عبر الوزير الاسبق الدكتور غازي الزبن عن صدمته كما كثيرون من اعلان لجنة تحديث المنظومة السياسية التوافق على ابقاء دوائر البادية مغلقة مع السماح لابناء البادية الاردنية بالترشح في الدوائر الانتخابية الأخرى.
وتساءل الزبن بعنوان “مشروع قانون الانتخاب والتمثيل النيابي في البادية الاردنية”، “كيف تم التوافق؟ ومتى؟ واين؟ ومع من؟”.
وبين أنه كان الأجدر أن يتم الاجتماع مع ابناء البوادي الثلاث مجتمعين قبل هذا التوافق لانه يعتقد أن هموم وتطلعات البوادي الثلاث هي مشتركة.
وأكد الزبن أن الموضوع الذي يؤرق الاردنيون جميعا هو نزاهة العملية الانتخابية التي بالضرورة تؤدي إلى مخرجات تتنافى وبشكل صارخ مع الارادة الشعبية باختيار ممثليها.
وتاليا المقال:
عندما عهد جلالة الملك المعظم للجنة الملكية المشكلة لتحديث المنظومة السياسية والتي من اولى مهامها وضع مشروع قانون جديد للانتخاب كان المأمول أن تكون هناك مشاورات واستطلاع رأي القواعد الشعبية في هذا المشروع من حيث آلية الانتخاب، وتوزيع المقاعد النيابية والمسائل الأخرى المتعلقة بهذه المنظومة ككل.
الا أن الملاحظ والمتتبع لما يجري يوحي بشكل يثير الشك والارتياب أن الأمور محسومة وان القرار ربما يكون متخذا وما المشاورات واللقاءات التي تتم وعلى ندرتها انما هي من قبيل ابراء الذمة، وأسوق هنا مثالا صارخا وواضحا وضوح الشمس في منتصف نهار تموزي، الا وهو موضوع الانتخابات في مناطق البادية، وقد صدمت كما كثيرون غيري من الاعلان ان هناك توافق بابقاء دوائر البادية مغلقة مع السماح لابناء البادية الاردنية بالترشح في الدوائر الانتخابية الأخرى ومع تحفظي على دستورية هذا القرار الا أن ما يهمني اكثر هو كيف تم التوافق؟ ومتى؟ واين؟ ومع من؟ وكان الأجدر أن يتم الاجتماع مع ابناء البوادي الثلاث مجتمعين لانني اعتقد أن هموم وتطلعات البوادي الثلاث هي مشتركة.
وانا في هذا المجال اريد ان ادلي بدلوي وافصح عن بعض الأفكار التي ربما تفيد في هذا المجال وسأكتفي بالتحدث بنقطتين تاركا المجال لفرص أخرى اذا قيض لها أن تتم الحديث بشأنها.
1 – الموضوع الذي يؤرق الاردنيون جميعا هو نزاهة العملية الانتخابية التي بالضرورة تؤدي إلى مخرجات تتنافى وبشكل صارخ مع الارادة الشعبية باختيار ممثليها وقد ظهر هذا جليا في معظم الانتخابات التي اجريت والتي تم الاعتراف بها ومن اعلى المرجعيات وبشكل علني في مناسبات سابقة وقد اثبتت الأيام أن هناك تدخلا مباشرا لصالح مرشحين بعينهم للوصول بهم الى مجلس النواب وفي معظم الأحيان كان لهؤلاء الأشخاص والقوى ما يريدون وعندما تنقشع الغمامة وتنكشف الأمور تطفو على السطح وتبين الكيفية والسبب الذي من أجله تم التلاعب بالعملية الانتخابية ولسوء الحظ في أحيان كثيرة تكون الدوافع شخصية اما محبة او حقدا او ربما لاسباب مادية.
وعندما يقع الخلاف بينهم وخاصة عندما يدركون أن الطرف المنتفع قد أدار لهم ظهر المجن، يبدأ ابطال هذه الوقائع في سرد الوقائع وكيف تمت ودور كل طرف في عملية التزوير هذه.
