* تداخل الصلاحيات وتشكيل اللجان الكثيرة أضعف من القدرة على اتخاذ القرارات
* الحاجة الى استراتيجية شاملة تطبق من -الأعلى الى الأسفل – لضمان التنفيذ على كافة المستويات
أصدر منتدى الاستراتيجيات الأردني ورقة سياسات بعنوان “إطار الحوكمة وتعزيز آلية اتخاذ القرار في الأردن”، والتي بين فيها أداء الأردن ضمن مؤشرات الحوكمة العالمية.
واستعرضت الورقة التي شارك عدد من الخبراء المحليين في استعراض نسختها الأولية أهم التحديات التي تعاني منها المؤسسات الحكومية في تطبيق ممارسات الحوكمة الرشيدة، والممكنات الأساسية لتعزيز عملها ضمن إطار شامل يوضح أدوار جميع الفاعلين والآليات المتبعة في اتخاذ القرار.
وبينت ورقة المنتدى أن الحوكمة تعتبر مطلباً أساسياً لضمان تطور القطاع الحكومي واتخاذ القرارات الرشيدة التي تراعي متطلبات وتوقعات جميع المعنيين والمستفيدين من خدمات القطاع الحكومي؛ حيث أن التراجع في كفاءة الأداء الحكومي والتردد في اتخاذ القرارات -لأسباب عديدة- ساهم بتردي مستوى الثقة في المؤسسات العامة؛ وهذا ما يشير إليه الأداء الضعيف للأردن على المؤشرات الدولية ذات العلاقة.
وفي سياق أداء الأردن على مؤشر الحوكمة العالمي والذي يتكون من 6 مؤشرات فرعية رئيسية؛ أشارت بيانات الورقة إلى أن أداء الأردن كان ضعيفاً ضمن مختلف محاور مؤشر الحوكمة العالمي؛ مبيناً أهمية النظر الى هذه المؤشرات تمهيدا لاتخاذ تدابير علاجية؛ حيث تراجع أداء الأردن ضمن محور (سيادة القانون) خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى تراجع أداء الأردن ضمن محور (جودة التشريعات) بشكل كبير؛ ولا تزال درجة الأردن ضمن محور (فعالية الحكومة) منخفضة. وعلى الرغم من تقدم أداء الأردن ضمن محورين (المشاركة والمساءلة) و(الاستقرار السياسي وغياب العنف) مقارنة بالدول العربية؛ إلا أن درجة الأردن لا تزال متدنية.
وتناولت ورقة السياسات الصادرة عن المنتدى محورين أساسيين؛ وهما تعزيز إطار الحوكمة، وآلية اتخاذ القرار؛ حيث ناقشت السبل المتاحة لتعزيز إطار الحوكمة واقتراح صيغ مناسبة لتحديد آلية واضحة يتم اتباعها في عملية اتخاذ القرار بناءً على أسس سليمة وشاملة، وذلك تعزيزاً لقيم العدالة والمساواة وسيادة القانون والشفافية، والتي بدورها ستساهم في المحافظة على المال العام وتحقيق الجودة والتميز في الأداء.
وفيما يتعلق بتعزيز إطار الحوكمة؛ أوضحت الورقة أبرز النقاط المتعلقة بهذا المحور والتي بدورها تحد من تطبيق أفضل ممارسات الحوكمة في القطاع العام؛ متمثلة في عدم وجود مرجعية واضحة لتأطير الحوكمة على أساس بناء إطار موحد وشامل لكافة الجهات المعنية حيث أن عملية تنفيذ ومتابعة مبادئ الحوكمة في الأردن تفتقر إلى وجود هيئة أو مؤسسة تراقب التطبيق المتبع للتعليمات الصادرة في هذا الشأن، وهو ما ينجم عنه خلل في المخرجات، إضافة إلى عدم استمرارية واستدامة أغلب الجهود والمبادرات المتعلقة بتطوير القطاع العام والعمل المؤسسي؛ وذلك نتيجة للتغير السريع في الحكومات المتعاقبة، مما جعل من مأسسة تطوير العمل الحكومي غير فعال أو ذات أثر ملموس؛ حيث عزت الورقة السبب في ذلك إلى تبدل الاستراتيجيات المتبعة أو بسبب دمج الوزارات والمؤسسات المعنية في هذا المجال أحياناً أو تشكيل لجان ووحدات مستقلة بمعزل عن الوزارات والمؤسسات المعنية أحياناً أخرى، وهو ما جعل مستوى التقدم في تأطير مفهوم الحوكمة محدود. كما بينت الورقة أن الإدارة العامة في الأردن شابها بعض الخلل نتيجة لإضعاف دور بعض القيادات الإدارية في تطبيق مفهوم الحوكمة (مثل الأمناء العامين)، إضافة إلى عدم إعطائهم الصلاحيات الكافية أو الأدوات التي تمكنهم من ممارسة دورهم القيادي؛ حيث أعطي الوزير صلاحية بمعزل عن الأمناء العامين على الرغم من كونهم عمليا المدراء التنفيذيين للوزارات.
