* نديم الياسين: سجلت أموراً سلبية وأخطاء ارتكبها حتى من أحب ولم أغفل ما قدموه من أعمال جليلة وإنجازات باهرة

* أول كتاب لشاهد عيان عن أزمة دخول العراق إلى الكويت من ألفها إلى يائها

من سلام الشماع – أثار كتاب أصدرته، في العاصمة الأردنية عمان (دار دجلة.. ناشرون وموزعون) بعنوان (40 عاماً مع صدام حسين)، لمؤلفه الدكتور نديم أحمد الياسين، اهتمام العراقيين في كل مكان لما تضمنه من حكايات وأحاديث لم يتم التطرق إلى معظمها في أي كتاب سابق.

ويكتسب هذا الكتاب أهميته من كون مؤلفه رافق الرئيس الأسبق صدام حسين، منذ العام 1964 حتى تقاعده من الوظيفة، بعد شغله مناصب إعلامية ودبلوماسية ثم منصب رئيس المراسم في ديوان رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس صدام، وعيشه مع الرئيس حياة السجن والأوكار الحزبية قبل انقلاب 17 تموز 1968، الذي نفذه حزب البعث، فيما اهتم العراقيون بالكتاب، لأن مؤلفه سار فيه، كما قال في مقدمة الكتاب: “سيرى القارئ في ما سجلته من مذكرات في هذا الكتاب ما يناقض الكثير مما كتب وكان، للأسف، مليئاً بالمغالطات والادعاءات الكاذبة طلباً لمال أو سلطان، لذلك فأنه سيجد أني سجلت، حتى على من أحببتهم، أموراً سلبية وأخطاء ارتكبوها من دون أن أغفل ما قدموه من أعمال جليلة وإنجازات باهرة، كما أثنيت على الأعمال الجيدة التي قدمها من تقاطعت معهم عندما كنت في المسؤولية، وأشرت إلى أخطائهم”.

جاء الكتاب في 176 صفحة ليوثق جوانب مهمة من الاحداث التي عاشها الياسين برفقة الرئيس الأسبق صدام حسين على مدى اربعين عاما من العلاقة بينهما..

شغل الياسين عديدا من المواقع في العراق، قبل الاحتلال كان ابرزها رئاسته لدائرة المراسم والتشريفات في رئاسة الجمهورية التي استقى منها أغلب المعلومات الواردة في كتابه.

يتحدث الكتاب بسردية سلسة عن مرحلة مهمة من حياة العراق وحياة الرئيس صدام من خلال معايشة الياسين لبعض الاحداث، وقسم منها يماط اللثام عنه للمرة الأولى ما أعطي الكتاب أهمية خاصة، فوق أهميته.

يقول الياسين: “ولا أدعي أني وضعت كل شيء في هذا الكتاب أو لم أكن منحازاً، لكن حسبي أني حاولت واجتهدت أن أكون موضوعياً وبعيداً عن الهوى والمدح الفارغ والنفاق والتدليس، اللذين لا طائل من ورائهما، انسجاماً مع تربيتي العقائدية والسياسية، التي تحضّ على الصدق والصراحة وعدم الانجرار وراء شخصنة الأمور، فلم أكتب وأنا مغمض العينين من دون قناعة وتمحيص وإيمان بدور الكلمة وقدسيتها، فكلنا سنرحل ويبقى ما خطته أيدينا شاهداً علينا أمام الأجيال”.

يتحدث المؤلف عن بدايات تعرفه بصدام حسين بالقول: “كانت علاقتي قديمة وعميقة بالرئيس الراحل صدام حسين، فقد التقيته في العام 1964 بعد انقلاب عبدالسلام عارف على حزب البعث العربي الاشتراكي في تشرين الثاني من العام 1963، وكان صدام حسين ينشط سراً لإعادة تنظيم حزب البعث وتضميد جراحه، بعد أن عيّنته القيادة القومية للحزب عضواً في القيادة القطرية للحزب في العراق”. يواصل: “كنت مع صدام حين استأجرنا داراً في عرصات الهندية ببغداد، سكنتها وعائلتي لتصبح وكراً حزبياً يجتمع فيه مع أعضاء المكتب العسكري للحزب، كما يتم فيه طبع بيانات الحزب ونشراته على آلة الرونيو التي جلبها صدام إلى الوكر.. والمفارقة أني لم أعرفه إلا باسمه الحركي (سامي)، حتى عرفت اسمه الحقيقي عن طريق مصادفة”.

في 5 أيلول 1964 اكتشفت أجهزة الأمن الوكر وشنّت هجمتها على الحزب متهمة إياه بمحاولة القيام بانقلاب ضد السلطة، فالتقى المؤلف وصدام في معتقل التاجي، ثم في السجن رقم واحد في معسكر الرشيد، وفي السجن تعرف على أفكاره وتحليلاته وطموحاته عن كثب، وكان صدام، إذ ذاك، في العشرينيات من عمره، فرأى فيه المؤلف، كما يقول “مشروع قائد كبير، من خلال حرصه على المطالعة والمناقشة المعمقة، ومن حيث علاقته مع رفاقه في السجن”.

