أكد استاذ حضارات المشرق العربي القديم في كلية الآثار والأنثروبولوجيا بجامعة اليرموك والخبير المعتمد لدى اليونسكو في حقل التراث الثقافي غير المادي الدكتور هاني الهياجنة أن التراث الثقافي يعد حقا من حقوق الانسان.

وقال الهياجنة السفير العلمي لمؤسسة ألكسندر فون همبولت الالمانية لدى الأردن، خلال مشاركته في ملتقى الشارقة الدولي للراوي في دورته الـ21 في الشارقة، والذي يختتم فعالياته مساء اليوم الاحد، إن الحقوق الثقافية هي حقوق أساسها الهوية؛ فالثقافة تنطوي على طاقة كامنة قادرة على تطوير إمكانات الفرد والمجتمع، وهي حق انساني يقرر هوية الفرد، وهي ليست نتاجاً للعزلة إنما للعلاقات المتبادلة مع الإنسان ومحيطه.

وبين ان التراث الثقافي يمثل أحد العناصر المهمة لتكوين هوية ثقافية مرتبطة بالتعددية والتنوع الثقافي، وهو أمر ضروري لحياة المجتمع العربي في هذه المرحلة التاريخية من تطوره، موضحا ان للهوية عموماً العديد من المكونات، منها التاريخ والتراث والثقافة والدين والعِرق واللغة والوعي، وهي جملة من المعطيات المعقدة من الخصائص والميزات المختلفة والمتداخلة.

ولفت إلى أن للعالم العربي نظامه الثقافي الخاص بقيمه العامة المشتركة، تتفرع عنه أنظمة ومستويات فرعية تتصل بتعددية الجماعات والمجموعات وتنوعها، والمناطق التي تنتمي إليها، وهي ما تشكل بمجملها هوية عالمنا العربي الديناميكية في إطار ثابت يتشكل من التراث الاجتماعي والثقافي والطبيعي والاقتصادي، علاوة على الهوية الحية للشعوب العربية بما تتضمنه من طرائق الحياة اليومية وأسلوب الحياة المعاصرة.

وحول تأثير وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والعصر الرقمي في موضوع التراث الثقافي، قال الدكتور الهياجنة إن قطاع الإعلام وتكنولوجيا المعلومات في مجال التراث الثقافي يشمل استخدام مجموعة كاملة من الاتصالات الجماهيرية الصحفية والفنية والمطبوعة والإلكترونية والواسعة النطاق لإعلام المجتمع التراثي المهني والجمهور العام حول الأساليب والأنشطة والخطط الهادفة لتشجيع فهم التراث الثقافي وحمايته، وحفظه وتوثيقه، وحصره ونقله إلى الأجيال الحالية والمستقبلية.

كما تعد وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب الهياجنة، إحدى أهم المنصات لتعزيز عملية المشاركة العامة للحفاظ على التراث الثقافي، لافتا إلى أننا لا نجد تقييماً شاملا وعميقاً في هذا المضمار.

ودعا إلى تكوين صورة أكثر شمولاً لوظائف منصات التواصل الاجتماعي في العالم العربي وتأثيراتها على التنمية الثقافية المستدامة، من حيث تحديد خصائص أدوات التواصل الاجتماعي التطبيقية، مستعرضا ادواتها وتأثيراتها للإجابة على مدى أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في توفير منصة على نطاق واسع، وبمشاركة مجتمعية واسعة، بما يسهم بطريقة ديمقراطية في عملية التخطيط التشاركي واتخاذ القرار بشأن الإدارة المستدامة للتراث الثقافي ودوره التنموي.

وتابع انه من ناحية أخرى، فقد خلقت التقنيات الرقمية تغيراً سريعاً وجوهرياً في ممارسات استخدام التراث الثقافي وحفظه، حيث تؤثر تقنيات الرقمنة والبنى التحتية لشبكة الإنترنت على مختلف الأنشطة التي تقوم بها المؤسسات الثقافية، الأمر الذي يسهم بتحفيز إنتاج السلع الثقافية، وتحسين حالة إدارة التراث الثقافي.

ولفت الى ان الرقمنة تؤثر على العرض والطلب على التراث والطبيعة الاقتصادية للسلع والخدمات التراثية، كما تسهم رقمنة السلع الثقافية باعتماد تكنولوجيا التخزين، جنباً إلى جنب مع انتشار روابط الشبكة العنكبوتية، في الحد من كلفة الوصول إلى مواقع التراث الثقافي وعناصره، والتحرر من القيود الجغرافية والزمنية لذلك.

