لخّص الباحث والمحلل الاستراتيجي عامر السبايلة الأولويات القادمة على مستوى الجيوبوليتيك والسياسية الخارجية، ودافع عن أهمية التفكير جديا بالملف السوري والعراقي خصوصا بعد مرور عشر سنوات والبرود في التعاطي مع الأزمة السورية.

وقال السبايلة، خلال حوارية مع الشباب الأردني ضمن حواريات مئوية الدولية التي يعقدها معهد السياسة والمجتمع، بالتعاون مع صندوب الملك عبدالله: إنّ هذا واقع جغرافي يجب التعامل معه بمعزل عن رؤية الآخرين، ويمكن التعويل على جزئية إعادة الإعمار في الداخل السوري، وتجنب المناطق التي قد تشكل خطر على الأمن القومي الأردني مستقبلاً لأنها مناطق تحتوي على جرائم منظمة مرتبطة بـ مافيات دولية وعمليات نقل سلاح وتجارة المخدرات.

أما عن العراق فقد ركّز المحاضر على أهمية كوفيد غالبا ستكون العلاقة بين الدول المتجاورة وعن العراق. كما دعا إلى النظر إلى العلاقة مع السعودية من زاوية المصالح الاستراتيجية المشتركة، إذ قال إنّ النمط في الخليج قد تغير فيما يتعلق بتقديم المساعدات، وبدأ البحث عن علاقات استراتيجية تعود بالمصالح، بالتالي من المهم اليوم تفعيل الجغرافيا التي بحاجة إلى مشاريع كبرى، وأن مستقبلنا سيكون أفضل إذا ما وجدنا فرص حقيقية لهذه المناطق، وعبّر عن أسفه لتركّز نصف عدد السكان في مدينة واحدة، وقابل إخفاق في التنمية والتوزيع الديمغرافي الذي يؤدي إلى إخفاق اقتصادي.

وكان السبايلة يجيب على أسئلة ونقاشات الشباب المشاركين عندما تم التطرق إلى ملف العلاقة مع إسرائيل، فأكّد على أنه من الواجب اليوم حسم العلاقة مع إسرائيل، حيث لايمكن تقديم لإسرائيل تنسيق أمني وسلام دون الاستفادة من السياسية والاستفادة الاقتصادية، والتخلص من مشكلة الازدواجية بين الخطاب المعادي والممارسة الإيجابية أو المجانية.

ولخّص السبايلة مقاربته خلال محاضرته التي ألقاها بعنوان “الجيو بولتيك وصناعة السياسة الخارجية الأردنية” بالقول: الآن هي حقية السياسة الواقعية، حقبة الشعبويات انتهت حتى في الدول الأوروبية التي لم يعد ممكنا للشعبوية أن تقدم شيئا حقيقيا وملموسا.

بدأت الحوارية التي أدارها منسق المشروعات بمعهد السياسة والمجتمع حسين الصرايرة بمداخلة لرئيس مجلس الأمناء في المعهد عدنان أبو عودة أكّد فيها على أهمية الموضوع وضرورة بناء الوعي المفاهيمي لدى الأجيال الشابة الجديدة بمركزية الموقع الاستراتيجي للأردن في عملية صنع السياسات.

أطّر السبايلة الأبعاد الاستراتيجية المرتبطة بموقع الأردن الجغرافي، مع تركيز أكبر على الوضع الحالي، وافتتح ذلط بقراءة وتقييم محطات تاريخية، ومتغيرات دولية وإقليمية، مع تركيزه على التحول الدولي بعد سقوط جدار برلين وتغير موازين القوى في النظام الدولي، بداية من تفكك الثنائية القطبية والانتشار المتسارع للعولمة والمجتمع المفتوح، وبداية فصول من الحرب الدولية على الإرهاب التي لانزال نعيشها حتى اليوم، وتداعيات كل ذلك على المنطقة العربية بما فيه السياسة الخارجية والداخلية الأردنية؟

دنقارب المحاضر سؤال: كيف واجه الأرن تحديات كبيرة نتيجة تسارع الأحداث السياسية في الجوار الأردني، بداية من الحرب العراقية الإيرانية وتداعياتها على الحليف العراقي، الحرب الأهلية في لبنان، مرورا بالتطورات في الضفة الغربية والعلاقة الأردنية الفلسطينية، ومن ثم حرب الخليج وما نتج عنها في البيت العربي، ومن ثم سقوط نظام صدام حسين في العراق وصعود حروب التنظيمات الإرهابية، وصولاً إلى تداعيات الربيع العربي على التحالفات والمصالح الدولية، والتقارب الأردني الخليجي الذي بدأ يتغير بعد تراجع الحركات الاحتجاجية المطالبة بإسقاط الأنظمة في الدول العربية.

بعد ذلك انتقل السبايلة إلى قراءة وتقييم السياسية الخارجية الراهنية وعلاقتها بالمصلحة الفضلى للدولة والشعب الأردني انمائيا وسياسيا انطلاقا من الموقع الجيوسياسي الأردني، الذي يعتبره السبايلة بالموقع الجيوسياسي الأهم في المنطقة؟

لكن وعلى الرغم من أهمية الموقع الجغرافي فإنّ الخبير الأردني يرى أنّ الفترة السابقة لم تشهد استفادة كبيرة منه ومن ما تملكه الدولة من أوراق سياسية لصالح الموقف الأردني وفي سبيل تعزيز دوره الإقليمي والدولي، داعيًا إلى المزيد من المراجعات بعيدا عن الأدوات الكلاسيكية والانفتاح على دول الجوار.