ويسرد المؤلف أحداثاً كثيرة

الجيش العراقي في الكويت
لعل أهم ما ورد في الكتاب الأحداث التي رافقت دخول العراق إلى الكويت، وقد تناولها الكتاب باستفاضة، إذ يروي المؤلف أن أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح زار العراق في 23/9/1989، وكان عنوان الزيارة التهنئة بانتهاء الحرب مع إيران في 8/8/1988 والتي امتدت لثماني سنوات.

ويقول: “لمست، بحكم موقعي رئيساً للمراسم في رئاسة الجمهورية في العراق ما يأتي:

* إن الرئيس صدام حسين لم يكن مرتاحاً كثيراً للزيارة بسبب شعوره أنها جاءت متأخرة، وأنه كان يأمل أن تكون خلال تلك الحرب لإعلان التضامن والإسناد العلني للعراق، أو أن تتم بعد انتهاء الحرب مباشرة.

* لم يكن أمير الكويت، ولا مرافقوه مرتاحين أيضاً لهذه الزيارة، وكان من السهل الاستنتاج أن تلك الزيارة كانت ثقيلة عليهم، أو كأنها شر لا بدّ منه!

* وبرغم مراسم الاحتفاء، وتقليد الرئيس صدام حسين وسام الرافدين لأمير الكويت، إلا أنه كان واضحاً أن فتوراً واضحاً يلقي بظلاله على لقاءاتهما وأحاديثهما خلال الزيارة.

* طلب إليّ الرئيس صدام حسين، خلال تلك الزيارة، إعداد نص معاهدة بين العراق والكويت على غرار، تلك التي وقعها مع الملك فهد بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية، الذي سبق أن زار العراق للغرض نفسه، أي التهنئة لمناسبة انتهاء الحرب مع إيران، وكان نص المعاهدة قصيراً، ويتكون من بضعة أسطر يؤكد احترام البلدين لسيادة كل منهما وحدودهما الإقليمية والتعاون لحفظ الأمن والاستقرار في البلدين.

* طلب إليّ الرئيس صدام حسين ترتيب مراسم التوقيع على المعاهدة، بعد مراسم تقليد أمير الكويت وسام الرافدين”.

ما جرى، بعد ذلك، أن الياسين نفذ أمر الرئيس، بما في ذلك طاولة التوقيع، وبعد مراسم تقليد الأمير وسام الرافدين جلس الرئيس صدام والأمير جابر في إحدى زوايا القاعة، التي تم فيها التوسيم، وبعد شرب القهوة أشار الرئيس صدام حسين إلى الياسين أن يجلب مشروع المعاهدة، وكان قد وضعه على الطاولة المعدة للتوقيع، وحمل المشروع الذي كان من ورقة واحدة، موضوعة في حافظة خاصة بالرئاسة، تسلم الرئيس منه الحافظة وفتحها، وقبل أن يعرضها على الأمير، وجه كلامه إليه قائلاً: (الأخ جابر.. هذا مشروع معاهدة بين العراق والكويت معد للتوقيع من قبلنا، وهو يخص احترام سيادة بلدينا وحدودهما والتعاون لحفظ الأمن والاستقرار بينهما، وهو النص نفسه الذي وقعناه مع الأخ الملك فهد، وعندما حاول الرئيس صدام أن يسلّم النص للأمير جابر للاطلاع عليه، تردد أمير الكويت في تسلم الحافظة، وعوضاً عن ذلك وجّه كلامه إلى الرئيس صدام قائلاً: (يا أخ صدام أرى أن نترك هذا الأمر للمختصين في بلدينا).

يقول الياسين: “برغم أن الرئيس صدام حاول أن يتسم ردّ فعله بالهدوء، إلا أنني وبسبب معرفتي به، لاحظت أن رد الأمير وقع عليه كالصاعقة، فالتفت إليّ وأعاد الحافظة مع ابتسامة لا تخلو من الألم والغضب وخيبة الأمل، وعندما غادر الرئيس صدام حسين ليترك أمير الكويت يأخذ قسطاً من الراحة، وفي طريقه إلى سيارته لمغادرة المكان التفت إلى من كان معه من المسؤولين العراقيين قائلاً: هل فهمتهم شيئاً؟.. إن مشروع المعاهدة كان لصالح الكويت ولطمأنة حكامها وأبنائها.. فكيف يرفضها؟ وابتسم مع إيماءة برأسه تعبر عن الدهشة والاستغراب والصدمة، ثم أضاف وهو يهم بدخول السيارة: كنت أخشى من هواجس قد تدور بخلد إخواننا في الكويت بعد انتصار العراق في الحرب مع إيران، فأعددنا مشروع المعاهدة لطمأنتهم وإزالة مخاوفهم، ولكن يبدو أن قلوبهم ليست صافية بعد.. ثم مضى في موكبه”.