بقلم : د.ماهر الحوراني
راودني شعور غريب عندما دخلت بنقاش عن “الميتافيرس” مع أولادي وبعض الأصدقاء وهل هنالك مخاوف من دخول مليارات البشر الى هذا العالم الجديد؟! فمنذ ان أعلنت مؤخرا شركة فيسبوك تغيير اسمها إلى “ميتا” تبين ان عملاق مواقع التواصل الاجتماعي مستوحى من مصطلح “ميتافيرس”، وللعلم ظهر هذا المصطلح لأول مرة من خلال رواية الخيال العلمي snow crush والتي تدور أحداثها حول تفاعل البشر من خلال الشبيه الافتراضي (أفاتار) بحيث تعكس تفاعلات وتعاملات في فضاء افتراضي ثلاثي الابعاد مدعوم بتقنيات الواقع المعزز فيما يشبه إلى حد كبير العالم الحقيقي.
ولتقريب فكرة “ميتافيرس” للأذهان قال “زوكربيرج” أن الأمر أشبه بتحويل الانترنت إلى بيئة ثلاثية الأبعاد لا يقتصر دور المستخدم على النظر إليها أمام شاشته بل الدخول إلى هذه البيئة بنفسه حتى يصبح أحد عناصرها ولتنفصل حواسه عن عالمه الحقيقي فترة بقاءه في الافتراضية المترابطة والتي لانهاية لها حيث يلتقي فيها عدداً كبيراً من الناس إما للّعب أو العمل وكل ما يحتاجه لذلك نظارات وسماعات للواقع الافتراضي وما يرتبط به من تطبيقات للهواتف الذكية.
أيضا سيشهد التسوق الإلكتروني نقلة نوعية داخل هذا العالم حيث يستطيع المستخدم معاينة وشراء مايريد عن قرب بدلا من معاينة صور بالشكل التقليدي المعروف الآن للمتاجرالالكترونية.
قد يبدو إنفاق آلاف أو ملايين الدولارات لشراء أرض أو منزل وهمي في عالم افتراضي، فكرة سخيفة أو غير معقولة، ولكن خلال الأشهرالأخيرة، تدفقت استثمارات ضخمة من شركات وأفراد لشراء عقارات في الأراضي والمساكن الافتراضية في عالم “ميتافيرس” بلغت قيمتها 501 مليون دولار خلال العام الماضي، بينما يتوقع أن تتجاوز المليار دولار مع نهاية العام، فما سبب هذا الإقبال وهل يمكن أن يستمر أم أن شراء عقارات افتراضية قد يثبت في النهاية أن لا قيمة لها؟.
أعتقد أن العالم الافتراضي المعروف باسم “ميتافيرس” هو عالم الغد والذي جعله كذلك هوالشغف باستكشاف عوالم بعيدة كجزء من تجربتنا الإنسانية الممتدة عبر التاريخ من الإبحارحول العالم إلى زيارة كواكب أخرى، إذ تظل الرحلات إلى عوالم مجهولة تشغل الخيال وتدفع بالإبتكار والاستثمار، لذلك تتبنى شركات التكنولوجيا الكبرى فكرة “ميتافيرس” وتربط مستقبل أعمالها ومشروعاتها بها وتخلق فرصاً للمستثمرين وبالتحديد بالواقع الافتراضي والواقع المعزز أي الجمع بين العالم المادي والعالم الافتراضي.
وتعتبر “ميتافيرس” نسخة منفصلة من منصات الواقع الافتراضي يتفاعل الناس فيه مع بعضهم البعض من خلال صورهم الرمزية الرقمية فبدلا من الجلوس على وحدة التحكم ومشاهدة لعبة ما على الشاشة سيكون بوسعك المشاركة كلاعب داخل اللّعبة ويمكنك لقاء الأصدقاء وزملاء العمل والجلوس معهم في المكان الذي تريده في أي مكان في العالم أو الذهاب للتسوّق وحضور الاجتماعات والمشاركة في الاحتفالات ويتم ذلك من خلال سماعات ونظارات الواقع الافتراضي ونظارات الواقع المعزز عبر الهواتف الذكية أو الكمبيوتر.
