مرايا – تسعى ما تسمى “سلطة الطبيعة والحدائق” الإسرائيلية إلى الاستيلاء على أملاك للكنائس المسيحية الشرقية في جبل الزيتون شرقي القدس المحتلة، لصالح توسيع ما يسمى “الحديقة الوطنية” حول أسوار المدينة، والتي تسيطر جمعية “العاد” الاستيطانية على قسم كبير منها، تمهيدًا لتطويق البلدة القديمة، وعبر السيطرة على المناطق المحيطة بها.
ولم تقتصر اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه على الأماكن الإسلامية في القدس فقط، بل تطال أيضًا المقدسات المسيحية، في مسعى خطير للقضاء على كل ما هو فلسطيني بالمدينة وإلغاء وجوده.
ومن المقرر أن تعرض الخطة الإسرائيلية أمام “لجنة التخطيط والبناء المحلية” في بلدية الاحتلال للحصول على موافقة مبدئية في 2 آذار/مارس المقبل، وكان من المقرر عقد جلسة الاستماع في 10 أبريل/ نيسان، فتم تقديم الموعد، كونه يصادف “أحد الشعانين”.
وادعت “سلطة الطبيعة والحدائق”، التي تروج للخطة الاستيطانية لابتلاع مساحة واسعة من أراضي الكنائس، أنها تهدف إلى “توسيع مصمم لتجديد الأراضي التي تم إهمالها منذ فترة طويلة، وضمان طبيعة وصبغة المنطقة، من خلال الحفاظ على القيم التاريخية، الدينية والقومية، والمناظر الطبيعية التاريخية”.
وأضافت أنها” لن تضر بممتلكات الكنيسة المدمجة في الحديقة الوطنية، حسب زعم القائمين على المشروع المرتبط بالتصور (اليهودي الأرثوذكسي الديني – الحوض المقدس)، والحدائق التوراتية”.
وتثير الخطة الاستيطانية قلقًا بالغًا بين الجاليات المسيحية في المدينة المقدسة، وتخوفًا من المس بالكنائس في جبل الزيتون، كونه يفرض قيودًا كبيرة على إمكانية تطوير هذه المنطقة في المستقبل.
وجبل الزيتون يعد من الجبال الهامة في القدس، لما يُمثله من قداسة ومكانة دينية إسلامية ومسيحية وتاريخية وسياحية، ارتبطت بتاريخ وأحداث المدينة المقدسة وشخصياتها الدينية والاعتبارية، وجذب مشهدها الساحر العديد من السياح والحجاج والمؤرخين العرب والأجانب.
وفي العام 1968، بعد احتلال مدينة القدس، أقام الاحتلال “الحديقة التوراتية”، والتي تمتد على 1085 دونمًا، وتسيطر جمعية “إلعاد” على القسم المركزي فيها، ويقع في بلدة سلوان، ووسعت سيطرتها إلى أماكن أخرى في “الحديقة”.
وحسب مخطط بلدية الاحتلال، فإن الخطة ستشهد توسيع “حدود حديقة أسوار القدس الوطنية” بنحو 275 دونمًا، لتشمل جزءًا كبيرًا من جبل الزيتون، وأجزاء إضافية من وادي قدرون و”وادي هنوم”، وتلتف حول محيط البلدة القديمة شرقًا وجنوبًا وغربًا.
استهداف للوجود
رئيس التجمع الوطني المسيحي في الأراضي المقدسة ديمتري ديلياني يقول لوكالة “صفا” إن الخطة الاستيطانية التوسعية تستهدف الوجود المسيحي الأصيل في الأراضي المقدسة كما تستهدف الكنائس والمقدسات المسيحية.
ويوضح أن هذا المخطط لا يختلف كثيرًا عن خطة الاستيلاء على عقارات باب الخليل بالقدس القديمة سوى أن “توسيع الحديقة الوطنية” والاستيلاء على الأملاك المسيحية في جبل الزيتون يأتي من جهة حكومية تحت ذريعة الحفاظ على البيئة، علمًا أنه لا علاقة للبيئة بذلك.
ويصف هذه الخطة بأنها “أيديولوجية عنصرية متطرفة واحدة تعمل ضد كل من هو غير يهودي في المدينة المقدسة، وتشكل استهدافًا لكل مسلم ومسيحي، ولكل مسجد وكنيسة أيضًا، من أجل توسيع النفوذ الصهيوني المتطرف في المدينة”.
ويهدف الاحتلال–وفقًا لديلياني- إلى محاولة طمس الهوية الإسلامية المسيحية العربية الفلسطينية للقدس واستبدالها بهوية لها علاقة بأساطير وخرافات الفكر الصهيوني العنصري الذي يرفض وجود الآخر، وكذلك الترويج لروايات مضللة ليس لها علاقة بالواقع.