وبين ان مواقع الانترنت الخاصة بالمؤسسات الثقافية، نحو المتاحف ودور الأرشيفات، تهدف إلى زيادة عدد المستخدمين، والسماح لأي شخص بالزيارة أثناء تواجده في المنزل، وتوسيع نطاق مصادر المعلومات حول التراث وزيادة المعرفة به.

وبخصوص التراث الثقافي في أوقات الازمات وحمايته التشريعية والقانونية، أكد ضرورة احترام هذا المنتج الثقافي الإنساني وحمايته قانونياً وتشريعياً، بعد القيام بحفظه وصونه بالطرق والمناهج المناسبة، من خلال القوانين الوطنية والمعاهدات الدولية.

وقال الهياجنة إنه من المعروف أن الاتجار غير المشروع بالقطع الأثرية، وقطع التراث الثقافي عموماً، ونهب المواقع الأثرية، وتدمير المباني والمعالم التاريخية، عوامل تؤدي بالتراث الثقافي لأي بلد إلى ضرر لا يمكن إصلاحه، مشيرا الى ان المنظمات الدولية، لا سيما اليونسكو، اعتمدت اتفاقيات دولية لحماية التراث الثقافي والطبيعي بهدف تعزيز التفاهم بين الثقافات، مع التأكيد على أهمية التعاون الدولي في هذا المجال، ومرد ذلك أن حماية الممتلكات الثقافية من أكثر القضايا صعوبة من حيث التوفيق ما بين مصالح الفرد والمجتمع، وتحقيق التوازن ما بين الحقوق الخاصة والعامة.

واوضح ان اليونسكو حددت تدمير التراث، سواء كان بالحرب أو الاستغلال التجاري أو النهب، بأنه شكل من التطهير الثقافي، علاوة على تغير المناخ، والسياحة، والكوارث الطبيعية والتنمية الحضرية، واستخراج المعادن والموارد.

ولفت الى انه بالرغم من الحفاظ على العديد من المواقع التراثية من أجل تشجيع الإيرادات السياحية، إلا أنه يمكن للسياحة كذلك أن تسبب دماراً هائلاً للمواقع بفعل الأعداد الكبيرة من زوار هذه المواقع.

وقال إذا كان التدمير أثناء الحروب يشبه الموت المفاجئ للتراث الثقافي؛ فإن النهب مرض مستشرٍ يؤدي إلى تآكله ببطء، وذلك بسرقة عناصره وعرضها للبيع.

وحول اهمية التراث الثقافي في تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية، قال إن العالم أدرك منذ زمن، وعلى نطاق واسع، أن الصناعات الثقافية والإبداعية هي محركات مهمة للنمو الاقتصادي والتوظيف، مشيرا الى ان الثقافة والإبداع من ركائز الاستراتيجيات الأساسية لتحقيق نمو ذكي ومستدام وشامل.

وبين ان الصناعات الثقافية والإبداعية تتضمن مجموعة واسعة من الأعمال والمنظمات والأنشطة، تشمل الفنون والإعلانات، والتراث الثقافي، وكذلك البرامج، موضحا ان ما يقصد بالصناعة الثقافية انها نوع من الصناعة التي تهدف إلى الحفاظ على الثقافة، بما في ذلك التراث الثقافي المادي وغير المادي.

وتشمل الصناعة الثقافية، بحسب اليونسكو، مجالات عدة هي الإعلان، الهندسة المعمارية، أسواق الفن والتحف، الحرف، التصميم، أزياء المصممين، الأفلام والفيديو، برامج الترفيه التفاعلية، الموسيقى، فنون الأداء، النشر، خدمات البرمجيات والحاسوب، والتلفزيون والراديو.

وفي ختام حديثه، أكد الهياجنة أن البلدان العربية تحتاج إلى دمج الفرص وتحديات الصناعات الثقافية والإبداعية في خططها واستراتيجياتها وميزانياتها الإنمائية الوطنية، وإلى تكريس جهد أكبر لحماية حقوق الملكية الفكرية.

يضاف إلى ذلك كله تحسين التعاون الدولي والإقليمي، والاستفادة من تبادل الأفكار والخبرات والتقنيات الجديدة، والتعلم من الأخطاء، فهذه تلعب دوراً أساسياً في القطاعات الثقافية والإبداعية.

وكان الهياجنة شارك ممثلا عن منظمة اليونسكو في الجلسة الافتتاحية للملتقى الذي يختتم فعالياته اليوم الاحد في الشارقة.