الاستثمار العقاري في “ميتافيرس”
تركزت الأضواء خلال الأشهر الأخيرة على الاستثمار العقاري بشكل لافت، بخاصة بعد أن قفزت أسعار العقارات الافتراضية في “ميتافيرس” لأرقام قياسية، فعلى سبيل المثال دفع صندوق استثمار عقاري رقمي يسمى “ريببلك ريلم” مبلغاً قياسياً قبل أيام قدره 4.3 مليون دولار مقابل قطعة أرض عرضتها شركة “ساندبوكس” التي تعد أكبر منصة عقارية في “ميتافيرس”، التي عملت على تطوير 100 جزيرة، تسمى جزر الخيال، مع فيلاتها الخاصة وسوق مرتبطة بالقوارب، وتمكنت هذه الشركة من بيع 90 جزيرة في اليوم الأول لطرحها في السوق مقابل 15000 دولار لكل منها، لكنها سرعان ما قفز سعرها وهي مدرجة الآن لإعادة البيع بأكثر من 100000 دولار، وقبل أشهر قليلة اشترى مغنّي الراب الشهير “سنوب دوغ” قطعة أرض في عالم “ميتافيرس” بنحو نصف مليون دولار، كما بيعت قطعة أخرى بسعر 2.4 مليون دولار.
ويوجد حالياً أكثر من 12 منصة تبيع العقارات في “ميتافيرس”، مع ظهور أخرى جديدة أسبوعياً، غير أن مبيعات العقارات تركزت على الأربعة الكبار وهي، “ساندبوكس” و”ديسنترالاند” و”كريبتوفوكسيل” و”سومنيوم”، وهناك إجمالي 268645 قطعة أرض على المنصات الأربعة، وجميعها بمساحات مختلفة يتراوح سعر بعضها بين 12700 دولار إلى 14440 دولار للقطعة الواحدة، ويعد الموقع عاملاً حاسماً في تحديد السعر وما إذا كان المكان قريباً من معلم شهير أو مركز تسوق كما هو الحال في العالم الحقيقي.
يتم البيع عبر منصات الإنترنت للشركات المختلفة التي يمتلك كل منها “ميتافيرس” فردية، لكنها تشكل شبكة “ميتافيرس” أكبر متصلة ببعضها البعض مثلما هو الحال في عالم الإنترنت، حيث يجري البيع والشراء من خلال الوحدات غير القابلة للتبديل والمعروفة في عالم “البلوكتشين” باسم “أن أف تي”، وهي شهادات رقمية تثبت ملكية الممتلكات الرقمية، وتتكون من رموز تشفير فريدة يتم تداولها بكفاءة أكبر مع تقليل احتمالية الاحتيال، وتستخدم في بيع الأشياء الفنية الرقمية (ديجيتال) كالرسوم والموسيقى ومقاطع الفيديو وحتى التغريدات والعقارات.
ويقول أندرو كيغيول، الرئيس التنفيذي لشركة “توكينز” الكندية، إنه خصص 16 مليون دولار أخيراً للاستثمار في عقارات “ميتافيرس”، عبر شراء الأراضي وتوظيف الموظفين بعد أن أنفقت الشركة 2.4 مليون دولار لشراء قطعة أرض في منطقة الأزياء في ديسينترالاند، حيث تخطط الشركة لاستضافة فعاليات الموضة، مؤكداً أنه على وشك الإعلان عن صفقات مع علامتين تجاريتين للملابس في أمريكا الشمالية، حيث يستأجر مساحة في ممتلكاته لتطوير واجهات المحال التجارية.
ويتوقع تقرير صادر عن “براند إيسنز لبحوث السوق” أن تنمو سوق العقارات في “ميتافيرس” بمعدل سنوي مركّب قدره 31 في المئة سنوياً من 2022 إلى 2028.
بينما يبدو أن أسعار الأراضي والمنازل آخذة في الارتفاع، يرى ثيو تزانيديس المتخصص في التسويق الرقمي، “أنه من المهم الاعتراف بأن الاستثمار العقاري في (ميتافيرس) لا يزال تخمينياً للغاية، فلا أحد يستطيع التأكد ما إذا كانت هذه الطفرة هي شيء عظيم سيستمر أم مجرد فقاعة كبيرة ستنفجر في أي وقت”.