كما أشارت الورقة إلى أن نظام الحوافز والعلاوات المتبع في القطاع العام لم يعد يحقق الأهداف المرجوة منه، وساهم في الحد من ثقافة التنافس والإنتاجية بين موظفي القطاع العام؛ مبيناً بأن الحوافز أصبحت جزءا من الراتب يستحقها عدد كبير من الموظفين ولا تعطى بناءً على تقييم الأداء. وبينت الورقة بأن عدم وضوح البيئة التشريعية الناظمة لعمل المؤسسات والدوائر الحكومية وتداخل القوانين والمرجعيات في بعض الأحيان؛ يعيق من مستوى التنسيق بين الجهات الرسمية ذات العلاقة ويساهم في بروز التنازع المؤسسي؛ وتظهر هذه المشكلة جلياً فيما يتعلق ببيئة الأعمال والاستثمار في الأردن.
وفي سياق متصل، ولضمان عدم المحاسبة على القرار بعد اتخاذه أصبح المسؤول يعتمد في قراره على توصيات اللجان؛ حتى بات تشكيل اللجان السمة البارزة لأي قضية مطروحة في القطاع العام، وهو ما يشكل بدوره عائقاً أمام السرعة والفاعلية في اتخاذ القرار؛ إضافة إلى أن ضعف المعلومات المتوفرة وعدم وجود دراسات كافية تتعلق بالسياسات على مستوى الدوائر والمؤسسات؛ تؤثر على قدرة اللجان على الحكم أو اتخاذ القرار بطريقة سليمة.
كما أشارت الورقة إلى أن الخلط بين الدور الرقابي والتنفيذي للجهات الرقابية ساهم في التأثير سلباً على تطوير الأداء المؤسسي وتأخيره؛ وذلك من خلال التدخل في بعض الممارسات التي تعنى بها الجهة المختصة؛ وهو ما يشكل بدوره عبئاً اضافياً لعملية اتخاذ القرار في الأردن.
وأوصى المنتدى في ورقته إلى ضرورة بناء إطار متكامل يستند إلى عدد من المرتكزات الأساسية تضمن الإصلاح الشامل، والشفافية، والاستقلالية، والتناسق بين المؤسسات المختلفة؛ متمثلة في تطوير استراتيجية وطنية شاملة تستند في تطبيقها مبدأ من “أعلى إلى أسفل” ويتم من خلالها تكوين مبادرات قابلة للتنفيذ على مستوى الوزارات أو القطاعات الاقتصادية المختلفة. مع ضرورة التشبيك بين الوزارات المعنية مثل وزارتي التخطيط والمالية لتحقيق الخطط والاستراتيجيات لمختلف الوزارات، وبما يسهل تأمين الميزانية اللازمة لمختلف المشاريع والمبادرات على المدى القصير والمتوسط والبعيد؛ وإعادة تركيز وزارة التخطيط على التنسيق الداخلي بشكل متوازن، حيث بات التركيز الأكبر للوزارة على التعاون الدولي أكثر من دورها في التخطيط المحلي.
وشددت الورقة على ضرورة تعزيز البيئة التمكينية في الأردن، حيث أصبحت الوزارات والمؤسسات الحكومية تتبنى دور المزود للخدمات (Service Provider)؛ أكثر من الدور التمكيني (Enabler) والذي يعنى بوضع الاستراتيجيات وتحديد التشريعات والهياكل التنظيمية على أساس التعاون مع القطاع الخاص والمختصين من مختلف أطياف المجتمع المدني والوحدات الحكومية، والذي يساهم بدوره في تحديد المواهب والمهارات التي تتماشى مع المسؤوليات بهدف تحقيق الاستراتيجيات التي تعاني بالأساس من التغيير المستمر.
وفي سياق آخر؛ شددت الورقة على ضرورة تبني التنظيم الرشيق والمرن لتعزيز العلاقة بين كافة المؤسسات وتسهيل تدفق المعلومات واتخاذ القرارات، ليصبح التركيز على المخرجات النهائية المطلوبة؛ وهو ما سيؤدي بالنتيجة إلى سهولة تحديد أولويات الخطط حسب الأهمية وتطبيقها في كافة المؤسسات؛ وذلك من خلال أتمته الخدمات الحكومية؛ حيث أن أتمته العمليات تعني الالتزام بإجراءات محددة تنطبق على كافة متلقي الخدمات الحكومية، ومن شأن ذلك أيضاً تعزيز الانطباعات الإيجابية حول جدية الحكومة في التحول والانسجام مع التطورات التكنولوجية المتسارعة.