وفي كفاءة عملية التحصيل الضريبي، حيث أن الموظفين العاملين بأجور شهرية يدفعون ضرائب دخل بحوالي 4 أضعاف ما يدفعه الأفراد (المهنيون والشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في القطاع الخاص)، حيث بلغت الإيرادات الضريبية من الموظفين بأجور شهرية في العام 2020 ما قيمته 211.4 مليون دينار أردني، فيما بلغت الإيرادات الضريبية المحصلة من قطاع الأفراد في ذات العام ما قيمته 52.6 مليون دينار فقط.
وفي هذا السياق، أشار المنتدى إلى التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي حول المالية العامة في الأردن؛ حيث بين التقرير بأن حملة مكافحة التهرب الضريبي في الأردن كشفت عن وجود حوالي (2%) من الناتج المحلي الإجمالي كإيرادات ضائعة بسبب عدم الالتزام بالإبلاغ عن التزامات ضريبة الدخل، إضافة إلى أن ضريبة دخل الشركات والضريبة العامة على المبيعات تعاني من وجود العديد من الأنظمة التفضيلية والاعفاءات التي تضيّق القاعدة الضريبية وتساهم في “تجزّئة” النظام إلى عدة أنظمة ضريبية؛ وهو ما نجم عنه نظام ضريبي متداخل وصعب التطبيق وفيه الكثير من التشوهات.
ولمعالجة تلك الاختلالات، أوصى منتدى الاستراتيجيات الأردني بضرورة التركيز على عدد من المحاور الضرورية التي تغطي مختلف جوانب السياسة المالية، والتي تشكل خريطة طريق أساسية للمقاربة الجديدة. يرتكز المحور الأول على كفاءة تحصيل الإيرادات والإطار القانوني من خلال الربط ما بين التشدد في إجراءات التحصيل وتعزيز المنظومة القانونية الضابطة لذلك، وتوضيح المسار القانوني للإجراءات المتبعة وإصدار الارشادات المتخصصة. كما أوصى المنتدى بضرورة تعزيز مفهوم ثقافة المشاركة الضريبية والعمل مع هيئات متخصصة توضح مصادر الإيرادات وسبل الانفاق بطريقة مبسطة وتشاركية قدر المستطاع.
وفي ذات السياق، أشار المنتدى إلى أهمية تعزيز كفاءة التحصيل ورفع القدرات المؤسسية لضريبة الدخل من خلال تسهيل المنظومة التشريعية وآليات التطبيق، واتباع مسار إصلاح يوسع قاعدة ضريبة المبيعات العامة، وإلغاء أنظمة ضريبة السلع والخدمات التفضيلية الحالية التي تحد من كفاءة التحصيل، وتساعد في التعامل مع المشكلات الحالية – لا سيما تلك المتعلقة بالتخطيط، والتجنب الضريبي، والتهرب الضريبي -بشكل أفضل.
فيما ارتكز المحور الثاني من توصيات المنتدى إلى العلاقة التبادلية ما بين الانفاق والنمو والتشغيل والدور الاجتماعي؛ وذلك من خلال الربط ما بين الإعفاءات الضريبية وبعض المؤشرات الاقتصادية الحيوية مثل التشغيل والمساهمة في التصدير، ووضع إطار زمني لتلك الإعفاءات بناء على المؤشرات المتحققة. وهذا من شأنه الحد من الإعفاءات الضريبية الممنوحة في كثير من الأحيان والتي تظل مفتوحة أحيانا بعض زوال أسباب منحها.
وأخيراً شدد المنتدى في المحور الثالث على تقييم كفاءة الانفاق والإطار المؤسسي بما يشمل الاستقرار الكلي على أساس تعزيز المشاركة الشعبية وأطر نقاش الموازنة بما يضمن توسيع المشاركة والمساهمة بوضع أولويات الانفاق بحيث ننتقل الى ما يعرف الى مبدأ “الموازنة المستجيبة” لحاجات وأولويات المجتمعات المحلية التي يفترض ان تخدمها النفقات العامة. علاوة على دراسة هيكل الضرائب المتحصلة وعلاقتها بالمتغيرات الاجتماعية وما هو السبيل الأمثل لتحسين الأداء وتعزيز الشفافية والمساءلة، مؤكداً على ضرورة الربط ما بين الضرائب المحصلة ونوعية الخدمات التي يقدمها القطاع العام في القطاعات الأكثر أهمية بالنسبة لدافعي الضرائب مثل البنية التحتية والتعليم والصحة.