ولذا فانني اقترح في هذا المجال أن تكون جريمة تزوير الانتخابات لا تسقط بالتقادم وانما يكون هناك تشريع يسمح بفتح هذا الملف ولو بعد زمن اذا توفرت ادلة ومعطيات جديدة ومثل هكذا تشریع اعتقد انه سيردع او على الأقل يجعلهم يفكرون مرتين قبل الإقدام على هكذا عمل مشين لأنهم يعرفون أن الدنيا دوارة وان الكرسي غير دائم وان سيف العدالة سيلاحقه حتى اخر ايامه.
2 – اما الموضوع الثاني والذي يحمل خصوصية دوائر البدو الثلاث وهنا سأتكلم عن المعايير التي على اساسها يتم توزيع المقاعد الانتخابية وفي رأيي ورأي الكثير سواءً في العالم الاول وحتى في العالم الثالث فان هذه المعايير تتلخص في المعيار التنموي، المعيار الجغرافي (المساحي) والمعيار الديمغرافي (السكاني) والأصل عند التوزيع للمقاعد الانتخابية هو توخي العدالة وليس المساواة لان العدالة تعني المساواة في كل شيء منذ البداية والمساواة بين غير المتساويين هو الظلم بعينه.
ومن خلال مناقشة هذه المعايير الثلاث ومدى انطباقها على البوادي ونفي الفكرة السائدة عند الكثير من أبناء المجتمع الأردني أن هناك محاباة لهذه الشريحة السكانية (البدو) وانهم حاصلين على حصة اكثر مما يستحقون وسأناقش وأثبت بالدليل العلمي والاحصائي وبالأرقام الرسمية أن هذا ليس فقط غير صحيح وانما لحقيقة أن هذه الشريحة مورس ولا يزال يمارس عليها ظلما واضحا وانتقاصا من حصتهم العادلة.
والتكلم فقط بالعامل الديمغرافي هو معيار ناقص والذي يتابع ما يحدث في الديمقراطيات المتجذرة يلاحظ مثلا أن مجلس الشيوخ الأمريكي وهو الهيئة التشريعية العليا يخصص لكل ولاية مقعدان فولاية كاليفورنيا والتي يزيد في الولايات المتحدة الأمريكية عدد سكانها عن 40 مليونا وتعتبر القوة الاقتصادية الرابعة على مستوى العالم يمثلها عضوان بينما ولاية مثل وايومنغ عدد سكانها نصف مليون نسمة لها ايضا عضوان في مجلس الشيوخ، وفي مجلس العموم البريطاني فان المقعد المخصص لكل دائرة بعدد نفوس معين يختلف بين ويلز، اسكتلندا، ايرلندا الشمالية، انجلترا بمعنى أنه ليس هناك تساوي في عدد النفوس التي يمثلها مقعد واحد في البرلمان.
بالنسبة للاردن فان المعيار التنموي واضح وضوح الشمس أن هذا المعيار في البوادي الثلاث مختل بشكل كبير مقارنة مع باقي محافظات المملكة من حيث توفر البنى التحتية وتوفر الخدمات وجودتها وخاصة في التعليم والرعاية الصحية أو وسائل المواصلات والنقل وحتى في الاتصالات ويكفي أن أنوه أن من ضمن جيوب الفقر العشرين في الأردن فان (15) جيبا منها في البوادي الثلاث و(3) جيوب فقر في الأغوار و(2) جيبان فقط في باقي المملكة والأهم أن نسبة الفقر في هذه الجيوب تصل وتتعدى احيانا نسبة 50% وعلى مدى 15 سنة لم تنجح (14) اربعة عشر حكومة اردنية متعاقبة أن تنتشل (12) جيبا من هذا التصنيف وهي قضاء وادي عربة، الرويشد، غور الصافي، الحسينية، مريغة، الصالحية، دير الكهف، الضليل، القويرة، ديرعلا، ام الجمال والجفر، اي ان هناك عشر من اصل 12 جيب فقر ثابت موجودة في البادية ومما هو جدير بالذكر ان تعريف الدولة الأردنية لجيب الفقر هو ما زادت نسبة الفقر فيه عن 25% من السكان حيث نجد أن نسب الفقر في وادي عربة 71.5 %، الرويشد 69.6 %، الحسينية % 52.5، مريغة 50.5 %، ایل 48.3 %، الديسي 47.5 %، ودير الكهف 42.8 %، الجفر 33.8٪.
