المعاني: أصبح عمل الأطباء مثل «السَخَرَة»
الحجيري: لا توجد أي دولة في العالم تعتبر الطبيب المقيم طالبا
على الرغم من ان قضية الأطباء العاملين وفق برنامج الإقامة غير مدفوع الأجر في المملكة ليست وليدة اللحظة، إلا ان جائحة كورونا عمّقتها وأعادتها للواجهة، بسبب استغلال بعض المستشفيات لهم بحجة الظروف الاقتصادية الراهنة ونقص أعداد الأطباء.
وأكد أطباء في تصريحات لـ الرأي، انهم يتعرضون لاستغلال وإجحاف جراء هذا البرنامج، حيث يضطرون للعمل في المستشفيات لسنوات طويلة وعدد ساعات كبير ومناوبات مستمرة مقابل الحصول على شهادة الاختصاص دون أي اجر مدفوع او مقابل او حقوق لقاء تقديم خدماتهم، ما أدى الى تغيير مسارهم او اتجاههم للهجرة الى بلدان أخرى، مطالبين الجهات المعنية بتعديل الأنظمة والتعليمات المتعلقة بذلك.
طبيب الأسنان محمد التميمي (26 عاما) قال انه قدم لبرنامج الإقامة بعد انتهاء دراسته لطب الأسنان في جامعة العلوم والتكنولوجيا عام 2019 وحصل على المزاودة في جراحة الوجه والفكين بمستشفى الملك المؤسس حينها، إلا انه بعد 4 أشهر استنكف عن المقعد بسبب رفضهم القاطع لإعطائه راتبا شهريا مقابل الخدمات التي يقدمها.
واضاف انه دفع رسوما للجامعة عند تقديمه لبرنامج الإقامة حوالي 6 الاف دينار، وهي الرسوم السنوية كل حسب اختصاصه التي يدفعها الشخص مقابل الحصول على شهادة التدريب والاختصاص، وقد راجع حينها الجامعة للحصول على راتب شهري مقابل عمله في المستشفى اسوة بباقي الزملاء هناك، حيث ان ساعات عمله كانت 80 ساعة بالأسبوع مع المناوبات المستمرة للإشراف على المرضى ومتابعتهم، لكن جميع الردود قوبلت بالرفض.
وفي الوقت ذاته تواصل التميمي مع جامعة بكندا وتم قبوله فيها بعد اضطراره لتغيير مساره وتوجهه للمنحى الأكاديمي كمساعد بحث وتدريس فيها والحصول على راتب شهري، لأنه لا يستطيع ان يستمر بالعمل دون أجر مدفوع ولا الاتكال على أهله بدفع مصاريفه طوال 5 سنوات قادمة، وبالتالي لم يكن لديه خيار الا الهجرة ليستطيع ان يكمل دراسته وإعالة نفسه بنفس الوقت، وهذا ما لا توفره التعليمات والقوانين في الأردن للعاملين من الأطباء ضمن برنامج الإقامة غير مدفوع الأجرة.
وتأتي مرحلة الإقامة او الاختصاص غير مدفوعة الأجر حسب أطباء بعد إكمال طالب الطب لمرحلة البكالوريوس ثم سنة الامتياز، وتمتد لسنوات عديدة حسب التخصص وممكن ان تصل الى 7 سنوات، ويتم دفع رسوم سنوية من الطالب لهذه الغاية، وبالمقابل يلتزم فيها بتقديم خدماته بأحد المستشفيات المعتمدة مع مناوبات متواصلة دون دفع اجور لهم، ما يعتبرونه استغلالا وإجحافا لهم، إذ ان جميع دول العالم تعطي للطبيب المقيم راتبا كونه يعمل ولا يتدرب فقط.
من جهته، بين رئيس قسم كهربة القلب واختصاصي القلب والقسطرة في مستشفى اوهايو بالولايات المتحدة الأميركية الدكتور محمد الحجيري، انه لا توجد أي دولة بالعالم تعتبر الطبيب المقيم الذي في طور التخصص، طالبا كونه يعمل ولا يتدرب فقط..
