فيما يشهد الجنوب السوري تحركات من قوات النظام والمعارضة وقوى خارجية كالميليشيات الإيرانية والمجموعات المحلية في منطقة صراع متنازع عليها، دعا مراقبون الى النظر بعين الخشية والاهتمام من وجود تلك الميليشيات على الحدود الأردنية حتى لا تكون مصدر إزعاج أمنيا أو التأثير في العلاقات الأردنية السورية.
وأعاد الوضع الأمني والعسكري في محافظة درعا السورية المحاذية للحدود الأردنية، تسليط الأضواء على التطورات الميدانية في المحافظة التي احتفظت بقدر من الاستقرار في السنوات الثلاث الماضية، نتيجة عوامل عدة بينها رعاية روسيا بعد نجاحها في تثبيت النظام السوري، للمصالحات بين فضائل معارضة وقوات النظام، التي شملت محافظات عدة بينها محافظة درعا.
ويشير أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة الأردنية محمد مصالحة، إلى وجود إيراني على شكل جماعات وميليشيات وحشد شعبي منتشر في أكثر من قطر عربي، خصوصا في دول مجاورة مثل سورية والعراق، موضحا أن الاتفاق الذي تم قبل عامين أو أكثر بمباركة روسية كان يهدف لتفادي تهديد الوجود الإيراني على الأمن الوطني الأردني.
وبعد مرور ثلاثة أعوام من اتفاق التسوية بين المعارضة والحكومة السورية، في محافظة درعا، وبوساطة روسية، عاد الوضع فيها إلى المربع الأول من جديد؛ حيث خرج أهالي المدينة خلال الأيام القليلة الماضية في مظاهرات واحتجاجات، أدت إلى اشتباكات مع القوات الحكومية سقط فيها عدد من القتلى والجرحى من كلا الجانبين.
وأضاف مصالحة أن الأردن دولة تسعى للمحافظة على أمنها الوطني، كما تسعى إلى إبقاء علاقتها مع دول الجوار مثل سورية مستقرة وجيدة متطورة، لافتا إلى أن الوجود الإيراني على الحدود لم يسبب إلى الآن وقوع حوداث أمنية أو حالات تسلل لبعض الأفراد الى الداخل الأردني، ما يؤثر في الأمن الوطني.
ويعتقد أن أي تواجد إيراني على حدود الأردن يجب أن ينظر اليه بعين الخشية والاهتمام حتى لا يكون ذلك مصدر إزعاج أمنيا أو للتأثير في العلاقات الأردنية السورية، مبينا أن روسيا والولايات المتحدة وسورية مهتمة بعدم وقوع أي إشكالات على الحدود السورية الأردنية.
وبحسب اتفاق التسوية الذي أبرم في تموز (يوليو) العام 2018، تعين على الفصائل المعارضة قبول تسليم أسلحتها الثقيلة والمتوسطة إلى الحكومة السورية في مناطق درعا البلد، التي تشمل طريق السد والمخيم وسجنة والمنشية وغرز والصوامع، وتسوية أوضاع المسلحين الراغبين بالتسوية، وضرورة خروج “الإرهابيين الرافضين للاتفاق” من درعا.
وبحسب مدير مركز “شرفات” لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب سعود الشرفات، فإن التطورات الأخيرة في ملف الحرب في سورية ومحاصرة الجيش السوري بالتعاون مع قوات الحرس الثوري الإيراني لمحافظة درعا في شمال الأردن، واستمرار التصعيد بين إيران وأميركا، وبين إيران وإسرائيل من خلال استمرار حرب السفن بينهما، التي تسمى أحياناً “حرب الظل”، باتت تمثل خطراً بالغاً على الملاحة الدولية، وأن كل تلك التطورات قد تتحول إلى أزمة أو معركة حقيقية.
