عقد منتدى الفكر العربي، الأربعاء، لقاءً حوارياً عبر تقنية الاتصال المرئي، حاضر فيه أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك د. عبد الرزاق بني هاني حول نظرية الانحباس والتنمية العربية، وشارك بالمداخلات، في هذا اللقاء الذي أدراه الوزير الأسبق وأمين عام المنتدى د. محمد أبو حمّور، مدير معهد الإعلام الأردني د. عبدالحكيم الحسبان، وأستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك د. عبدالباسط عثامنة، وأستاذ الاقتصاد في الجامعة الأردنية د. رعد التل، والباحثة الاقتصادية ولاء سلطان، والباحثة الاقتصادية راغدة عمر.
وأوضح المحاضر د. عبد الرزاق بني هاني أن النمو الاقتصادي في العالم نشأ نتيجة الرأسمالية والقومية، وترك آثاراً سلبية عديدة في مختلف دول العالم المتقدم، بالإضافة إلى أنه دفع العالم العربي إلى الاقتصاد الريعي الذي ابتكره الغربيون، مما أوجد حالة من الانحباس والتبعية الاقتصادية للعالم المتقدم.
وأشار د. عبد الرزاق بني هاني إلى أن أسباب تراجع التنمية في المنطقة العربية تتمثل في عدم تحديد المقصود بالاقتصاد المؤسسي، ووجود تشريعات قديمة، وعادات وتقاليد خاصة بالمجتمعات المحلية، وأن الوصول إلى التنمية الحقيقة يتطلب دستوراً عصرياً فاعلاً، وتعليماً عاماً متطوراً، وتعليماً عالياً معاصراً، إلى جانب الرعاية الصحية والتكنولوجيا، والثقافة الاجتماعية المُنتِجة.
ناقش المتداخلون مفهوم التنمية الوهمية، والأسباب التي أدت إلى التراجع التنموي، وسبل تحقيق التنمية المستدامة وتخلص الدول الفقيرة من التبعية المطلقة للدول الغنية، وهيمنة الرأسمالية في دول المركز، وضرورة العمل على تنظيم موارد الدول بتوظيفها بصورة صحيحة، وتطوير جوانب التنمية كافة بما فيها التعليم والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد والسياسة، وبما يضمن للدول الاستقلالية الاقتصادية، ويحررها من أقفال التبعية، ويقلل العبء عليها وخصوصاً ما يتعلق بالاقتراض الخارجي.
وأشاد المتداخلون بالجهد المقدم في الكتاب الذي سبق أن نشره د. بني هاني حول نظرية الانحباس، والذي تضمن جوانب وقضايا فكرية تتعلق بالمفهوم التنموي وأسس الوعي به، والبحث في الجذور التاريخية حول مسألة التنمية في الوطن العربي، وتبديد الموارد في أنشطة تؤدي إلى انحسار التنمية والفقر.
وأشار د. عبد الرزاق بني هاني إلى أن التحولات التاريخية الأهم في تاريخ الفكر الاقتصادي هي التي تمثلت بظواهر تطور الفلسفة “الميركينتالية” من بقايا عصر الإقطاع لتصبح الرأسمالية التاريخية، وهي فلسفة عدوانية تمثلت بنهب ثروات الأمم وخاصة الذهب والفضة، ثم تحولت إلى الرأسمالية الصناعية، ثم إلى الرأسمالية السياسية، والعسكرية، والدبلوماسية، والمعرفية، والأكاديمية، والتقنية، والمعلوماتية، والرقمية.
وذكر في حديثه أن المؤرخ الاجتماعي والاقتصادي إيمانويل فالرشتاين صنف الدول العربية كطرف الأطراف بناءً على فلسفة رباعية الأبعاد لتقسيم العالم في الاقتصاد، وترتيب أنظمة العالم اقتصادياً حسب رأيه، فهي إما مصدر للطاقة لمشتري يحتكر الشراء، أو حليف استراتيجي يعين الدول المتقدم على تحقيق بعض غايتها لكنه ليس نداً لها.
