توصف معركة “تل الذخيرة” شمال القدس في حي الشيخ جراح بأنها أكبر معارك التي وقعت في السادس من حزيران 1967 واستمرت يومين كاملين، استشهد فيها 97 جنديا أردنيا من أصل 101 جندي ضمن كتيبة “الحسين الثانية”، حيث نجا 4 جنود فقط، بعضهم أصيب والآخر اعتقل.
تحصن الجنود الأردنيون في خنادق حفروها داخل التل لمنع تقدم قوات الاحتلال الصهيوني نحو البلدة القديمة والمسجد الأقصى من جهة الشمال، واستطاعوا قتل 21 جنديا صهيونيا، لكن تفوق السلاح الصهيوني وإغارة طيرانه الجوي على مواقع المدفعية الأردنية أباد الكتيبة وحسم المعركة.
تقول صحيفة “معاريف” في عددها الصادر يوم 25 أيار عام 2017: “ورد في التفاصيل التي كشفها أرشيف الجيش الصهيوني ووزارة الدفاع بمناسبة الذكرى 50 لـ”توحيد العاصمة” (مصطلح صهيوني لاحتلال القدس) أنه “كان واضحا آنذاك أن تلة الذخيرة لم يتم احتلالها بسهولة مثلما اعتقدنا”.
وتضيف: “من التحقيق الذي جرى لقادة ومقاتلين شاركوا في المعارك بالبلدة القديمة بالقدس وفي تلة الذخيرة، يتضح صورة قاسية لمعارك دامية ومزاعم بنفاذ الذخيرة، وغياب التخطيط الفاعل والمعلومات الاستخبارية”.
جاء في التحقيق: “هناك نقص في الذخيرة، أعدوا جنود من سكان القدس يعرفون المدينة، بهدف دمجهم بالقوات، لكن قبل لحظات من الخروج، أعادوهم لسريتهم. وخرجت القوات مع جنديين فقط يعرفون المنطقة، وفُقدت إحدى القوات في الطريق وعثر عليها بعد تأخير كبير”.
وبحسب التحقيق “قال جيورا (أحد القادة) إن هذه كانت اللحظات التي واجه فيها رعبا لم يواجهه في حياته”.
كان “جيورا” قاعد السرية المساعدة في الكتيبة 66 التابعة للواء 55. وقد تحدث في التحقيق عن ضراوة المعارك في تل الذخيرة ومدرسة الشرطة. وتحدث عن توفير الذخيرة، ثم نفاذها.
ووصف الضباط المقاتلون مشاعرهم الصعبة حيال العدد الكبير من القتلى الذين سقطوا خلال المعارك، وقالوا :”في هذه المرحلة (بعد تفجير الجدار الثاني في تلة الذخيرة) خسرنا تقريبا فصيلا كاملا. فبالقرب من موقع القيادة يظهر موقعا يضم أردنيين لم يتوقفوا عن رمي القنابل تجاه القوات. كل من كان في الخندق سقط بين قتيل وجريح”.
وقال “جابي” (قائد آخر بالقوة االصهيونية) إنه من كثرة القتلى والمصابين لم يعد لديه من يقاتل، إذ توقفت المعركة عندما سقطت قنبلة وتصاعدت النيران من الموقع”.
خلال المعارك، صدر أمر بالصعود إلى فندق “امباسدور” بالقدس الشرقية، لكن المقاتلين الذين عانوا من غياب معلومات استخبارية استغرقوا وقتا طويلا لتحديد طريق الفندق الذي سيطروا عليه في النهاية. ويقول قادة في جيش الاحتلال “كان من الواضح أن تلة الذخيرة لن يتم احتلالها بسهولة مثلما اعتقدنا”.
ويتضح من الشهادات أن وحدة إخلاء المصابين تركزت بعيدا جدا عن موقع المعارك الضارية بتلة الذخيرة، ما صعب للغاية إخلاء القتلى والجرحى.. كان من بين من أدلوا بشهادتهم في التحقيقات “يعقوب حيتس” الذي تمكن في نهاية الأمر من تصفية القناص الأردني الذي جعل مهمة التقدم مستحيلة.