كما يشير آخرون إلى “أن الأراضي في “ميتافيرس” مجرد نسخة حديثة تشبه العملات المشفرة، التي تجذب المستثمرين إلى مشاريع قد تثبت في النهاية أنها بلا قيمة لها، لأن الأرض الحقيقية بها ندرة طبيعية ترفع من سعرها، بينما يتم إنشاء الأرض الافتراضية بسهولة باستخدام الكود، ولا يوجد حد لعدد منصات “ميتافيرس” الجديدة التي يمكن إطلاقها، بل إن المنصات الكبيرة الموجودة يمكنها إنشاء مزيد من الأراضي، كما فعلت (ساندبوكس) عندما قررت زيادة أحجام مساحات الأراضي المطروحة للبيع.
ويرى أندرو كيغيول “أن المستثمرين الأكبر سناً قد يسخرون من بيع أراضٍ افتراضية على “ميتافيرس”، لكن المستهلكين والمستثمرين الأصغر سناً يرون على الفور جاذبية هذا الاستثمار، ذلك أن المشكلة التي يعانيها كثير من الناس هي أن هناك أجيالاً تواجه صعوبة في إسناد قيمة إلى الأشياء الرقمية، والتي لا يمكن الاحتفاظ بها، لكن جيل الشباب ليس لديه مشكلة معها، كما هو الحال مع (أن أف تي)، حيث تسمح تقنية “البلوكتشين” بأن يكون الشيء رقمياً ونادراً ولا يمكن تعويضه، ويمكن الاحتفاظ به وتخزينه وعرضه وبيعه.
وفي حين يتساءل المشككون عما يمكن أن يقدمه امتلاك أرض افتراضية، كونه لا يوفر نتيجة ملموسة من مكان تعيش فيه، أو تفتخر به، أو تستقبل فيه العائلة والأصدقاء، فإن مؤيدي هذا الاستثمار يرون أنه عند التسوق لشراء عقارات افتراضية، يمكنك شراء قطعة أرض للبناء عليها، أو يمكنك اختيار منزل مبني بالفعل، ويمكنك جعله خاصاً بك باستخدام كائنات (رقمية) مختلفة، كما يمكنك دعوة الزوار لزيارة المنازل الافتراضية أيضاً.
وفي كل الأحوال، ينبغي التذكر أنه قبل ربع قرن، كان لدى الناس شكوك حول الأهمية المحتملة للإنترنت، وأخرى مماثلة حول وسائل التواصل الاجتماعي، بينما يتوقع خبراء التكنولوجيا أن تنضج “ميتافيرس” لتصبح اقتصاداً يعمل بكامل طاقته في السنوات المقبلة، مما يوفر تجربة رقمية متزامنة تتشابك في حياتنا، مثل البريد الإلكتروني والشبكات الاجتماعية الآن.
وفي كانون الثاني 2022 سجلت مبيعات العقارات الافتراضية نحو 85 مليون دولار، وفقا لـ”CNBC” .
وتوقع تقرير صادر عن شركة “براند إسينس ماركت ريسيرش” نمو سوق العقارات في عوالم “ميتافيرس” بمعدل سنوي مركّب قدره 31% سنويا بين 2022 و2028.
يأتي ذلك في ظل الاهتمام الكبير بعالم ” الميتافيرس ” من قبل كبريات الشركات العالمية، ومنها أبل التي أعلنت يوم الجمعة الماضي، عن ملامح خططها الخاصة بعالم “الميتافيرس” ، إذ أعلن رئيسها التنفيذي تيم كوك عن التوسع في تطبيقات الشركة للواقع المعزز، وهو ما تفاعل معه المستثمرون بإيجابية، وقفز سهم أبل بنحو 5% في تعاملات ما بعد الإغلاق ليسجل 167.25 دولار مقابل 159.22 دولار سعر الإغلاق قبل تداولات خارج المقصورة، مما يعوض نصف خسائرها على مدار العام.
ولم يعد “الميتافيرس”، مجرّد مفهوم، بل تحوّل إلى ساحة مبارزة بين الشركات العملاقة في القطاع الرقمي.