وبين أن النمو الاقتصادي في العالم نشأ نتيجة الرأسمالية والقومية، وترك آثاراً سلبية عديدة في مختلف دول العالم المتقدمة، بالإضافة إلى آثاره العميقة في المنطقة العربية، ومنها أنه دفعها إلى الاقتصاد الريعي الذي ابتكره الغربيون وأرسوا خططه بحذر شديد للسيطرة والاستفادة من المواد الخام للصناعة، واحتكار العالم المتقدم لشراء وبيع الغذاء والسلع المدنية والعسكرية، مما أدخل الدول العربية الحديثة في مصيدة الانحباس والتبعية بأشكالها كافة. وذكر أن أسباب تراجع التنمية في المنطقة العربية عدم تطبيق مفهوم الاقتصاد المؤسسي الحقيقي، فيما تقوم جوانب من التنمية على التشريعات القديمة والعادات والتقاليد الخاصة بالمجتمعات المحلية، وأن الوصول للتنمية المستدامة الحقيقية ينبغي أن يقوم على دستور عصري فاعل، وتعليم عام متطور، وتعليم عال معاصر، ورعاية صحية وتكنولوجيا، وثقافة اجتماعية منتجة.
وبدوره أشار د. محمد أبو حمّور إلى ضرورة الربط بين الثقافة والتنمية الاقتصادية للتعامل مع واقع التنمية وإدراك الحقائق المتعلقة بها، ذلك أن الجانب الاقتصادي وتغطية حاجيات الإنسان والمجتمع وتحسين مستويات العيش تتعلق حكماً بتطوير القدرة على الإنتاج، واستثمار التكنولوجيا ومخرجات البحث العلمي، والعمل على توسيع الاستثمارات، وتبني أساليب إنتاجية وإدارية حديثة وملائمة للبيئة الاجتماعية والثقافية والبيئية، وعدم إهدار الموارد الاقتصادية بسوء التنظيم أو التوزيع، ويتحقق ذلك في إطار البعد الاجتماعي، سواء في النظم الضريبية أو نظام الحماية الاجتماعية وتحسين الخدمات، مع ترشيد الاستهلاك وتطوير مصادر الطاقة.
وبين أن التقرير العربي للتنمية المستدامة لعام 2020، أكد ضرورة أن تعمل المؤسسات على تكييف الهيكل المؤسسي وترتيب أولوياتها بما يضمن تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، مبيناً أن المنطقة العربية تحتاج إلى العديد من الإجراءات والإصلاحات التي من شأنها إزالة العوائق أمام الوصول إلى التنمية المستدامة الحقيقية، وفي مقدمة ذلك وضع السياسات والاستراتيجيات التي تنسجم مع كونها تضم مجتمعات متجانسة ثقافياً، والتخلص من الاقتصاد الريعي وآثاره على المجتمعات من انطفاء روح المبادرة والابتكار والإبداع، وتضاؤل الإنتاجية وعدم تأثر الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة بسياسات الإصلاح الاقتصادي مما يزيد الفجوات التنموية.
وأوضح د. عبد الحكيم الحسبان أن جزءً كبيراً من العاملين في التنمية ينظرون إليها من جانب واحد،، مؤكداً ضرورة التعامل مع التنمية من منظور شمولي، والانتقال من النظريات إلى الواقع المُعاش في العالم العربي، ودراسة الأرقام والإحصائيات وتحليلها، والعمل على تكثيف الدراسات المتعلقة بجوانب التنمية في المنطقة العربية، وخصوصاً في الجانب التاريخي الاقتصادي الاجتماعي، وإنتاج معرفة علمية وعملية عربية للتخلص من التبعية المعرفية للغرب.
وأشار د. عبد الباسط عثامنة إلى حال التنمية المستدامة في الدول العربية، مؤكداً أن التبعية المطلقة تكاد تصبح أسلوب حياة وإن كان هذا الأمر غير مُدرَك، ذلك أن الغرب حرص منذ البداية على محاولة تجذير التبعية في المنطقة مما جعله موضوعاً جدلياً كل يراه حسب منافعه، موضحاً ضرورة قيام نظام عربي للتنمية يستند إلى الخطاب القيمي، والبعد الأخلاقي، والنفوذ العلمي باستخدام الثورة الصناعية الرابعة للتخلص من الانحباس والتبعية والوصول إلى التنمية المستدامة.
وبيّن د. رعد التل أن سير العالم العربي نحو تنميته ورفعته وخروجه من طور الانحباس يكون من خلال عدد من المتغيرات أهمها الإيمان بالعقل العربي، والمؤسسية، والإرادة الحرة. وأشار إلى أن درجة التبعية للدول تنخفض عند تعدد المصادر للحصول على المساعدات، والغذاء، والسلاح أو معرفة سُبل ومنهجيات التنمية، مما يؤدي إلى انخفاض درجة الانحباس، وزيادة المدخرات الوطنية والوصول إلى تحرر اقتصادي كامل.
وبدورها أشارت الباحثة ولاء سلطان إلى ضرورة استخدام منهجيات متطورة في الاقتصاد المؤسسي للانتقال من النمو الاقتصادي إلى التنمية المستدامة.