اي ان هذه المناطق ليست فقط تعاني من فقر وانما فقر مدقع والجدير بالذكر ان تعريف الفقر في دراسات الفقر المنفذة في الاردن عدم مقدرة الشخص على توفير الدخل اللازم لتلبية الحاجات الأساسية (الغذاء، المأوى، الملبس، التعليم و الصحه والنقل) التي تمكنه من أداء عمله بصورة مقبولة، دوائر تعاني مثل هذه المعاناة جدير بها أن تكون حصتها من المقاعد الانتخابية اكثر من الدوائر المترفة الأخرى.
أما بالنسبة للمعيار الثاني وهو المعيار الجغرافي ( مساحة الدائرة ) فان البوادي الثلاث تشكل ما نسبته على الاقل 70% من مساحة المملكة والبادية الجنوبية لوحدها حصنها تتجاوز 40% من مساحة المملكة.
والجدير بالذكر أن هذه المساحات ليست مساحات جرداء وانما تحوي مصادر الثروات الرئيسية للبلد مثل مصادر مياه الشرب (شريان الحياة) والمعادن مثل الفوسفات والاسمنت وسيليكا واليورانيوم ومحطات الطاقة البديلة وفي مقدمتها الطاقة الشمسية والثروة الحيوانية والنباتية فمثلا البادية الشمالية تعتبر سلة الأردن في انتاج الفواكه والحمضيات واللوزيات اضافة الى الخضراوات.
أما المعيار الثالث وهو المعيار الديمغرافي (السكان) فان الحقيقة تدحض كل ما يشاع عن تدني عدد سكان هذه البوادي وساثبت بالارقام والإحصاءات الرسمية زيف هذه المعلومة وسأخذ مثالا دائرة بدو الوسط وعموما فان ما ينطبق على هذه الدائرة ينطبق على شقيقتيها دائرة الجنوب ودائرة بدو الشمال وربما يكون العدد اكثر في هاتين الدائرتين.
يذكر الاستاذ الدكتور محمد سالم الطراونة في كتابه تاریخ منطقة البلقاء ومعان والكرك (ما يمثل الاردن انذاك) في الفترة الزمنية بين 1870-1910 وهي رسالة ماجستير اشرف عليها العلامة المؤرخ الدكتور محمد عدنان البخيت ونشرت ضمن منشورات وزارة الثقافة عام 1992.
حيث يذكر على الصفحات ( 240-254 ) عندما يتكلم عن العشائر البدوية في المنطقة ويشير الى التقديرات الرسمية وكتابات الرحالة والباحثين أن عدد افراد قبيلة بني صخر عام 1880 هو 13500 نسمه واذا اخذنا بمعايير الزيادة السكانية المتبعة فان هذا العدد يصل الى 360.000 نسمة عام 2020.
ايضا نشرت جريدة الدستور الغراء وثيقة احصائية لعدد سكان الأردن عام 1923 حيث كان عدد سكان الأردن 250.000 نسمة.
كان عدد قبيلة بني صخر منهم 22.000 نسمة اي ما بنسبة 9% من مجموع سكان الأردن ومما هو جدير بالذكر أن لقاء تم في بيت معالي عيد الفايز عام 1999 حضره سمو الامير غازي بن محمد مستشار جلالة الملك لشؤون العشائر ووجهاء بني صخر وتطرق النقاش في ما تطرق اليه زياده عدد المقاعد النيابية والتي كانت آنذاك 80 مقعدة وتطرقت شخصيا لهذه الوثيقة وهذه الإحصائية وتبين أن سموه كان مطلعا عليها وشهادة لله والتاريخ أن سموه تبنى هذا الرأي بزيادة أعداد مقاعد البوادي الا انني اعتقد اننا كابناء بادية لم نولي هذا الأمر الأهمية التي يستحقها.
في تعداد السكان الذي تم عام 2004 تشير الأرقام ان عدد سكان الأردن الكلي هو 5.103.000 نسمة.
اما منشورات دائرة الإحصاءات العامة لعام 2020 فتبين أن عدد سكان الأردن هو 10.806.000 نسمة ، الأردنيون عددهم 7.478.000 نسمة وغير الأردنيون 3.328.000 نسمة او ما نسبته بحدود 31 % من سكان المملكة.
