تتسارع الخطوات على طرفيّ الخط الأميركي السعودي، وتتوزع بشكل يُحيُّر المراقب لمسار العلاقات بين البلدين: فبعد القرار التنفيذي للرئيس بايدن، رفع مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI السرّية عن وثائق تتعلق بالتحقيقات الخاصة بهجمات 11 سبتمبر الإرهابية، لا سيما علاقة مواطنين ودبلوماسيين سعوديين بها.
كما سحبت واشنطن أنظمة صواريخ باتريوت من السعودية، وألغت القيادة السعودية زيارة وزير الدفاع الأميركي للرياض. وأخيراً، وافقت وزارة الخارجية الأميركية على صفقة عسكرية محتملة مع السعودية، لمواصلة خدمات الصيانة والتزويد بالمعدات ذات الصلة بطائرات هليكوبتر عسكرية سعودية بتكلفة تقديرية تبلغ 500 مليون دولار. وهي أول صفقة بين البلدين منذ تولّي بايدن الرئاسة.
ويرى الكاتب الأميركي وخبير الشؤون السعودية في “معهد الشرق الأوسط” في واشنطن توم ليبمان أن إدارة الرئيس بايدن “لن تتبع سياسة فتح الأذرع واحتضان النظام السعودي، كتلك التي كان يعتمدها الرئيس ترامب. لكن العلاقات الثنائية بين البلدين تتطور كما ينبغي رغم تَغَير الظروف، إلا إنها مستمرة على أساس متين، وهناك تعاون يومي بين الولايات المتحدة والسعودية بشأن أشياء كثيرة”، مضيفا أن “نزع السرية عن وثائق الحادي عشر من سبتمبر ليس له صلة بالسياسة” بين الولايات المتحدة والسعودية.
من جهته يتخوف مايكل والر من “خطر تراجع العلاقة الأميركية السعودية الاستراتيجية، لأن إدارة بايدن تقترب من قطر، وتهادن إيران، وتدعم الإخوان المسلمين الذين هم من أعداء السعودية، وبالتالي فإن سحب أنظمة مضادة للصواريخ من السعودية، وتوجه المملكة نحو روسيا، سيكون أمراً خطيراً بالنسبة لأميركا”.
لكن توم ليبمان لا يوافق على مسألة مهادنة بايدن لإيران، لأنه “بعد 9 أشهر على بدء رئاسة بايدن لم تعد هذه الإدارة إلى الاتفاق النووي مع إيران”.
من جهة أخرى يعتبر مايكل والر أن إلغاء السعودية لزيارة وزير الدفاع الأميركي للرياض “صفعة دبلوماسية لأميركا بسبب مواقف هذه الإدارة”، فيما يقول توم ليبمان أنه ” ما كان ينبغي على وزير الدفاع زيارة السعودية، في وقت تتفاوض المملكة على اتفاق تعاون عسكري مع روسيا”.
وبينما يرى ليبمان أن “إسرائيل ستملأ الفراغ الأميركي من خلال بيع منظومة القبّة الحديدية للرياض” دون اعتراض أميركي، نفى الباحث السعودي سعد بن عمر أي تفاوض بين بلاده وإسرائيل بشأن شراء القبة الحديدية “التي لم تثبت جدارتها” حسب تعبيره، مضيفا أن “السعودية لن تندفع بشكل سياسي غير منضبط، لا سيما أنها قادرة على حماية أجوائها”.
ويعتقد بن عمر أن الرئيس جو بايدن “ضغط العلاقات الأميركية السعودية إلى المستوى التي وصلت إليه الآن: مستوى أن ترفض الرياض استقبال وزير الدفاع الأميركي، وأن تبحث المملكة عن حلفاء جدد في المنطقة، ومستوى أن تعيد السعودية رسم علاقاتها الاستراتيجية خشيةً من أيّ تغيير سريع في السياسة الخارجية الأميركية”.
وفيما يتعلق بالقضية ذاتها، غرّد الباحث والأستاذ الجامعي الأميركي بول ساليفان قائلاً: إن الولايات المتحدة تسحب أنظمتها المضادة للصواريخ من السعودية، والأخيرة تبرم اتفاقا مع روسيا في مجال الدفاع. على واشنطن أن تتعلم مجدداً كيف تلعب النرد والشطرنج.