ما هي أبرز المراجعات المطلوبة خلال المرحلة القادمة؟..

أولاً: أوضح السبايلة أهمية توطيد العلاقة مع الجانب العراقي لما فيه مصلحة بين البلدين على المستوى السياسي والتجاري وفي مجال الطاقة، ونوّه السبايلة إلى أن العراق بلد مهم جدا للأردن، ليس فقط لأنه عمق استراتيجي، بل أيضًا كونه جزء من تحالف دولي، وتسائل السبايلة: هل استطاع الأردن بناء علاقات مع العراق بطريقة تحافظ على المصالح الأردنيّة وأن نصعد بها من الإطار التقليدي إلى العمق والشراكة الاستراتيجية التي يستفيد منها الأردن؟

ثانيًا: فسّر الدكتور السبايلة ضرورة تفعيل العلاقات مع الجانب السوري في الوقت الراهن، وأهمية بحث تعزيز العلاقات الاقتصادية والدور الأردني في إعمار المدن السورية التي تأثرت بنيتها التحتية خلال الحرب، وأضاف السبايلة: أنه بعد مرور عشرة سنوات على كل ما حدث في سورية، يمكن القول بأنه شاء من شاء وأبى من أبى؛ سورية هي شريك حدودي للأردن، وهناك تداخل اجتماعي كبير مع الأردن، وهناك عمق مهم وورقة جيوسياسية، خصوصًا وأن المجتمع الدولي لم يعد ينظر إلى سورية اليوم كما كان ينظر إليها قبل عشرة سنوات على أنها أزمة، بالتالي من يملك القدرة على طرح الحلول وعرض التصورات، يمكنه لعب دور أكبر بين حلفائه.

ثالثًا: فيما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل، يتفق السبايلة بأن ملف العلاقات السياسية الأردنية هو الأكثر تعقيدًا لأنه يحمل اتفاقية سلام مع اسرائيل ويتضمن تنسيقا أمنيا مرتبطا في الحدود وقضية اللاجئين، ولكن الأحداث الأخيرة في غزة والقدس تشير إلى وجود إشكالية كبيرة بالدور الأردني.

ورأي الخبير الأردني أن كل الأوراق السياسية التي يمتلكها الأردن لم تؤهله ليكون بوابة الحل أو الوسيط، ومنطقيًا كان على المجتمع الدولي الحديث أولا مع الأردن عندما يحدث تصعيد على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وما حدث أعاد مبدأ السياسة الواقعية.

إلى ذلك أكد السبايلة على ضرورة مراجعة وتقييم السياسة الخارجية المرتبطة باتفاقيات وتنسيقات تتعلق بالدور الأردني وفق مبدأ الكسب والخسارة، ، والاستفادة من الموقع الجغرافي الأردني وترجمته لسياسة تخدم المصالح الأردنيّة وتضمن مصالحه المستقبلية.

رابعًا: تحدث الدكتور السبايلة عن العلاقات الأردنية السعودية وسبل تعزيزها، وأكد على الروابط الاجتماعية والسياسية بين البلدين، خصوصًا وأن العلاقة تطورت بشكل كبير بعد أحداث الربيع العربي إلى فكرة التحالفات الاستراتيجية.

وذكّر السبايلة بفترة زمنية كاد الأردن فيها أقرب إلى الانضمام إلى البيت الخليجي، وبعد مرور الوقت لم تعد العلاقة مثمرة كما كانت عليه، وأن العلاقة الجغرافية لا تترجم سياسيًا كما يفترض.

كان يفترض، وفقاً للمحاضر، إعادة تفعيل سياسة الحدود، بمعنى ماذا يمكن أن يقدمه الأردن وما الذي يمكن أن يستفيد منه؟ خصوصًا وأن كل هذه المناطق هي مناطق أزمات، بالتلي يحتاج المجتمع الدولي إلى أن يتعاطى مع لاعب ثابت فيها، وعند الحديث عن أهمية استقرار الأردن وأمن الأردن ودعم هذا الاستقرار؛ يجب أن يدفع الأردن للتفكير بأن يكون هو الحل لجميع هذه الأزمات.

وفي جدلية العلاقة بين الجيو استراتيجي والاقتصاد الأردني، قال السبايلة، متداخلاً مع مناقشات الشباب، الاقتصاد هو نتيجة للعلاقة السياسية وليس أساس لها، ولا يمكن للاقتصاد وحده أن يكون المحرك الرئيس بين العلاقات، بالتالي تسبق العلاقات الاقتصادية دائما كيمياء سياسية تهيئ أرضية صلبة يمكن البناء عليها.

وعلى ما سبق رأى المحاضر أنّ سياسة الأردن الخارجية المتمثلة بـ “مسك العصا من المنتصف” هي سياسة مثالية للحالة والظروف الأردنيّة، والبقاء في المنطقة الرمادية مهم، ولكن في بعض الأحيان لابد من مغادرة هذه المنطقة وفق المصالح والمكاسب الأردنيّة.