مرايا – بقلم: عمر كلاب
تجربة نظامين اداريين في دولة واحدة, ليست جديدة, فقد سبقنا اليها كثيرون, لكن مراجعة التجربة كل فترة واجبة, واذا كانت كارثة الميناء التي اودت بحياة 13 انسانا بريئا, نسأل الله الرحمة لهم والعزاء لذويهم, صادمة وقاسية, فيجب أن لا تكون نهاياتها كذلك, فالعقبة التي تتمتع بنظام اداري خاص, تعاني اليوم من وطأة النظام نفسه, وتعاني من عدم مراجعته وتطويره بما يتناسب مع التطورات ومواكبة الأحداث, بدليل أن ولي العهد, يتابع بشكل جيد و دائم الزيارة للمحافظة ومعه رئيس الوزراء, ويقدم ملاحظاته النقدية لتطوير الاداء, وإعادة الفك?ة الى اصل بداياتها.
ليست مفاجاة أن ميناء العقبة ليس تابعاً إدارياً لوزارة النقل, التي هي مسؤولة امام الاردنيين وبحكم الدستور عن كل ما يتعلق بالنقل ومن ضمنها الميناء, فهل يعقل ان الوزارة المسؤولة دستوريا خارج منظومة الادارة؟ سؤال واجب اليوم, وهل باستطاعة سلطة المنطقة الاقتصادية الخاصة ادارة هذا الملف الضخم, بما لديها من امكانيات وخبرات؟ أيضاً سؤال واجب, وهل النظام الخاص لاي محافظة او منطقة يعزلها عن النظام العام؟ وما حدود التقارب والتباعد بين النظام العام والنظام الخاص للعقبة, التي تسلل الى وعي كثير من قادة سلطتها, بأنهم مستقل?ن تماما عن النظام العام, بل وتصرفوا على هذا الاساس.
التسريبات الراشحة من لجنة التحقيق الوزارية, كشفت عن وقائع ربما تكون صادمة, ولكنها كاشفة ومفيدة لتجاوز اختلال كبير في الادارة والانظمة القائمة في العقبة, ويبدو ان الحكومة ورئيسها عازمون على كشف نتائج التحقيق بشفافية الى الرأي العام, اسوة بما حدث في حادثة مستشفى السلط, وهذه نقطة تسجل لحكومة الدكتور بشر الخصاونة, بوصفها الحكومة الوحيدة التي تفرج عن مجريات لجان التحقيق, وتقدم المسؤولين الى المحاسبة القضائية العادلة, وهذه نقطة مهمة لكنها ليست النهاية, فتصويب الاوضاع هي الاهم والاجدر, فبقاء العقبة خارج اطار النظ?م العام, في مفاصل رئيسة يحتاج الى مراجعة ومقاربة جديدة.
ربما من المسموح ان يجنح الفكر الى ما هو ابعد من ذلك, بعد ان قررت دول سبقتنا في منح منطقة نظام خاص الى التراجع عن الفكرة, لصالح ان يكون نظام العقبة الاستثماري هو النظام السائد في الاردن كله, كما يقول بعض اصحاب الرأي في هذا المضمار, فالاردن مقبل على نهضة في كل المجالات, منظومة اصلاح سياسي واداري وتطوير للقطاع العام, ومن الجدير بالملاحظة سحب هذه النهضة على العقبة وادواتها الادارية, فلا يوجد ما يمنع من تعميم الفكرة على جميع المحافظات, ونحن على ابواب قانون جديد للاستثمار, وكان جذر فكرة منح العقبة نظام خاص هو ال?ستثمار, وما يميز العقبة من بحر وحدود بحرية, يميز محافظات اخرى من حدود برية ومناطق سياحية جاذبة, فالشمال الاردني زاخر بالاثار والطبيعة, ولا نريد التوسع في المناطق الخاصة, لذلك من المجدي التفكير في منح الاستثمار نفس المزايا التنافسية الممنوحة للعقبة, فتكون العقبة بذلك نموذجا اجرائيا او منطقة مناورة بالذخيرة الحية, كمشروع تجريبي قابل للتعميم.
لا يمكن انكار التطور الذي شهدته العقبة بوجود المنطقة الاقتصادية الخاصة, ولا يمكن بالمقابل القفز عن السلبيات, دون الاغراق في السوداوية, فما زال ثغر الاردن باسماً وما زالت رمال العقبة ذهباً كما كل رمال المحافظات الأردنية, ولكن اللحظة حانت للقفز عن الجراح والتفكير بشكل خلّاق وخارج الصندوق, بتحويل المحن الى منح, فحادثة العقبة كاشفة لكي نصحو, ونراجع منظومة الادارة والاستثمار, ونتعلم من المؤسسة العسكرية والأمنية كيف أن التدريب الجيد والمحاسبة, هما أسرار النجاح, بعد أن حمتنا هذه المنظومة من كارثة أكبر, هي والجيش الأبيض.
omarkallab@yahoo.com