بينما قال الباحث الأميركي إيلان بيرمان إن “السعودية تغير وجهتها نحو الشرق في تحوّلٍ استراتيجي كبير من قبل الرياض، رداً على تغير سياسة واشنطن الشرق أوسطية”، مضيفا أن العلاقات السعودية الأميركية الطويلة باتت الآن “ضحية مراجعة الرئيس بايدن لسياسات سلفه ترامب”.
وكانت رئيسة مجلس النواب الأميركي أكدت أنها ” قلقة جدا بخصوص الاتهامات بتعذيب عامل الإغاثة عبد الرحمان السدحان أثناء احتجازه.. الحكم على السدحان يمثل استمراراً لانتهاك السعودية لحرية التعبير. سيتابع الكونغرس استئناف الحكم في قضية السدحان، وكذلك كل انتهاكات حقوق الإنسان من قبل النظام السعودي”.
بينما أعلن السِناتور الديمقراطي كريس ميرفي أنه “حان الوقت لكي تتحرك الولايات المتحدة بقوة بشأن حقوق الإنسان بدل أن تتبنى فقط لغة شديدة اللهجة. ويعني هذا مراجعة علاقتنا مع دول مثل مصر والسعودية تلطخ سمعتنا عبر العالم”، على حد تعبيره.
وقدّم السِناتور المستقل بيرني ساندرز والنائب الديمقراطي رو خانا اقتراحاً لتعديل قانون تفويض الدفاع الوطني الأميركي بهدف “إنهاء الدعم لحرب التحالف بقيادة السعودية في اليمن، لا سيما الدعم اللوجستي الأميركي وأعمال الصيانة وقطع الغيار للطائرات الحربية السعودية التي تمطر القنابل على الرجال والنساء والأطفال اليمنيين وسط أكبر مأساة إنسانية في العالم”.
من جهتها انتقدت سارة ليا ويتسن إدارة بايدن بسبب “استثناء محمد بن سلمان من حظر السفر المفروض على المسؤولين السعوديين المشتبه في ضلوعهم في استهداف منشقين في الخارج. وحثت القضاء الأميركي على التحرّك لملء الفراغ بشأن محاسبة ولي العهد السعودي، من خلال النظر في القضية المرفوعة ضد بن سلمان من قبل منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي”، والتي تشغل سارة ليا ويتسن منصب المديرة التنفيذية فيها.
وفي السياق ذاته دعت الباحثة الأميركية أنيل شيلاين إدارة بايدن إلى أن “تكون سياستها تجاه حقوق الإنسان منسجمة، بحيث تتوقف عن بيع الأسلحة الأميركية لأنظمة عربية معروفة بانتهاكها لهذه الحقوق”.
ويرى توم ليبمان أن انتقاد واشنطن لسجل حقوق الإنسان والحريات الدينية في السعودية قديم جداً، لكنه لم يُغيّر العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، ولن يهدد تلك العلاقات الآن رغم تزايد الحديث عنه”.
بينما يعتقد مايكل والر أن “المشكلة بين واشنطن والرياض تشمل ملفات كثيرة من اليمن إلى إيران وأفغانستان، وهي تتخطى مسألة حقوق الإنسان التي يُركز عليها بيرني ساندرز البعيد عن تيار الوسط” في واشنطن.
يعتقد مايكل والر أن هناك أشخاصاً في إدارة بايدن يرغبون في إجراء “انفتاح استراتيجي على إيران على حساب السعودية” وبعض دول المنطقة.
ويضيف أنه “على واشنطن عدم دفع السعودية نحو روسيا والصين لأن ذلك يُشكل خطراً استراتيجياً على أميركا” برأيه.
ومن ناحيته يقول توم ليبمان إن “استراتيجية واشنطن الحالية تركز على التهديدات الآتية من الصين أكثر من تلك الآتية من الجهاديين. لكن الولايات المتحدة لم تسحب قواتها من منطقة الخليج، لا سيما القاعدة العسكرية الكبيرة في قطر”.