مرايا – بقلم: عمر كلاب

اختصر الملك عبد الله الثاني المسافة على قمة جدة, بأن قدم لها وصفة الحل الوحيدة لمشاكل الاقليم, دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية, ودون ذلك فإن ازمات الاقليم متدحرجة وقابلة للاشتعال اكثر من اي وقت مضى, فكل الازمات اللاحقة لاحتلال فلسطين, نتائج لسبب واحد هو غياب الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية, الملك اعاد تقديم وصفة علاج القلق الاقليمي, فطالما فلسطين وشعبها يعيشون حالة قلق, لن يهنأ الاقليم بلحظات راحة, فمناطق القلق والنزاعات لن تشهد رفاها او تقدما ملموسا على اي ?سار.

الموقف الأردني, وثمار النشاط الملكي, كانا واضحين في كلمات الرؤساء العرب, بعيد كلمة الملك ونشاطاته وحركته الدؤوبة, فالقلق في المنطقة نتاج الاحتلال الصهيوني واجراءاته المستمرة في اجهاض حل الدولتين, حتى بات هذا الحل بانتظار شهادة الوفاة, لكن الامل ما زال قائما رغم ذلك, والاردن يدرك ان كل تأخير في احياء هذا الحل, يعني استمرار المنطقة في القلق, المفضي الى ازدياد التطرف والارهاب, والتدخلات البينية من الدول ذات الاجندات الخاصة, فكل اجندة اقليمية تجد شرعيتها في القضية الفلسطينية, سواء بدعم المقاومة وأذرعها, او بمح?ربة المقاومة وأذرعها, أو باستثمار المقاومة لاوقات ثم الانقلاب عليها أو الارتداد عن دعمها.

قمة جدة لم تكشف صوابية الموقف الاردني فحسب, بل كشفت بأن لا بديل عن دعم الاردن, لتعزيز مناعته الوطنية والقومية, اولا بالتأكيد على الوصاية الهاشمية, بوصفها الحل الوحيد القائم لوقف المؤامرة الصهيونية على المقدسات المسيحية والاسلامية, رغم ما تتعرض له هذه الوصاية من استهدافات مبرمجة على الارض وعلى المشروعية, فالانتهاكات الصهيونية مستمرة وتزداد عنفا, مقابل دعم امريكي وصمت عربي, مما جعل الاردن يتحرك منفردا لمواجهة الاعتداءات الصهيونية, التي قابلها الاردن بخطوات اجرائية سياسية وخطوات عملية رغم ضيق اليد ومحدودية ال?مكانات, لكن قمة جدة اعادت التاكيد على الوصاية وشرعيتها الدولية تحديدا بعد الموقف الامريكي الاخير, على لسان الرئيس الامريكي بايدن, الذي لم يتراجع عن موقف سلفه ترامب بالعاصمة الموحدة, لكنه ابقى الدور الاردني, وهذه فُتحة صغيرة يمكن ان ينفذ الاردن والعرب منها لتدعيم صمود المقدسيين.

الملك اوفى ايضا بالتزاماته والتزامات الاردن التاريخية, بعدم الدخول في احلاف او اصطفافات اقليمية, فهو قدم النموذج لمعالجة الاسباب, وبالتالي ستنحسر النتائج السلبية او تتوجه الى مسارات مختلفة عن مسارها الحالي, بحيث لن يجد اي طرف اقليمي, ما يسند اجندته, سواء كان هذا السند صحيحاً او ضعيفاً او موضوعاً, فالقضية الفلسطينية تشكل عموداً صلبا لاي اجندة اقليمية, فهي تمنح الوجه القيمي المحبوب لاي نموذج قبيح, سواء كان هذا الوجه مذهبيا او متطرفا او تطبيعيا, فيكفي ان ترفع شعاراً داعماً لفلسطين حتى تحظى بقبول شارعي في العا?م العربي, الذي ما زالت فلسطين قضيته المركزية.

قمة جدة شهدت عرضاً للمخاطر التي يواجهها كل بلد عربي, لكنها في مجملها لم تستطع اهمال القضية الفلسطينية, أو ركنها على الهامش, وبقي أن تتوحد القوى الفلسطينية, فليس معقولاً أن يبقى سنجق غزة, وأن تبقى تنسيقية السلطة, ولا تحضر فلسطين.

omarkallab@yahoo.com