من أكبر البلدات الفلسطينية مساحة، وأقدمها وأكثرها قربًا من المسجد الأقصى المبارك، لا يفصل بين مدخلها الشمالي الرئيس والمسجد المبارك، إلا سور القدس الجنوبي المحاذي لحي وادي حلوة، صادر الاحتلال الصهيوني معظم أراضيها لصالح الاستيطان والحدائق التوراتية.
إنها بلدة سلوان الحامية الجنوبية للمسجد الأقصى وخط الدفاع الأول عنه، ما جعلها تتمتع بموقع استراتيجي له أهمية دينية وتاريخية يميزها عن غيرها من البلدات المقدسية، حتى باتت في واجهة الاستهداف الصهيوني الذي لا يتوقف على مدار سنوات الاحتلال.
وتشكل سلوان واجهة صراع حقيقي ونضال متواصل من أجل البقاء عربية الأصل إسلامية العقيدة، ولتجذر سكانها في أرض الآباء والأجداد، رغم الاعتداءات الصهيونية المتصاعدة، وعمليات الهدم والإخلاء التي تطال أحياءها، والمساعي الحثيثة لتهويدها.
وتمتد مساحة سلوان على 5640 دونمًا، ويسكنها 60 ألف نسمة من المقدسيين، وتقسم إلى 12 حيًا، 6 منها مهددة إما بهدم منازلها بالكامل، بحجة البناء دون ترخيص، أو بإخلائها وطرد سكانها لصالح الجمعيات الاستيطانية.
وفي الآونة الأخيرة، صعدت سلطات الاحتلال من هجمتها الشرسة على البلدة وسكانها، بما فيها إصدار قرارات هدم وإخلاء لمئات المنازل، حتى أصبح سكانها الأكثر عرضةً للتهجير والاقتلاع.
تطهير عرقي
وسلمت طواقم بلدية الاحتلال 6817 أمر هدم قضائي وإداري لمنازل في أحياء سلوان، بالإضافة إلى أوامر إخلاء لـ53 بناية سكنية في حي بطن الهوى لصالح المستوطنين، كما يقول عضو لجنة الدفاع عن أراضي سلوان فخري أبو دياب لوكالة “صفا”
ويضيف أن هناك 6 أحياء في البلدة يتهددها خطر الهدم والتطهير العرقي، وأن أكثر من 40% من مباني سلوان مهددة بالهدم، بادعاء أنها غير قانونية.
ومن أهم هذه الأحياء-وفقًا لأبو دياب- حي وادي حلوة، الملاصق للسور الجنوبي للبلدة القديمة والأقصى، ويمتد على مساحة 750 دونمًا، ويسكنه 5 آلاف نسمة، وتعمل الجمعيات الاستيطانية على تهويده بالكامل، وقد غيرت اسمه وهودته، وتطلق عليه “مدينة داود”.
ويوضح أن جمعية “العاد” الاستيطانية تحفر الأنفاق أسفل منازل الحي حتى وصلت عدد الحفريات والأنفاق إلى 21 حفرية ونفقًا، وهناك 128 منزلًا مهددًا بالانهيار نتيجة التشققات والتصدعات التي أحدثتها الحفريات، بالإضافة لـ 5 منازل مهددة بالاستيلاء عليها ضمن قانون “أملاك الغائبين”.
ويشير إلى أن 11 منزلًا تسلم أصحابها أوامر هدم، بحجة عدم حصول أصحابها على تراخيص للبناء، فيما زرع الاحتلال 42 بؤرة استيطانية في الحي.
وأما حي البستان، فإنه يمتد على مساحة 70 دونمًا، يعيش فيه 1550 نسمة يتوزعون على 100 منزل، يتهدد خطر الهدم 97 منزلًا، منها 17 تُحاكم وفق قانون “كامينتس” الصهيوني، وبناءً عليه، فإن 13 عائلة مقدسية تواجه خطر الترحيل والتهجير من منازلها بأي لحظة.
ويبين أبو دياب أن هذه الأوامر لا رجعة فيها، ولا يمكن الاعتراض أو الاستئناف عليها لدى محاكم الاحتلال، مبينًا أن هدم حي البستان يهدف لإقامة “حديقة وطنية توراتية”.
أما حي بطن الهوى، فهو جزء من الحارة الوسطى لسلوان، وتدعي جمعية “عطيرت كوهانيم” الاستيطانية ملكيتها للأرض البالغ مساحتها 5 دونمات و200 متر مربع، لذلك سُلمت 86 عائلة تضم 726 فردًا، أوامر بالإخلاء، بادعاء أن “الأرض تعود ليهود من اليمن”.
