مرايا – كتب: نضال القطامين
تحمل أول زيارة لبايدن للشرق الأوسط في خفاياها الكثير، تبحث الولايات المتحدة عن إعادة تكريسٍ لدورها في المنطقة، وتوسيع اندماج اسرائيل في الإقليم، فضلا عن الإطمئنان على استمرار تدفق النفط والغاز وفق حساباتها ضمن ظروف دولية حاسمة ومرعبة.
أمّا حل الدولتين، وأن تكون القضية الفلسطينية في واجهة اللقاءات، فذاك ما اعتقد الأمريكان أن الناس قد سهوا عنه وسط أمواج القضايا المتتالية.
بينما أشار بايدن إلى “أن إدارته تمتلك رؤية واضحة بشأن ما ينبغي القيام به في منطقة الشرق الأوسط، وأن الولايات المتحدة استثمرت ببناء مستقبل أفضل في المنطقة”، إنصرف الحاضرون على طاولة جدة المستديرة، إلى ملفات طارئة شائكة، وأفسحوا لملفات الطاقة وأزمات الغذاء العالمي وايران واليمن مساحات وفيرة في الحوار.
على امتداد ألم فلسطين، في كل السنين التي تنجب الكوارث وتتناسل فيها الأزمات، وحده الملك من يعيد كرة فلسطين لنصف الملعب، حيث الميدان الحقيقي لتجريب الفحولات السياسية، وقد واظبت القمم العالمية على ترحيل القضية المركزية وفرضت على عقول الناس تغييبا لأهميتها إزاء اضطراب مفتعل وإلهاء متعمد.
دون شك، فقد كان الملك فارس اللقاء، لقد استوحى بايدن من زيارة الملك الى واشنطن سياقات مختلفة لجدول القمة المفروض، فضلا عن أن الزيارة أسست لأجواء الإيجابية التي سادتها، فيما بات جليّا وواضحا أن دور الملك والأردن لا يمكن تجاهله وقد أضحى مهما لمفاتيح الحلول في الشرق الأوسط.
على طاولة جدة قال الملك أنه “لا أمن ولا استقرار ولا ازدهار في منطقة الشرق الأوسط دون حل يضمن قيام الدولة الفلسطينية”، وأن الأردن يواجه تداعيات تدفق اللاجئين كالعاده وعبر عقود مضت، وآثار جائحة كورونا، والمخاطر الأمنية المتجددة المتعلقة بتهريب المخدرات والأسلحة على حدود المملكة، وقد “باتت خطرًا كبيرًا يداهم المنطقة”.
دائما كان الملك وحده من يشير للأمريكان وللعالم كلما سنحت الفرص أن تحولات سياستهم الخارجية ينبغي ألّا تقفز عن مركزية القضية الفلسطينيه بوصف مباشرة وضع حلول لها، وأن منح الشرق الأوسط مساحة إضافية في لقاءات القيادات هو إسهام مباشر في استقرار العالم؛ أمنه ومستقبله.
نقرأ في نتائج القمة أنه مهما بلغ شوط اندماج اسرائيل في المنطقة فإنه لا يمكن لأي طرف تجاوز دور الاردن والملك تحديدا في الحفاظ على حل الدولتين ودور الوصاية الهاشمية على المقدسات، فيما يفرض الموقع الجغرافي التاريخي للأردن دورا مهما آخر في مسألة امكانية امتداد التعاون بين اسرائيل ودول الخليج.
ونقرأ كذلك، موقف القادة من تعزيزهم لدور الأردن الجيوسياسي، ودور الملك الهام والمفصلي في انفتاحه على الدعوة للحفاظ على الحقوق العربية وحرصه على استمرار الوضع الآمن والمستقر في المملكة، فيما جاء عدم التطرق لحلف الناتو العربي الامريكي الاسرائيلي، كما ورد تسميته في الإعلام الذي سبق القمة كخطوة توازن ذكية تهدف إلى وقف التصعيد في شبكة الأحلاف الدولية في ظل واقعها المضطرب.
تمضي السنون معبأة بالكآبات والخيبات، ينصرف العالم كل يوم لضوضاء وفوضى وقلق تُخلق في الردهات وتصنع على مهل، حيث تمارس لعبة اختلاق أزمة لنسيان أخرى، وحيث الرهان على ذاكرة الناس وتأطير عقولهم بمسرب لقم الحياة.
وحده الملك من يقاوم على امتداد السنين مشاريع تصفية القضية، وينهض بعبء تسويقها على العالم الذي كاد أن يغفل عنها، ويذرع المسافات لتعزيز دفاعات العرب التي يبدو أنها ستقع في شرك السلام المفروض والمصطنع.
اليوم، يقاتل الملك على جبهات داخلية وخارجية مختلفة، لقد أسس ببراعة لدعم أمريكي لاقتصاد المملكة، دعم لا يرتبط بالحزب الفائز هناك ولا يرتهن لبرامج قادته القادمين، إنه دعم تعرف الولايات المتحدة أهمية تقديمه لدولة حافظت على توازنات بالغة الخطورة وهامة في منتصف اضطراب قاتل ومرعب ومخيف..