عدد ابناء دائرة بدو الوسط المنتشرين في 5 خمسة محافظات فهو كالتالي لواء الجيزة 75.320 بعد خصم مخيم الطالبية لانه يصوت في عمان الرابعة، لواء الموقر 70.85 نسمة، محافظة الزرقاء 16643 نسمة، محافظة المفرق في البادية الشمالية الغربية 12596 نسمة محافظة اربد 10.000 نسمة، محافظة مأدبا 5000 نسمة، = مجموع تعداد بدو الوسط = 190.382 نسمة وكل هذه المحافظات الخمس فيها صناديق انتخابية لدائرة بدو الوسط بمعنى أن هناك مقعد انتخاب واحد لكل 63.460 نسمة وهذا ينطبق على الباديتين الشمالية والجنوبية وبهذا فان البوادي من حيث توزيع المقاعد الانتخابية لا تتجاوزها في الارقام الا محافظة العاصمة ب 97.761 نسمة لكل مقعد تليها محافظة الزرقاء بواقع 85.479 نسمة لكل مقعد ومن ثم محافظة اربد بواقع 77.684 نسمة لكل مقعد بينما كل المحافظات التسعة الأخرى فالتوزيعة تتراوح بين 19.473 نسمة – 47.325 نسمة لكل مقعد وهذا يسقط بشكل علمي واحصائي وموثق حسب وثائق دائرة الإحصاءات العامة.
ان العامل الديمغرافي ايضا وبالاضافة الى العاملين الاخرين الجغرافي والتنموي تحتم أن تكون حصتنا من المقاعد الانتخابية على الاقل ضعف الحصة الحالية.
ولذا فانني اعتقد ان الحل الأسلم والأكثر عدالة والذي يصب في المصلحة الوطنية العليا ان تقوم اللجنة الملكية بدراسة اقتراحي المتمثل بزيادة عدد مقاعد البوادي الثلاث واستحداث 3 محافظات، محافظة لكل دائرة بدو وحسب معرفتي فان التواصل الجغرافي متواجد في الباديتين الشمالية والجنوبية اما بالنسبة لدائرة بدو الوسط فيمكن ضم تجمعاتهم السكنية في محافظتي الزرقاء والمفرق وهذا سيحافظ على اللحمة العشائرية المرجوة والمسافات بين هذه التجمعات ليست كبيرة ويمكن الوصول الى أبعد نقطة في فترة زمنية لا تتجاوز الساعة علما بأننا نعرف أن هناك دول نحاول أن تكون مثالا يحتذى لنا مثل الولايات المتحدة الأمريكية حيث هناك ولايات مثل الاسکا وجزر هاواي ليست فقط غير متصلة بالبر الأمريكي بل تبعد عنه الآف الأميال ونفس المثال ينطبق على المملكة المتحدة وايرلندا الشمالية ودول كثيرة جدا خاصة الدول التي لها جزر تابعة لها في مجالها البحري.
مما لا شك فيه بالنسبة لي ولرأي الكثيرين غيري من ابناء البادية فان استحداث ثلاث محافظات للبوادي سيحل كثيرة من المعاضل وعلى رأسها الدوائر الانتخابية والأهم أن ذلك سيساهم كثيرة بالارتقاء بالتنمية الشاملة في البوادي لانه عندئذ تكون لها موازنتها المستقلة بحيث تصرف في الأوجه الأنسب ويكون التواصل بين المواطنين اكثر بحكم الاحتكاك المباشر والمصلحة المشتركة مما سيزيد من لحمة هذه العشائر والتي بالنهاية تصب في زيادة اللحمة الوطنية.
راجيا أن تكون هذه الورقة مساهمة في العصف الذهني الذي يدور بين اروقة هذه اللجنة للوصول الى الحلول الأمثل.
وانا ومعظم أبناء البادية عندنا في الحلق غصة لأن الفكرة السائدة أننا حاصلون على مكاسب، وان ما يجري الان و على لسان اللجنة المحترمة هو الحفاظ على هذه المكتسبات بينما الواقع هو عكس ذلك تماما، فحن واقع علينا ظلم كبير وقصور اكبر وقد تحملنا ذلك لمدة طويلة لقناعتنا اتنا بناة هذا الوطن واننا لا يمكن أن نكون الا معاول بناء لا هدم.