مرايا – في غفلة عن العالم وإنشغاله بمواجهة “جائحة كورونا” وتصفية حسابات القوى العظمى في مناطق التصعيد والصراع، أصدار جيش الاحتلال الصهيوني تعليمات جديدة تقضي بمنح الضوء الأخضر لجنوده في مناطق الضفة الغربية لفتح النار على الفلسطينيين من مُلقي الحجارة أو الذين يبدون أي إحتجاج على إجراءات القمع خلال إقتحامات المستوطنين للأماكن المقدسة في القدس والخليل وغيرها من المدن المحتلة.
وتنص التعليمات الجديدة كذلك على “إطلاق النار تجاه أي شخص يحاول سرقة سلاح جندي أو يدخل إلى قواعد عسكرية أو مناطق إطلاق النار بهدف سرقة سلاح أو ذخيرة”، والتغييرات هذه لا تقتصر على “شعور جندي بوجود خطر على حياته”، وهو تعبير فضفاض وغير واضح إلى حد كبير، الأمر الذي يعد تساهلا في قواعد الاشتباك لاستهداف الشبان والفتية الفلسطينيين في الضفة المحتلة.
وتأتي هذه التعليمات بمباركة من رئيس اركان جيش الاحتلال وكبار القادة العسكريين، أبرزها السماح بإطلاق النار باتجاه اشخاص يدخلون الى قواعد عسكرية او مناطق إطلاق نار، كما التعليمات الأخيرة التي تتيح إطلاق النار على ملقي الحجارة خلال أو حتى بعد إلقائهم للحجارة وحتى بعد انسحابهم من المكان، كما تتيح التعليمات السماح بإطلاق النار مباشرة على أي شخص قد يحاول أن يتحرك بسرعة ولمجرد إلتفاته أو نظره الى الجنود بطريقة غير لائقة أو محاولته الصراخ عليهم باللغة العربية، بذريعة حماية جنود الاحتلال واحتفاظهم بحق الرد الكامل بالذخيرة الحية في حال شعورهم بخطر يتهدد حياتهم.
الخبير الأمني والعسكري اللواء المتقاعد مأمون أبو نوار، قال ، إن تاريخ الاحتلال يسجل استخدامه للقوة “المفرطة والمميتة” في كثير من المواقف والأحداث الموثقة وهذه الممارسات اللاانسانية ترتقي الى أعلى درجات العنف والاضهاد والتنكيل بحق المواطنين الفلسطينيين.
وأضاف أبو نوار، من المعروف أن الكيان الصهيوين لا تلتزم “بمبدأ التناسب” بمعنى أنها تلجأ الى استخدام أدواتها واسلحتها وطريقة العنف التي لا تقارن بالمقتضيات الانسانية او القانون الدولي للمدنيين الذين لا يشكلون تهديدا حقيقيا، بل إنها تميل لإستخدام العنف غير المُبرر بذراع وحجج واهية وهذا يقع تحت بند “جرائم ضد الانسانية”، ما يستلزم محاسبة كيان الاحتلال ضمن اتفاقيات جنيف وروما فيما يخص إنتهاك حقوق الانسان وأبرزها حقه في الحياة، مشيرا الى ان منع أي شخص من الحياة هو ليس دفاع عن النفس بل ترهيب وانتهاك صارخ لحقوقه التي كفلتها كل القوانين والدساتير والمعاهدات الدولية.
وفيما يخص منح سلطات الإحتلال صلاحيات أوسع للجنود بإطلاق النار على أي فلسطيني وإعدامه لمجرد الشك في تصرف أو حركة ما، بين أبو نوار انها مسألة أمنية سياسية مدروسة لترهيب الناس في انتهاك صارخ لحقوق الانسان، مؤكدا أنه يجب التحضير من قبل المنظمات الحقوقية والسلطة الفلسطينية لملف موثق بالصور والفيديوهات ورفعه على المؤسسات الدولية والأمم المتحدة واللجوء الى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي لوقف هذه الممارسات بل ومحاسبة الإحتلال.
وفي تعقيبه على خروج هذه التعليمات ومؤشراتها، قال أستاذ العلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات لـ عمون الأربعاء، إن إستمرارية المشروع الصهيوني الإستيطاني على حساب الشعب الفلسطيني صاحب الأرض، وببساطة ما هو قادم “مقاومة فردية” وهي شكل من أشكال المواجهة مع الإحتلال في ظل ممارسات القمع والإستفزاز والتضييق المتواصلة.
وتوقع الشنيكات إزدياد عملية المقاومة الفردية بمختلف أشكالها سواء تنفيذ عمليات طعن أو عبوات حارقة أو إطلاق نار وغيرها من الأساليب المعروفة لدى المقاومة.
وبين، أن الصهاينة يحاولون المغامرة بإتجاه خلق حالة من “الردع” لأي شخص يحاول التعرض لجنود الإحتلال أو حتى المستوطنين لمنع أي تحرك او مقاومة فردية أم جماعية ضد الإجراءات الحاصلة على أرض الواقع، وهذا يعكس طريقة تفكير وقناعة المؤسسة العسكرية الصهيونية والنتيجة ليس بالضرورة أن تعطي أفضلية في الميدان أو تحقق الأمان الذي ينشده المستوطنون وكيان الإحتلال.
وحذر من ردة فعل غير متوقعة قد تحدث في أي لحظة من جانب المقاومة على إعتبار أن بداية الغليان والإنتفاضة تطلقها “شرارة” لتبتعد أكثر عن مسألة قيام فرد بعملية محاولة طعن أو رمي حجارة لتتم تصفيته مباشرة وإستشهاده.
واستبعد إنتهاء الأمر عند هذا الحد بل إن الحالة ستتطور لتكبر وتصبح مثل “كرة الثلج” وصولا الى صدامات عنيفة يشارك فيها أطراف أخرى من داخل الشعب الفلسطيني، وهذا نتاج الإحساس بالظلم وإجراءات التضييق ونصب الحواجز والتفتيش وسياسة التهجير وملاحقة ذوي الشهداء والتنكيل بالأسرى، وغيرها من الأساليب التي يتبعها الإحتلال.
وفسر الشنيكات صدور تعليمات بتصفية وإعدام أي شخص بإطلاق الرصاص لمجرد الشك فيه أو تحركه بشكل مفاجئ أو إدخال يده الى جيبه وما الى ذلك، كلها أمور تعكس الخوف وحالة الإرتباك والرغبة في الردع التي يعيشها الإحتلال، والسؤال المطروح هل ستشكل هذه التعليمات والممارسات “رادع حقيقي” لعدم تسجيل أي محاولة طعن أو قتل مستوطنين أو جنود للإحتلال؟، مشيرا الى أن تاريخ الإحتلال منذ عام 1936 يسجل إتباعه إجراءات أشد قسوة لكنها لم تنهِ فكرة المقاومة، ومع إستمرار التصعيد وممارسات الإحتلال القمعية قد تصل المواجهات الى “إنتفاضة شعبية” على غرار الانتفاضات الشعبية السابقة.
يذكر أن 5 شهداء إرتقوا خلال شهر تشرين ثاني الماضي في الضفة وقطاع غزة، بينهم طفلان، جميعهم قتلوا برصاص الاحتلال الذي استهدفهم على حواجزه، أو أثناء اقتحامه للقرى والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية.
فيما سجل نحو 133 إصابة في صفوف الفلسطينيين بالضفة الغربية، بينهم 9 أطفال، وصحفي وطالبة، وذلك خلال عمليات الاقتحام والمواجهات مع قوات الاحتلال، بحسب مراكز إحصاء حقوقية فلسطينية.عمون