واعتبر ان الطبيب وفق برنامج الإقامة غير مدفوع الأجر في الأردن حقه مهضوم، لأن القوانين في كل الدول تحث على أخذه راتبا شهريا مقابل عمله في المستشفيات، مؤكدا انه لا يجوز لشاب يصل عمره مثلا الى 32 عاما ان يعمل بالمجان ولا يكون له دخل شهري.
وأشار ان اهالي هؤلاء الطلاب المقيمين دفعوا على دراستهم لمدة سنوات عشرات الالاف، وبالتالي لا يستطيعون دفع اكثر بعد ذلك، فالموضوع تحول لطبقية بسبب عدم قدرة العائلات ذات الدخل القليل او المتوسط على الاستمرار بذلك، واصبح من يدخل ضمن برامج الإقامة او الاختصاص حكرا على الطبقة الغنية حتى لو كان الطبيب من الأوائل ومتفوق.
وطالب الحجيري بتعديل القوانين والتعليمات التي تخص برامج الإقامة غير مدفوعة الأجر، وتخصيص رواتب شهرية للأطباء العاملين ضمن هذا البرنامج، لأنهم يعملون بالمستشفيات لساعات طويلة، ومناوبات مستمرة، وضرورة ايجاد حلول مالية وإدارية سريعة، لأن الأجر الجيد للطبيب هو واجب على المستشفيات التي يعملون بها ويقدمون خدماتهم للمرضى الموجودين فيها ومتابعتهم.
وقال أمين عام وزارة الصحة سابقا والخبير واختصاصي الوبائيات الدكتور عبد الرحمن المعاني «ان في المستشفيات العامة والخاصة لا يوجد اي بند يجبرها على تقديم الأجور للأطباء المقيمين غير مدفوعي الأجر، لأن التعليمات من صاحب الولاية وهو المجلس الطبي الاردني ببرنامج السماح للإقامات بالمستشفيات للأطباء، تنص على انها غير مجبورة بتقديم راتب لهم».
وبما انه لا يوجد بند ينص على ذلك، فقد استغلت وفق المعاني بعض المستشفيات العامة والخاصة هذه النقطة، واصبح برنامج الاقامة غير مدفوع الأجرة مثل السخرة، فالأصل ان يعمل الطبيب لمدة لا تتجاوز 5 ساعات، الا ان واقع الحال فإنه يبقى مع المرضى 24 ساعة، وحول البرنامج التدريبي الى تقديم الخدمات الطبية من خلال المتدرب.
وشدد المعاني على انه اذا اردنا النهوض بالقطاع الصحي في الأردن على الجهات المعنية الغاء برنامج الإقامة غير مدفوع الأجر للأردنيين، وعدم قبولهم الا بعد تخصيص راتب شهري لهم، يسد حاجتهم العائلية والشخصية، حتى لا يتم استغلالهم من قبل ادارات المستشفيات والتحكم بمصائرهم، وتوفير بيئة صحية وسليمة لعملهم.
وطالب المجلس الطبي الأردني بتعديل الأنظمة والتعليمات المتعلقة ببرنامج الإقامة، بحيث يكون غير مدفوع الأجر لغير الأردنيين، وعدم السماح للمستشفيات العمل به الا بوجود بنود تلزمها بدفع راتب شهري يحدد الحد الأدنى والأعلى له، مؤكدا ان اعداد الأطباء العاملين ببرنامج الإقامة غير مدفوع الأجر بالمئات.
ولفت المعاني الى انه اذا لم يتم عمل حلول لهذه القضية، فإننا سنلحظ بالمستقبل هجرة للأطباء والكفاءات لبلدان توفر لهم بيئة سليمة، ودخلا محترما يسد حاجاتهم المعيشية، فلا توجد بالعالم خدمة دون مقابل، فإجراء التعديلات بالأنظمة وايجاد الحلول سيحد من هجرتهم، وتحسين الخدمة الصحية بالأردن.
وكانت جائحة كورونا سببا في استغلال الأطباء الذين يعملون وفق هذا البرنامج، عن طريق زيادة اعداد الأطباء المقبولين بالبرنامج غير مدفوع الأجر على حساب الاخرين مدفوعي الأجر، بحجة عدم توفر الأطباء بالمستشفيات والظروف الاقتصادية الصعبة، ما ادى لسخطهم وشكواهم المستمر وشعورهم بالظلم.الرأي