مرايا – حققت الصين معجزة اقتصادية وصناعية وتكنولوجية على مستوى العالم خلال العقود والسنوات الأخيرة. وخطت خطوات رائدة في الابتكار والإبداع والتميز والتفوق في مجالات عديدة، أبرزها التكنولوجيا والفضاء والصناعات التحويلية والطاقة والمواصلات، إضافة إلى قفزات مهمة في المجال العسكري والبيئي، والتمكن من انتشال مئات الملايين من الفلاحين والمعدمين من براثن الفقر، وتحويل مساحات واسعة من الأرياف والمناطق النائية، لاسيما في غرب البلاد إلى مساحات خضراء منتجة ومثمرة. كما أن منتجات الصين وبضائعها دخلت منذ سنوات عديدة كل مدينة وحي وشارع وبيت. وهي متاحة بأسعار تتناسب وظروف كل شريحة من شرائح المجتمعات المختلفة. ومطاعمها غزت دولا كثيرة، وقدمت فرصا وفيرة، وكانت خير رسول يقدم الثقافة الصينية ونمط الحياة الصيني بسهولة وسلاسة. أما نجاحاتها وإنجازاتها المذهلة على صعيد مكافحة وباء كورونا، فلم تدع لأحد مجالا للشك في عظمة هذا البلد ونهضته وتفوقه، وضرورة الاعتراف بفضله، وأحقية تقديره واحترامه.
إن الشواهد على أرض الواقع لا تشير إلى دولة بائسة متخلفة تحولت إلى أكبر كيان اقتصادي في العالم فحسب، وإنما إلى دولة حققت أكبر وأسرع النجاحات والإنجازات في التاريخ البشري على امتداد قرونه وعصوره. فما يحدث فعلا يفرض نفسه ويحقق ذاته، ويراه القاصي والداني رأي العين. فالقطار الصيني يندفع على مدار الساعة دون توقف، محطما الموانع والحواجز التي تعترض طريقه بكل ثقة واقتدار. وعجلة التنمية تدور كالمعتاد مسجلة أرقاما وارباحا قياسية، ومحققة مستويات معيشية أرقى على الصعيد الاقتصادي والمادي، حتى صارت السمة الأساسية للصين المعاصرة هي التغير المستمر، والتطور المتواصل، والابتكار المتجدد في كل مظاهر الحياة في المجتمع والدولة والأمة.
لعل جانبا من المعاني التي يوحي بها هذا التقدم هو أن الصين فرصة نادرة للعالم، بتعدادها ومساحتها ونهضتها وإمكاناتها. ولذا فإن المطلوب من الدول النامية والدول المتقدمة على حد سواء، أن تبادر بدراسة التجربة الصينية على الصُعد كافة، وأخذ العبر والدروس منها بما يتلاءم مع ظروف وخصوصية كل دولة، وواقع كل بلد.
المشكلة أن الفكرة التي عشعشت في رؤوس البعض أن الصين تهديد لهم لا فرصة. وأنها محنة لهم لا منحة. وأنها العدو الذي سيطيح بهم ويعصف بكياناتهم ويعيدهم إلى الوراء إلى غير رجعة. فما كان منهم إلا أن وضعوا الصين على رأس سُلم أولوياتهم، بل هدفهم وغايتهم وفي مرمى نيرانهم. تارة يخلقون لها المصاعب والمتاعب مع دول الجوار لتبقى حدودها الخارجية ملتهبة. وتارة يثيرون لها المشاكل والقلاقل في النسيج الاجتماعي والخليط العرقي على أمل أن تنزف الجبهة الداخلية دماء وضحايا. والغريب أنهم يستخدمون شماعة حقوق الإنسان للنيل منها وهم أكثر الناس اجتراء واعتداء على هذه الحقوق. وهم الذين يتهمونها بمعاداة الأديان، أما الأديان عندهم فحدّث ولا حرج. بل لعل المتتبع للحروب التي أشعلوها والفتن التي افتعلوها والدول التي احتلوها ودمروها في الحاضر والماضي وأعادوها إلى العصور الحجرية، يكتشف أنهم يخوضون حروبا دينية استعمارية تنضح بالحقد والكراهية والعنصرية. والفضيحة الأكبر من ذلك أنهم يمارسون القتل والخراب والدمار والاستعمار تحت دعوى محاربة الإرهاب، وهم لا غيرهم من أنشأ الإرهاب وأسسه ووظفه لخدمة سياساتهم وحروبهم. لقد أنشأوا الميلشيات الإرهابية والدول الإرهابية لتكون وسيلتهم في قهر شعوب العالم، وأسلوبهم في نهب خيرات العالم، وطريقتهم في إنشاء دول فاشلة بأحجام ومقاييس محددة تصبح تابعة لهم، تأتمر بأمرهم وتدور في فلكهم وتحارب نيابة عنهم.