ويقول الشرفات إن سيطرة الجيش السوري المدعوم من إيران على درعا يعني أن الحرس الثوري الإيراني أصبح على الحدود الشمالية للأردن، وأقرب إلى داخل إسرائيل وحدودها، ويزيد من احتمالية حدوث سيناريوهات استهداف المصالح الأردنية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، باستخدام الحدود الأردنية لضرب إسرائيل أو التحرش بها من قبل إيران، خاصة عن طريق الطائرات دون طيار التي أصبح الحرس الثوري خبيراً في استخدامها ضد “الأهداف الرخوة”.
وأضاف أن هذا الحرس استفاد من تجربة الحوثيين في اليمن، وبالتالي ربما يحدث السيناريو المرعب، وهو تحول الحدود الأردنية إلى منصة لإطلاق الطائرات دون طيار، وساحة إضافية وفناء لتنفيذ أجندات إيران في المنطقة، ودعم شركائها بما يعرض أمن الأردن للخطر.
وتابع: “كما أن فتح الحدود بين الأردن وسورية، وعودة حركة المسافرين والشحن، يرتب على الأردن أعباء أمنية واسعة من حيث زيادة حجم عملية التدقيق الأمني والتفتيش والبحث عند المعابر الحدودية مع سورية في جابر والرمثا، للحيلولة دون استخدام تلك المعابر من قبل إيران في عمليات تهريب الأفراد والأسلحة أو تخزينها داخل الأردن لضرب المصالح الأردنية أو الإسرائيلية أو الأميركية، خاصة بعد توقيع اتفاقية التعاون المشترك ونقل بعض القواعد الأميركية من الخليج إلى الأردن، أو استخدام المعابر ورقة ضغط سياسية لابتزاز الأردن والضغط عليه، كما تفعل إيران على الحدود العراقية”.
وأضاف أن التهديدات المتخطية للحدود الوطنية، والأسلحة التي من المرجح أن تستخدمها الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران ضد الأردن متنوعة ومتعددة، تقليدية وغير تقليدية.
وأوضح الشرفات أن هذه التغيرات والتطورات المتسارعة على الأرض تفرض على الطرف الأردني، خاصة على المستوى الأمني، ضرورة استمرار استراتيجية “الأبواب المفتوحة” في التعاون مع الدول الحليفة والصديقة، وتشارك المعلومات الاستخبارية المهمة والحساسة، واستمرار التنسيق واللقاءات والاجتماعات، لتقييم التطورات المتسارعة بهذا الملف، خاصة في ظل التفاؤل الكبير الذي رافق خطوة إعادة فتح المعابر الحدودية بين الأردن وسورية، مع التركيز على حصول ضمانات، ودعم دولي- أممي بألا تتحول الحدود الأردنية إلى نقطة انطلاق لمخططات إيران في المنطقة، تحت أي حجة أو ذريعة.
ومن جهته، يرى مدير التوجيه المعنوي السابق العميد المتقاعد ممدوح العامري، أن التواجد العسكري الإيراني في الجنوب السوري “يشكل قلقا مشروعا لنا في المملكة الأردنية الهاشمية”، مستشهدا بحديث جلالة الملك عبدالله الثاني لمحطة CNN الأميركية مؤخرا، الذي أوضح فيه “تعرض المملكة لهجوم بطائرات مسيرة تبين أنها تحمل تواقيع إيرانية، حيث تم التعامل معها في حينه”.
وقال العامري إن الهجمات التي تتعرض لها السعودية بصواريخ وبطائرات مسيرة إيرانية، كل ذلك وغيره، يشير الى أن التواجد الإيراني بالقرب من الحدود الشمالية للمملكة ستكون له عواقب وكلف باهظة، ناهيك عن البعد الفكري الأيديولوجي ومحاولات تصديره الى دول أخرى في المنطقة والإقليم والبحث عن موطئ قدم في هذه الدول لإعادة التموضع والانتشار.
وتعد محافظة درعا في الجنوب السوري إحدى مناطق “خفض التصعيد”، ويحكمها اتفاق دولي منذ العام 2018، قضى حينها بإبعاد المقاتلين المعارضين إلى الشمال السوري، مع إعادة بسط نفوذ القوات الحكومية السورية وروسيا من جديد.
الغد