فيما يقع حي وادي الربابة بالناحية الغربية للبلدة، ويمتد على 180 دونمًا، ويبلغ عدد سكانه 987 نسمة، منهم 405 منازلهم مهددة بالهدم، بحجة أنها غير مرخصة.
وبحسب أبو دياب، فإن سلطات الاحتلال تسعى لاستيلاء على الأراضي بالحي لإقامة “حدائق توراتية”، وتهيئة المنطقة للبنية التحتية للقطار الهوائي التهويدي الذي سيمر من أراضيها.
أما وادي ياصول، فيمتد على مساحة 310 دونمات، ويسكنه 1050 مقدسيًا، وفيه 84 منزلًا يقطنها نحو 600 فرد مهددون بالتهجير، بحجة البناء بدون تراخيص.
أما حي عين اللوزة، فيمتد على مساحة870 دونمًا، ويسكنه 3400 نسمة، وفيه 283 منزلًا تسلم أصحابها أوامر هدم بحجة عدم الترخيص، فيما تتوزع بقية أوامر الهدم على أماكن متفرقة من سلوان، وتطال أيضًا 3 مساجد.
وعن أسباب استهداف سلوان، يعزو أبو دياب ذلك إلى أسباب أيدلوجية وسياسية، ولقربها من المسجد الأقصى والبلدة القديمة، وباعتبارها الدرع الواقي للأقصى، لذلك يريد الاحتلال إبعاد سكانها عن محيط المسجد، لتغيير واقعه وطابعه الإسلامي.
ويبين أن الاحتلال يسعى للاستيلاء على البلدة، لإقامة مشاريعه التهويدية، وتمرير مؤامراته على الأقصى، وطمس معالمها وسلخ المدينة عن إرثها الحضاري والإسلامي، لإثبات أحقية اليهود بالقدس، عبر ترويج روايات تلمودية مضللة.
ولا يتوقف الاستهداف الصهيوني للبلدة عند ذلك، بل حاول الاحتلال زرع بؤر استيطانية وآلاف القبور الوهمية، وهود العشرات من أسماء الشوارع والأحياء، كما خصص خلال السنوات العشر الأخيرة ميزانيات بـ730 مليون شيكل لأجل التهويد وتزوير التاريخ والدعايات اليهودية.
ويتخوف أهالي سلوان، وتحديدًا حي البستان من هدم منازلهم بأي لحظة، خاصة بعد إقدام الاحتلال بالأمس، على هدم محل تجاري في الحي، الأمر الذي اعتبره أبو دياب بمثابة جس نبض ولمعرفة ردة فعل الشارع المقدسي.
ويشدد على ضرورة ردع الاحتلال ووقف تعديه على القانون الدولي، والضغط عليه دوليًا لمنعه من طرد المقدسيين وهدم منازلهم، كونها جرائم ضد الإنسانية، ومخالفة للقوانين الدولية.
هجمة خطيرة
أما عضو لجنة الدفاع عن أراضي القدس صالح شويكي فيقول لوكالة “صفا” إن بلدة سلوان تتعرض لهمجة صهيونية ممنهجة وخطيرة تستهدف هدم وإخلاء آلاف المنازل، وطرد سكانها لأجل إحلال المستوطنين مكانهم.
ويوضح أن البلدة تعد الحامية الأساسية للمسجد الأقصى، ما جعلها محط أطماع الاحتلال وفي دائرة الاستهداف المتواصل، مبينًا أن الصراع في القدس صراع ديمغرافي، لأن “الكيان يريد أن تبني دولتها على حساب السكان الفلسطينيين الأصليين”.
وبحسبه، فإن الاحتلال يسعى إلى تفريغ سلوان من الفلسطينيين، تمهيدًا للسيطرة الكاملة على جنوب الأقصى، وصولًا لإقامة “حديقة تلمودية”، تمتد بين جبل الزيتون والعيسوية، وتصل إلى سلوان لتحيط بمدينة القدس بشكل عام.
ولمواجهة غطرسة الاحتلال في سلوان، يؤكد الشويكي أن المقاومة بكافة أشكالها هي العامل الرئيس لصد الهجمة الشرسة على البلدة، بالإضافة إلى استمرار صمود المقدسيين وثباتهم على أرضهم، ومواصلة حراكهم الشعبي لإفشال كل مخططات الاحتلال بالقدس.