مسعف الكتيبة يجال أراد، الذي تلقى بعد الحرب وسام الشجاعة وقتل بعد ذلك في حرب أكتوبر 1973 ، روى أنه كان يفتقر للمعدات اللازمة لنقل الجرحى. وبدأ فقط مع هدوء المعارك مهمة إخلائهم بمساعدة الجنود الصهاينة الذين جاءوا لاحقوا وحسموا المعركة.
يشار إلى أن تلة الذخيرة التي شهدت أشرس المعارك، كان موقعا عسكريا في الجزء الشمالي من القدس الشرقية ، ويقع غرب أكاديمية الشرطة مع خندق محصن يربط بينهما، وبني الموقع على يد البريطانيين خلال الانتداب البريطاني على فلسطين في الثلاثينيات من القرن الماضي.
وفي معركة باب العامود (يطلق عليه أيضا باب نابلس وباب دمشق)، وهو أحد أجمل الأبواب في سور مدينة القدس المحتلة، قال قائد الفصيلة الصهيونية، إن الدبابات ليست قادرة على الاقتراب من السور، وتطلق نيران ليست دقيقة..
كانت المهمة السيطرة على الدير والتقاطع المواجه لباب العامود. كان هناك جنود أردنيون يتحصنون في نهاية الدير، أرسل الصهيونيين أحد الرهبان طلب منهم الاستسلام، وافق الأردنيون شريطة أن ينزل جنود الاحتلال إلى الطوابق السفلى، وبعد 10 دقائق اكتشف الصهيونيين أن الأردنيين قد اختفوا من المكان.
قال قادة الكتائب في التحقيق إنهم “اكتشفوا سقوط عدد كبير من القتلى فاق توقعاتهم بكثير”. وأن “هناك ثقة مبالغ فيها من قبل القيادة العليا في الانتصار بسهولة في المعركة”، للدرجة التي دفعت عوزي نركيس قائد وحدات قوات الدفاع الصهيونية في المنطقة الوسطى خلال حرب 1967. لإخبار تيدي كولكس رئيس بلدية القدس “”كل شيء على ما يرام ستكون رئيس بلدية القدس الموحدة.. في سيناء حققنا نجاحات خيالية، المدرعات تتقدم ، والنصر مؤكد”.
لم يكن اكتشاف بقايا رفات جندي أردني شارك في معركة “تل الذخيرة” أو ما يسميها الاحتلال “جفعات هتحموشت” الاكتشاف الأول في هذه التلة، فقد اكتشفت في الأول من آب الحالي خلال أعمال البنية التحتية الصهيونية 6 قاذفات للصواريخ من نوع “بازوكا” امتلكها الجيش الأردني، ويعود تاريخ تصنيعها إلى عام 1956.
وأخذت رفات الجندي إلى معهد أبوكبير للتشريح في مدينة تل أبيب. وأظهرت الصور خنجرا غطاه الصدأ يبدو أن الجندي كان يقتنيه للحظة المواجهة وجها لوجه، إضافة إلى خوذة تميز الجنود الأردنيين، وساعة صدئة توقفت عقاربها بعد الواحدة بعشرين دقيقة، وعلبة رصاص لامع جديد وآخر متناثر فارغ، إلى جانب بندقية وخاتم ذهبي لف أحد أنامله.
ونفى مصدر عسكري مسؤول في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية -الجيش العربي، صحة الأخبار المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي والمتضمنة تحديد هوية الشهيد الأردني الذي عثر على رفاته في منطقة تل الذخيرة بالقدس.
وأكد المصدر أن القوات المسلحة أوفدت الخميس وبالتنسيق مع وزارة الخارجية وشؤون المغتربين لجنة مختصة لتحديد هوية الشهيد من خلال الفحص الجيني DNA، وجلب المقتنيات العسكرية التي عثر عليها مع رفات الشهيد خلال الحفريات في منطقة تل الذخيرة التي جرى على ترابها معارك الجيش العربي في الدفاع عن القدس خلال تلك الفترة.
وبين المصدر أن القوات المسلحة ستعلن عن أية إجراءات ونتائج تتخذ بهذا الخصوص، مؤكدا أن القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي هي المصدر الوحيد لأي معلومات وأخبار بهذا الشأن، داعيا كافة وسائل الإعلام إلى استقاء المعلومات من مصدرها الرسمي.