ويحذر من مخاطر هذه الخطة وتداعياتها، لأن من شأنها زيادة التضييق على الكنائس المسيحية في القدس، والسيطرة على المقدسات، وزيادة الشعور لدى كل مسلم ومسيحي بأنه مستهدف في مدينته، كما تؤدي إلى خلق بيئة طاردة للفلسطينيين سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين.
آليات المواجهة
ولمواجهة الخطة التوسعية، يقول ديلياني: إن” بطاركة القدس بعثوا برسالة إلى وزيرة البيئة الإسرائيلية حذروها من المضي قدمًا في المخطط، وأعلنوا رفضهم له، وبينوا الآثار السلبية لمثل هذه الخطة على الوجود المسيحي في القدس”.
ويشير إلى أن أعضاء من الكونغرس الأمريكي أعربوا خلال لقاءهم رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، الخميس الماضي، عن انزعاجهم وقلقهم من المخطط.
ويؤكد أن العمل لن يتوقف، بل جرى إطلاق حملة دولية سياسية وإعلامية بداية العام الجاري، لفضح ممارسات الصهيونية المتطرفة ضد الكنائس والمسيحيين في القدس، بحيث شملت كتابات ولقاءات ومقالات وأبحاث حول ممارسات الاحتلال، وقد لاقت ردود فعل كبيرة.
وبحسب ديلياني، فإن المعركة مستمرة سواء ضد مخطط “باب الخليل” ومحاولات الاستيلاء على العقارات بصفقات مشبوهة، أو ضد خطة التوسع الاستيطاني في جبل الزيتون.
وبهذا الصدد، يقول: “بدأنا بتنفيذ نشاطات دولية في قضية باب الخليل، وحملة دولية لمواجهة المشروع التوسعي على حساب الكنائس والمقدسات المسيحية، بما يشمل كنيستي الجثمانية، ومريم العذراء وما يحيطها من أماكن على سفوح جبل الزيتون غربًا”.
هجوم مخطط
وفي رسالة بعثوها إلى وزيرة حماية البيئة الإسرائيلية “تمار زاندبرغ”، طالب رؤساء الكنائس الكبرى بالقدس، وهم البطريرك اليوناني الأرثوذكسي ثيوفيلوس الثالث، وحارس الأماكن المقدسة الكاثوليكي فرانشيسكو فاتون، والبطريرك الأرمني نورهان منوغيان، بلجم المخطط، كونه يمس بحقوق الكنائس في هذه المنطقة ويخرق “الستاتيكو” فيها.
وأشاروا إلى تخوفهم من نشاط جمعية “إلعاد”، قائلين: “لا يمكننا ألا نشعر في السنوات الأخيرة بمحاولات من جانب جهات مختلفة بتقليص، إن لم يكن القضاء، على أي مميزات غير يهودية للمدينة المقدسة بواسطة تغيير الستاتيكو في هذا الجبل المقدس”.
وأضافوا “رغم أن سلطة الطبيعة تطرح الخطة من الناحية الرسمية، إلا أنه يبدو أنها تطرح ويروّج لها وتدفع قدمًا بواسطة جهات هدفها الوحيد على ما يبدو مصادرة وتأميم أحد أكثر الأماكن المقدسة للمسيحية وتغيير طابعها”.
وتابعوا “هذه خطوة قاسية تشكل هجومًا مباشرًا ومخططًا له مسبقًا على المسيحيين في الأراضي المقدسة، والكنائس وحقوقها القديمة في المدينة المقدسة.. ويبدو أن هذه الخطة، تحت غطاء حماية مناطق خضراء، تخدم أجندة أيديولوجية تنفي مكانة وحقوق المسيحيين في القدس”.
بدورها، قالت منظمات حقوقية إسرائيلية إن استيلاء العائلات اليهودية تدريجيًا على منازل وأراضي في الشيخ جراح وسلوان شمال وجنوب البلدة القديمة، وتوسيع ما يسمى بـ “حديقة أسوار القدس الوطنية” لتشمل جبل الزيتون، ستتمكن جمعية “العاد” من تطويق البلدة القديمة بالبؤر الاستيطانية مع المشاريع السكنية والأثرية والبيئية اليهودية، مما سيشعل المنطقة ويدخلها في حرب دينية لا تحمد عقباها.
وأشارت منظمات “بيمكوم، عيمق شافيه، عير عميم، والسلام الآن”، إلى أن “هناك صلة مباشرة بين ما يحدث في الشيخ جراح وخطة التوسع، ونحن نعترض على سوء الاستخدام الساخر للتراث وحماية البيئة كأداة من السلطات الإسرائيلية لتبرير التوسع الاستيطاني، ولإعادة تشكيل السرد التاريخي ولتحديد ملكية حوض البلدة القديمة”.