في مسألة الإرهاب (الذي قالوا إنه العدو الأول للبشرية)، حددوا تعريفا خاصا به وفرضوا على العالم أن يتبناه. وحددوا طريقة المكافحة وإجراءاتها وآلياتها وكل ما يتعلق بها لا سيما تحديد من هو الإرهابي ومن هو غير الإرهابي، وفقا لرؤيتهم ومنطقهم ومصلحتهم.
وفي مسألة وباء كورونا (الذي قالوا عنه إنه العدو الأول للبشرية) أيضا، سرعان ما لجؤوا إلى تسييسه وتوظيفه لخدمة مصالحهم وأهدافهم، واستخدموا كل الأساليب لوصم الصين به وتحميلها المسؤولية عنه كخطوة أولية لتدفيعها ثمنا لا يتخيله أحد. وذلك بعد أن فرضت على شخصيات وشركات صينية عديدة عقوبات مشددة بدعوى سرقة الابتكارات.
إنه نفس المنطق الذي تتبعه هذه الدول في التأثير على قرارات الشرعية الدولية، وتحديد موقفها من الهيئات والمنظمات التابعة للأمم المتحدة، وعلى توجهات وقرارات جامعات وهيئات ونظم ودول عديدة في العالم، وذلك لصالحها وصالح حلفائها.
إن إجراءات عديدة اتخذت من قبل هذه الدول ضد الصين لكبح تقدمها وعرقلة تطورها والتأثير على عجلة التنمية المتسارعة فيها. يريد أؤلئك من خلالها إشغال الصين عن متابعة أبحاثها العلمية في الأرض والفضاء، وإبطاء برامجها العسكرية والدفاعية، بل يريدون الإساءة إلى الصين ومحاصرتها وعزلها. ويريدون ضرب عملية الإنتاج، والتغطية على التدهور الهيكلي المحلي عندهم، والإصلاحات الضعيفة لديهم، ولتشتيت انتباه الأوساط المحلية لعدم كفاءة الحكومات هناك في الحكم، وإبعاد الأنظار عما قامت به تلك الدول من تجارب حرب بيولوجية وكيميائية ونووية، وتوجيه الأنظار نحو الصين.
ولكن كل هذه الأعمال لا تضر الصين بمقدار ما تضر المجتمع الدولي كله، لأن المعني بمحاربة الإرهاب يدرك أن أول خطوة للقضاء عليه هو لمّ شمل الدول كافة لاسيما الفاعلة منها لقيادة المسيرة. ولأن المعني بمكافحة وباء كورونا ينطلق من الدعوة إلى توحيد الجهود العالمية لا سيما تلك التي لها باع طويل في الإبداع والابتكار لضمان تحقيق نتائج حاسمة على الأرض، ولعل الصين في الحالتين في مقدمة هذه الدول، والواقع الفعلي شاهد على ذلك.
واضح أن الصين واثقة بنفسها ثقة تليق بحجمها وقدرتها ومكانتها. وهي في ردة فعلها على كل ما يحاك ضدها تتحلى بالنفس الطويل، وتختار طريق تعزيز المكاسب وتحقيق المزيد من النجاحات والإنجازات. أما الذي يتابعون حقيقة ما يجري، ويعون أبعاد ما يدور، فيزدادون انبهارا وإعجابا بما تقدمه الصين للإنسانية من آلات وابتكارات ومخترعات، ومن مشاريع تعود على البشرية قاطبة بالنفع والفائدة.

باحث في الشأن الصيني / د. أحمد زيدان