تصادف الثلاثاء، الذكرى السبعون لاستشهاد مؤسس المملكة المغفور له، بإذن الله، جلالة الملك عبدالله بن الحسين، طيب الله ثراه، الذي لاقى وجه ربه شهيدا على عتبات المسجد الأقصى المبارك وهو يهم بأداء صلاة الجمعة في العشرين من شهر تموز عام 1951.

واستشهد الملك المؤسس مؤمناً بالله تعالى، وحافظا لعهد بني هاشم الأبرار بعد كفاح طويل من أجل أمة العرب ووحدتها ومستقبلها، حاملا راية أطهر ثورة عرفها تاريخ هذه الأمة، والتي انطلقت من مكة على يد والده شيخ الثوار الشريف الحسين بن علي، طيب الله ثراه.

وتستذكر الأسرة الأردنية الواحدة وهي تحيي هذه الذكرى بكل الفخر والاعتزاز، ذلك القائد الذي خرج من مكة المكرمة على رأس كوكبة من أحرار العرب الأوائل، مبشرا بالنهضة العربية الحديثة ووحدة الأمة ورسالتها النبيلة، والحرية والانعتاق من الاحتلال والوصاية وإعلان فجر أمته الماجدة الجديد.

وفي الوقت الذي اضطلع به الملك المؤسس بدور قومي رائد في حركة التحرر العربي التي بزغ فجرها مع بدايات القرن العشرين وبذل جهدا موصولا لدى ممثلي القيادات الفكرية والسياسية، وسعى لمستقبل أكثر إشراقا لأمة العرب، يواصل جلالة الملك عبدالله الثاني نهج الهاشميين والجد المؤسس من أجل ترسيخ القواسم المشتركة للأمة العربية التي تحقق لها المنعة والمستقبل الأفضل، كما يواصل جلالته تجذير النهج الديمقراطي الذي أرساه الجد منذ عام 1920.

وتميز الفكر السياسي للملك المؤسس بأنه انطلق من مبادئ الثورة العربية الكبرى وأهدافها، واعتمد في تنفيذها منهجية تتفق مع سمة العصر والتداعيات التي تمخضت عن خلخلة موازين القوى في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فجاءت اتصالاته مع قادة الدول الكبرى منصبة في الدرجة الأولى، على الاعتراف بالمشروع القومي النهضوي العربي، الذي جسده، طيب الله ثراه، خطة سياسية تنفيذية قائمة على منهج الإسلام والعروبة وبعث أمجاد الأمة وإحياء تراثها وحضارتها.

ونتيجة لحرص الشريف الحسين بن علي، قائد الثورة العربية الكبرى، على إعداد أبنائه الأمراء سياسيا وعسكريا ورجال دولة، فكان الملك المؤسس أول وزير للخارجية في الحكومة العربية الأولى التي تم تشكيلها بعد إعلان الثورة العربية الكبرى.

كما كان الملك المؤسس من أبرز قادة الثورة العسكريين، إذ تولى قيادة الجيش الشرقي الذي حاصر المدينة المنورة وشل قدرة أكبر حامية عسكرية تركية كانت تتمركز هناك وقوامها 14 ألف جندي، وبقيت تحت الحصار حتى نهاية الحرب العالمية الأولى حيث استسلمت لقوات الثورة بقيادة الملك المؤسس عام 1918.

وخرج الملك المؤسس في أولى تحركاته من الحجاز متوجها إلى الشام على رأس كوكبة من جند الثورة العربية الكبرى، وحين بلغ مدينة معان وجه النداء لأحرار العرب للانضمام إليه، بعد أن أعلن تطلعاته في حماية الأمة العربية والحفاظ على استقلالها والدفاع عن قضاياها العادلة.

ويسجل التاريخ وأحرار الأردن والأمة العربية بكل اعتزاز دور الملك المؤسس في إنقاذ الأردن وتخليصه من كل المخططات التي كانت تستهدف عروبته وحريته والتي استهدفت أيضا الأرض والهوية العربية، بعد أن تمكن من إقناع الدول الكبرى آنذاك وفي مقدمتها بريطانيا بذلك، مثلما يسجل له التاريخ بحروف من نور تلك الحكمة السياسية والقدرة الفائقة على التعامل مع الغرب، خاصة بريطانيا التي كانت تمسك بزمام الأمور في منطقة الشرق الأوسط.

وترجمة لفكر الملك المؤسس الوحدوي وانتمائه القومي الأصيل، فقد فتح أبواب الأردن أمام أحرار العرب ليصبح في عهده موئلا لهم، فوفدوا إليه من سوريا وفلسطين ولبنان والعراق والحجاز، وهيأ لهم فرص المشاركة في بناء الأردن الحديث وصنع سياسته الداخلية والخارجية.

وكان، طيب الله ثراه، أول من وضع لبنة الديمقراطية، وأول المنادين في تلك المرحلة بالتعددية السياسية، حيث شهد الأردن في بداية حكمه تأسيس أول حزب سياسي هو حزب الاستقلال العربي، فيما حظيت المعارضة السياسية في عهده برعايته، وكان يحرص على مجالسة الكتاب والشعراء والمفكرين يحاورهم ويناقشهم في مختلف الأمور والقضايا التي تهم الوطن والمواطن والأمة، ويتقبل الرأي الأخر بكل رحابة صدر.

لقد كان الملك المؤسس طيب الله ثراه، حصيفا ثاقب النظر في استقراء ما يتهدد الأمة العربية وما هي مقبلة عليه من تحديات، وكان أول الزعماء العرب الذي يطلق صيحته محذرا من ضياع فلسطين، وحين هبت الجيوش العربية لمساندة الأشقاء في فلسطين وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، كان الجيش العربي الأردني الباسل في مقدمة الجيوش العربية، يخوض معارك الشرف والبطولة والفداء، ويحافظ على عروبة القدس التي رويت أسوارها بدم الشهداء من الجيش العرب، الذين قضوا نحبهم دفاعا عن ثرى فلسطين والقدس الشريف.

وإلى جانب الدعم العسكري وفر الملك المؤسس الدعم السياسي والمادي لتمكين الأشقاء في فلسطين من الصمود على أرضهم ومواصلة كفاحهم من أجل هويتهم الوطنية وتحقيق تطلعاتهم المشروعة.