الأمر لم يتوقف عند حد الشركات، ففي منتصف كانون الثاني 2022 كشفت حكومة العاصمة الكورية الجنوبية عن خطط لضخ استثمارات هائلة في التقنيات الرقمية المتطورة، في مقدمتها “ميتافيرس”.
وأعلنت حكومة سيؤول أنها ستستثمر 291 مليون دولار في 2022 في المشاريع التي تستغل التقنيات الرقمية المتطورة، مثل مشروع “الميتافيرس” (العوالم الافتراضية) والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي.
وذكرت حكومة المدينة أن ما يصل إلى 1067 مشروعا، بما في ذلك المشروعات التي ستنفذها أحياء المدينة البالغ عددها 25 حيّاً، ستستفيد من الخطة الاستثمارية للمدينة من أجل “التحوّل النموذجي إلى الرقمنة”، وفقا لما أوردته وكالة أنباء “يونهاب” الكورية الجنوبية.
هل هذا ما يحتاجه العالم؟
في الحقيقة إنّني أتساءل :هل هذا ما يحتاجه العالم؟ أن تذهب هذه الأموال في عالم الخيال ونحن في عالم الواقع نحتاج لها من أجل التنمية ومساعدة فقراء العالم الذين تجاوزوا ستين بالمائة على الأقل من عدد سكان الأرض، وأليس من الأفضل أن نوجّه هذه الأموال للزراعة والصناعات المختلفة خاصة الغذائية لتلبية احتياجات سكان الأرض وأيضا توجيهها للحد من التغييرات المناخية التي تعاني منها الأرض؟!.. ولقد ضحكت كثيرا من أحد أصدقائي من علماء الدّين حين قال لي : يا رجل (لاحقين على عالم البرزخ) … في تهكم على هؤلاء الذين يشترون العقارات في “الميتافيرس”.
فيا ترى هل “الميتافيرس” لعبة جديدة من ألاعيب المافيات العالمية لنقل الأموال بطريقة احترافية لبعض الصناديق السياسية واستخدامها لاحقا لمآربهم الخاصة كما يحدث الآن في العملات الرقمية المشفّرة التي هي أيضا من التغييرات العالمية الخطيرة التي سوف تغيّر النظام العالمي النقدي والمالي؟!
أعتقد جازماً أن مستقبل العالم هوالنظام المالي الرقمي والاقتصاد الرقمي حيث أن التحول قادم لا محالة من أجل السيطرة على حركة الأموال في العالم لتكون مراقبة والتخفيف من موضوع غسيل الأموال بحيث أن كل دولة الآن سيكون لها عملتها الرقمية وبالتالي يختفي ما يسمى بالكاش المعروف لدينا أو الأوراق النقدية.
إن هذا التحول السريع في العالم سواء بـ ” الميتافيرس” او بالعملات الرقمية سيكون له آثار خطيرة جدا من ناحية اجتماعية وسياسية واقتصادية حتى ظهور أمراض نفسية جديدة تتطلب علاج بطريقة خاصة ريثما تتقبل الأجيال القادمة والأجيال القديمة هذه التغييرات العالمية.
ونحن في الأردن لا بدّ للنظام المصرفي والاقتصاد المحلي من الاستعداد للدخول في هذا العالم الجديد ومتابعة التطورات في العالم وإلّا سندفع الثمن ، حيث أن بعض البلدان العربية بدأت فعلاً بتأسيس بنوك للعملات المشفّرة مثل “الامارات والسعودية وقطر” وبدأوا بانشاء منصّات خاصة بـ “الميتافيرس” واستقطاب الشركات العالمية ليكون لها فروع في هذه البلدان.
وعلى صعيد الجامعات والمدارس فيجب الأخذ بمناهجنا المستقبلية وتخصصات الجامعات لهذه التطورات ليكون بمقدور الأجيال القادمة اللحاق بدرب الجامعات العالمية التي بدأت بالفعل بتجهيز مناهج خاصة لهذه التخصصات كما أنه على المحامين والمجلس القضائي والمشرعين وضع القوانين الناظمة لـ “الميتافيرس والعملات الرقمية”… فيا ترى أين نحن من هذه التطورات التي تحدث في العالم؟.